29 أكتوبر 2024
الإسلام حين يتحوّل جمهورية رعب!
محمد طلبة رضوان
لا يمكن لأحد أن يعبث بالإسلام، الدين، أو يغيّره عن مساره، ذلك لأن الله حفظ سطور نصه المؤسس، أما فهمه، وإنزاله على الواقع، فقد تعرّضا مراراً للتجريف، تارة بالتسييس، وتاراتٍ بنفاق الجماهير، حسابات التوفيق بين المجتمع والسلطة، حسابات المؤسسة الدينية، بعد أن تمأسس الدين، أزهر، وزيتونة، وحوزة، وما يستجد من أذرعة السلطة، زاد ذلك وغطّاه تحوله إلى جماعاتٍ حركية، تستهدف السلطة، تستهدفها بالدِّين، أو تستهدفها للدين، نواياهم تخصهم. الشاهد أن مساحات التفلت من أخلاقية الرسالة إلى نفعية المرسل إليهم، ومن إنسانيتها إلى سلطويتهم، أمر واقع.
شهدت الأيام القليلة الماضية معركة مفتعلة على "السوشال ميديا" حول برنامج "قراءة ثانية" الذي تقدمه شاشة تلفزيون العربي، ويتناول مسائل الفكر الإسلامي، ويحاول أن يجيب عن أسئلته المعلقة، ويهدف إلى الحوار لا المناظرة، التفاهم لا العراك، التجاور لا الإزاحة. ثمّة واقع قديم، غير معترف به الآن، وهو أن الإسلام واحد ومتعدد. وكانت هذه العبارة عنوانا لسلسلة متميزة لكتيباتٍ، أصدرتها دار الطليعة اللبنانية، تعرض قراءاتٍ متعددةً للإسلام، تختلف وفقا للأفكار، المذهبيات، التاريخ، الجغرافيا، الإسلام السني، الشيعي، الصوفي، إسلام المجدّدين، إسلام الفلاسفة، الجميع تحت راية التوحيد.
تنوّع في إطار الوحدة، جزء من ميراث الإسلام، وثروته، وقدرات نصه المعجز وإمكاناته وممكناته، جزءٌ من هويته القائمة على الاختلاف، يُراد له، منذ زمن، أن يختفي لصالح قراءة واحدة، يسمّونها "الفهم الصحيح"، ويزعمون أنه فهم السلف الصالح. وعلى الرغم من سذاجة الفكرة، وإهدارها عامل الزمن، إلا أن التعاطي الجاد معها يكشف عن كذب ادّعاء أن ما يقدمونه هو "فهم السلف"، إنما هو مختاراتهم المنتقاة بعناية، من التراث، على مذهب الحاكم بأمر السلف.
حوارات كثيرة دارت على هامش حلقات البرنامج مع ضيوفه، حواراتٌ وتصريحات، واعترافات لا أعرف إن كان من حقي نقلها أم لا. حسبنا هنا الإشارة إلى الأفكار دون الأشخاص، إذا أردنا أن نضع عنوانا كبيرا يمكننا أن نضع تحته الجميع (إلا قليلا)، فهو: "العلماء خائفون"، ممن؟ من بعضهم بعضا بالأساس، ثم يأتي المجتمع والسلطة. يحدّثني أحدهم، فيقول عرضت رأيي عندكم في مسألة، لكنني أخشى عرضه في مسائل أخرى. يضرب أمثلةً ويفصح، يأتي بأدلة، أتحمّس، أطالبه بالكشف عما لديه، فيطالبني مازحا بحمايته. ستمرّ هذه الحلقة بالسب والشتم والخوض في الأعراض، غيرها لن يمر إلا بالاغتيال المعنوي، (على الأقل). ليس الأمر سهلا، حتى من يقتنعون بوجهة نظرك نفسها، ويسرّون إليك بها، لن يدعموك، وربما تطوعوا لقتالك في سبيل الجماهير!
يخبرني آخر (من التقليديين!) عن فكرةٍ يمكن أن تغير وجه التفكير الإسلامي المحافظ كله، وتتجاوز بنا عشرات السنوات، أسأله: فكرتك؟ لا. فكرة من؟ فلان. أُدهش، اسم كبير، قدم راسخة في العلم، مرجعية لدى ملايين المسلمين، لماذا لا يعلن عنها؟ لأنه خائف، ممن؟ من الجميع، أصغر "عيّل" على مواقع التواصل يمكنه أن يبدّد تاريخه كله، باتهام بسيط، .. كبر وخرف، ظهرت نياته الحقيقية، منكر للسنة، منبهر بالغرب، مهزوم نفسيا، المؤامرة، المستشرقين. هذه المزايدات حين تردّدها ألسنة رخيصة وأنفس صغيرة، وعقول مراهقة، ويقدّمونها بصياغات حماسية رنانة، وعبارات قصيرة حدية يسهل لوكها وترديدها، لها فعل السحر، ما قيمة العلم أمام مغرّد وقح؟!
كل ما قدمناه إلى الآن هو ما يسمح به السقف المنخفض، ليس للشاشة، إنما للحالة الإسلامية كلها، تلك التي تخشى النقاش، وتعجز عن رد الحجة بالحجة، وتختبئ خلف تأليب العامة، وإثارتهم، واللعب على أوتار العنصرية والطائفية، وتحويل الحوار بين أهل القبلة إلى صراع بين الحق والباطل، واستدعاء آياتٍ نزلت في مشركين وإنزالها على مسلمين، وتسميم جو النقاش كله، كي يخشاه الناس، ويُؤثرون السلامة والبعد عن وجع القلب. وبذلك، فقط، يضمنون استمرارهم، واستمرار طرحهم الضعيف المتهافت الذي تجاوزه الزمن، وأكل عليه الدهر وشرب، وصار عبثيا، كوميديا، متحفيا، في أفضل ظروفه، لكنه باق ويتمدّد.. بالخوف.
تنوّع في إطار الوحدة، جزء من ميراث الإسلام، وثروته، وقدرات نصه المعجز وإمكاناته وممكناته، جزءٌ من هويته القائمة على الاختلاف، يُراد له، منذ زمن، أن يختفي لصالح قراءة واحدة، يسمّونها "الفهم الصحيح"، ويزعمون أنه فهم السلف الصالح. وعلى الرغم من سذاجة الفكرة، وإهدارها عامل الزمن، إلا أن التعاطي الجاد معها يكشف عن كذب ادّعاء أن ما يقدمونه هو "فهم السلف"، إنما هو مختاراتهم المنتقاة بعناية، من التراث، على مذهب الحاكم بأمر السلف.
حوارات كثيرة دارت على هامش حلقات البرنامج مع ضيوفه، حواراتٌ وتصريحات، واعترافات لا أعرف إن كان من حقي نقلها أم لا. حسبنا هنا الإشارة إلى الأفكار دون الأشخاص، إذا أردنا أن نضع عنوانا كبيرا يمكننا أن نضع تحته الجميع (إلا قليلا)، فهو: "العلماء خائفون"، ممن؟ من بعضهم بعضا بالأساس، ثم يأتي المجتمع والسلطة. يحدّثني أحدهم، فيقول عرضت رأيي عندكم في مسألة، لكنني أخشى عرضه في مسائل أخرى. يضرب أمثلةً ويفصح، يأتي بأدلة، أتحمّس، أطالبه بالكشف عما لديه، فيطالبني مازحا بحمايته. ستمرّ هذه الحلقة بالسب والشتم والخوض في الأعراض، غيرها لن يمر إلا بالاغتيال المعنوي، (على الأقل). ليس الأمر سهلا، حتى من يقتنعون بوجهة نظرك نفسها، ويسرّون إليك بها، لن يدعموك، وربما تطوعوا لقتالك في سبيل الجماهير!
يخبرني آخر (من التقليديين!) عن فكرةٍ يمكن أن تغير وجه التفكير الإسلامي المحافظ كله، وتتجاوز بنا عشرات السنوات، أسأله: فكرتك؟ لا. فكرة من؟ فلان. أُدهش، اسم كبير، قدم راسخة في العلم، مرجعية لدى ملايين المسلمين، لماذا لا يعلن عنها؟ لأنه خائف، ممن؟ من الجميع، أصغر "عيّل" على مواقع التواصل يمكنه أن يبدّد تاريخه كله، باتهام بسيط، .. كبر وخرف، ظهرت نياته الحقيقية، منكر للسنة، منبهر بالغرب، مهزوم نفسيا، المؤامرة، المستشرقين. هذه المزايدات حين تردّدها ألسنة رخيصة وأنفس صغيرة، وعقول مراهقة، ويقدّمونها بصياغات حماسية رنانة، وعبارات قصيرة حدية يسهل لوكها وترديدها، لها فعل السحر، ما قيمة العلم أمام مغرّد وقح؟!
كل ما قدمناه إلى الآن هو ما يسمح به السقف المنخفض، ليس للشاشة، إنما للحالة الإسلامية كلها، تلك التي تخشى النقاش، وتعجز عن رد الحجة بالحجة، وتختبئ خلف تأليب العامة، وإثارتهم، واللعب على أوتار العنصرية والطائفية، وتحويل الحوار بين أهل القبلة إلى صراع بين الحق والباطل، واستدعاء آياتٍ نزلت في مشركين وإنزالها على مسلمين، وتسميم جو النقاش كله، كي يخشاه الناس، ويُؤثرون السلامة والبعد عن وجع القلب. وبذلك، فقط، يضمنون استمرارهم، واستمرار طرحهم الضعيف المتهافت الذي تجاوزه الزمن، وأكل عليه الدهر وشرب، وصار عبثيا، كوميديا، متحفيا، في أفضل ظروفه، لكنه باق ويتمدّد.. بالخوف.
مقالات أخرى
22 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024
01 أكتوبر 2024