28 أكتوبر 2024
المساعدات الإنسانية إلى سورية .. فشل آخر لروسيا
تواصل روسيا، منذ نحو شهرين، حملة في منابرها الدبلوماسية في العالم، لإلغاء العقوبات الأميركية ـ الأوروبية تجاه النظام السوري، بحجة أنها تلحق الضرر بالاقتصاد، وبالتالي تمنع توريد الأدوية والمعدات الطبية إليها، ما يصعب مكافحة وباء كورونا. ويبدو أن صناع القرار في الكرملين كانوا يأملون في أن تأتي هذه الحملة بثمار، خصوصا بعد دخول منظمات وشخصيات دولية على الخط الروسي، للمطالبة بفك الحصار المفروض على النظام السوري، وفي مقدمة هذه الجهات، الأمم المتحدة التي قال مبعوثها الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، "أنا شخصيا والأمم المتحدة قد توجهنا إلى الدول المعنية بطلب منح استثناءات إنسانية لاستغلالها في مكافحة جائحة كوفيد 19، وأود أن أشير إلى أنني تلقيت ردا إيجابيا من بعض البلدان في هذا الصدد".
أن تستغل روسيا وباء كورونا للمطالبة بإلغاء العقوبات الأميركية ـ الأوروبية على النظام السوري، فهذا مفهوم ومتوقع، لإحداث اختراق اقتصادي ـ سياسي في الستاتيكو القائم، ولكن، الحملة الروسية سرعان ما اصطدمت بالجدار الأميركي ـ الأوروبي، وكشفت المأزق الروسي.
وشكلت جلسة مجلس الأمن، الخاصة بالوضع الإنساني في سورية، عنوانا آخر للصراع الاقتصادي بين موسكو وواشنطن، فقد رفضت روسيا مسودة مذكرة لمنظمة الصحة العالمية، تقول في إحدى فقراتها "تريد المنظمة من مجلس الأمن أن يسمح بشكل عاجل باستخدام معبر حدودي عراقي مع سورية مجدّدا لتسليم الإمدادات للمساعدة في مكافحة وباء فيروس كورونا". وتم استبدال هذه الفقرة بأخرى أصرّت عليها موسكو: "هناك حاجةٌ إلى خيارات جديدة لإحلال المساعدات التي كان يتم تسليمها عبر العراق، وأنه لا يمكن توسيع عمليات الشحن عبر خطوط الصراع في البلاد بما يكفي لتلبية الاحتياجات في شمال شرق سورية".
تريد واشنطن فتح معبر اليعربية ـ ربيعة على الحدود العراقية الذي تسيطر عليه "قوات سوريا
الديمقراطية"، لإدخال المساعدات الإنسانية لعموم الشمال السوري، والابتعاد عن تحكم النظام بالمساعدات الأممية الإنسانية، فيما تقوم مقاربتها السياسية على ربط رفع العقوبات بحصول تقدم جدّي على صعيد حقوق الإنسان الأساسية، والبدء بعملية انتقال سياسي نحو الديمقراطية، تضمن الاستقرار والعودة الآمنة والطوعية للنازحين واللاجئين. وتعتقد واشنطن، في سياستها ذات النفس الطويل، أن العقوبات تشكل ورقة ضغط جدية وفاعلة على النظام وحلفائه من أجل تقديم تنازلات سياسية. والموقف الأميركي من هذه المسألة محسوم وفق آخر تصريح للمندوبة الأميركية في مجلس الأمن كيلي كرافت: "العقوبات الأميركية ستبقى سارية حتى يتخذ أولئك الجناة والمستفيدون من النزاع خطوات لا رجعة فيها لتلبية تطلعات الشعب السوري، وفق القرار الدولي 2245".
في المقابل، ترفض موسكو تقديم خدمةٍ مجانية للولايات المتحدة وحلفائها في سورية عبر فتح معبر اليعربية، أو أي معبر آخر خارج سيطرة النظام باستثناء معبري باب السلام وباب الهوى مع تركيا، وتصر على أن إدخال المساعدات، حتى لمناطق سيطرة المعارضة ومناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، يجب أن يتم عبر النظام السوري، فهذه إحدى النقاط التي تشرعن وجوده على الصعيد الدولي. وقد عبر عن ذلك صراحة المندوب الروسي في مجلس الأمن، فاسيلي نيبينزيا، حين قال "نحث زملاءنا بقوة على ألا يضيعوا وقتهم في البحث عن سبيل للدفاع، بشكل صريح أو ضمني، عن العودة إلى استخدام اليعربية".
المسألة بالنسبة لروسيا سياسية وليست إنسانية، فهي طالبت، أكثر من مرة، بوضع فقرة داخل القرارات الدولية ذات الصلة، تشير إلى موافقة النظام السوري على وصول المساعدات إلى سورية، الأمر الذي رفضته سبع دول. ولذلك، رفضت موسكو تمرير قرار دولي يلبي المطالب الأميركية، إلى أن انتهى الموضوع بحل وسط تم تبنيه ضمن القرار 2504 في 11 يناير/ كانون الثاني الماضي، ويقضي بتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سورية، عبر معبرين فقط من تركيا ولمدة ستة أشهر، وإغلاق معبري اليعربية في العراق، والرمثا في الأردن.
ووفقا لمنطوق القرار الأممي هذا، ستكون موسكو قادرةً كل ستة أشهر على التحكّم بمسار
المساعدات الدولية وآليتها، ومن دون تجديد الآلية، ستضطر الأمم المتحدة إلى طلب موافقة من النظام السوري لتوصيل المساعدات إلى الشمال، وهذا ما ترفضه الولايات المتحدة ودول أوروبية.
بقاء الآلية الأممية لتقديم المساعدات إلى الداخل السوري تخدم النظام، طالما لا يوجد أفق لإنهاء العقوبات، لأن المنظمات الوسيطة التي تتسلم المساعدات الأممية إما تابعة له أو مخترقة منه، وفي الحالتين، يستفيد النظام من غالبية المساعدات التي تصل إلى سورية، ويتم توزيع أغلبها على قاعدته الشعبية فقط.
على مدار السنوات الماضية، تلاعب النظام في آلية تقديم المساعدات الإنسانية، لضمان أن تحل فائدته الخاصة محل احتياجات السكان، فقد فرض إلزام المنظمات الإنسانية بتقديم مشاريع إلى الحكومة للموافقة عليها، وغالبا ما يتم رفض المشاريع المقترحة، ويتم استبدالها بمشاريع يطرحها النظام، لا علاقة لها باحتياجات الناس. وأدّت هذه الآلية إلى تحكم النظام بالمساعدات الإنسانية، فيمنح المساعدات للموالين له ويمنعها عن المعارضين له، وقد ردّت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن على المندوب الروسي، بقولها إن الولايات المتحدة قدمت تمويلا مباشرا للمساعدات الإنسانية للمناطق التي يسيطر عليها النظام، وهذا يعني أنه إذا لم تصل المساعدات إلى الشعب السوري، فلأن "نظام الأسد اختار منع إيصالها، وليس بسبب سياسة الولايات المتحدة".
تدرك روسيا هذه المسألة تماما. ولكن بسبب عجزها عن ممارسة ضغوط جدية على النظام من أجل إحداث تغيير في سياسته الاقتصادية الداخلية من جهة، وعجزها عن ثني الأميركيين بتخفيف العقوبات من جهة ثانية، تجد روسيا نفسها مضطرةً إلى المضي في تبني نهج النظام، وقد كشفت ذلك محطاتٌ كثيرة خلال السنوات الماضية.. إنه المأزق الروسي، حتى حين يصل الأمر إلى المساعدات الإنسانية.
وشكلت جلسة مجلس الأمن، الخاصة بالوضع الإنساني في سورية، عنوانا آخر للصراع الاقتصادي بين موسكو وواشنطن، فقد رفضت روسيا مسودة مذكرة لمنظمة الصحة العالمية، تقول في إحدى فقراتها "تريد المنظمة من مجلس الأمن أن يسمح بشكل عاجل باستخدام معبر حدودي عراقي مع سورية مجدّدا لتسليم الإمدادات للمساعدة في مكافحة وباء فيروس كورونا". وتم استبدال هذه الفقرة بأخرى أصرّت عليها موسكو: "هناك حاجةٌ إلى خيارات جديدة لإحلال المساعدات التي كان يتم تسليمها عبر العراق، وأنه لا يمكن توسيع عمليات الشحن عبر خطوط الصراع في البلاد بما يكفي لتلبية الاحتياجات في شمال شرق سورية".
تريد واشنطن فتح معبر اليعربية ـ ربيعة على الحدود العراقية الذي تسيطر عليه "قوات سوريا
في المقابل، ترفض موسكو تقديم خدمةٍ مجانية للولايات المتحدة وحلفائها في سورية عبر فتح معبر اليعربية، أو أي معبر آخر خارج سيطرة النظام باستثناء معبري باب السلام وباب الهوى مع تركيا، وتصر على أن إدخال المساعدات، حتى لمناطق سيطرة المعارضة ومناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، يجب أن يتم عبر النظام السوري، فهذه إحدى النقاط التي تشرعن وجوده على الصعيد الدولي. وقد عبر عن ذلك صراحة المندوب الروسي في مجلس الأمن، فاسيلي نيبينزيا، حين قال "نحث زملاءنا بقوة على ألا يضيعوا وقتهم في البحث عن سبيل للدفاع، بشكل صريح أو ضمني، عن العودة إلى استخدام اليعربية".
المسألة بالنسبة لروسيا سياسية وليست إنسانية، فهي طالبت، أكثر من مرة، بوضع فقرة داخل القرارات الدولية ذات الصلة، تشير إلى موافقة النظام السوري على وصول المساعدات إلى سورية، الأمر الذي رفضته سبع دول. ولذلك، رفضت موسكو تمرير قرار دولي يلبي المطالب الأميركية، إلى أن انتهى الموضوع بحل وسط تم تبنيه ضمن القرار 2504 في 11 يناير/ كانون الثاني الماضي، ويقضي بتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سورية، عبر معبرين فقط من تركيا ولمدة ستة أشهر، وإغلاق معبري اليعربية في العراق، والرمثا في الأردن.
ووفقا لمنطوق القرار الأممي هذا، ستكون موسكو قادرةً كل ستة أشهر على التحكّم بمسار
بقاء الآلية الأممية لتقديم المساعدات إلى الداخل السوري تخدم النظام، طالما لا يوجد أفق لإنهاء العقوبات، لأن المنظمات الوسيطة التي تتسلم المساعدات الأممية إما تابعة له أو مخترقة منه، وفي الحالتين، يستفيد النظام من غالبية المساعدات التي تصل إلى سورية، ويتم توزيع أغلبها على قاعدته الشعبية فقط.
على مدار السنوات الماضية، تلاعب النظام في آلية تقديم المساعدات الإنسانية، لضمان أن تحل فائدته الخاصة محل احتياجات السكان، فقد فرض إلزام المنظمات الإنسانية بتقديم مشاريع إلى الحكومة للموافقة عليها، وغالبا ما يتم رفض المشاريع المقترحة، ويتم استبدالها بمشاريع يطرحها النظام، لا علاقة لها باحتياجات الناس. وأدّت هذه الآلية إلى تحكم النظام بالمساعدات الإنسانية، فيمنح المساعدات للموالين له ويمنعها عن المعارضين له، وقد ردّت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن على المندوب الروسي، بقولها إن الولايات المتحدة قدمت تمويلا مباشرا للمساعدات الإنسانية للمناطق التي يسيطر عليها النظام، وهذا يعني أنه إذا لم تصل المساعدات إلى الشعب السوري، فلأن "نظام الأسد اختار منع إيصالها، وليس بسبب سياسة الولايات المتحدة".
تدرك روسيا هذه المسألة تماما. ولكن بسبب عجزها عن ممارسة ضغوط جدية على النظام من أجل إحداث تغيير في سياسته الاقتصادية الداخلية من جهة، وعجزها عن ثني الأميركيين بتخفيف العقوبات من جهة ثانية، تجد روسيا نفسها مضطرةً إلى المضي في تبني نهج النظام، وقد كشفت ذلك محطاتٌ كثيرة خلال السنوات الماضية.. إنه المأزق الروسي، حتى حين يصل الأمر إلى المساعدات الإنسانية.