17 نوفمبر 2024
كورونا يقسم العالم مجدّداً
يعيد فيروس كورونا تقسيم العالم إلى دول ينتشر فيها الفيروس بسرعة كبيرة وتسارع مرتفع، ويسجل عدد وفيات متزايداً، ودول تخفي المعلومات فلا تعلن الأعداد الحقيقية.. لا يمكن التأكيد إن كانت دول الانتشار السريع تُعطي بيانات صادقة! ولا التثبت من أن الدول الأخرى تتقصد التمويه لسببٍ ما، هي فقط تعطي معلومات ناقصة، وهذه سمة خاصة لدول كثيرة في آسيا وأفريقيا، ومع ذلك لا يزال التقسيم صالحاً.
على الرغم من التباين، الكل تقريباً يجتمع على وجوب تطبيق إجراءات عزل وتعقيم، وسياسة إعلامية بمضمون توعوي وتحذيري متشابه، ومنع الخروج إلا للضرورات، وتحديد حرية الحركة، وتتخصص بعض دول الفئة الثانية بتوقيف الحركة ليلاً، حيث يبدأ الحجز يومياً من ساعات المساء الأولى وحتى الصباح الباكر، وقد يبدو حجر دول الفئات الثانية أقرب إلى الحجر البوليسي منه إلى الحجْر الصحي. وفي حين تترافق إجراءات الحجْر في دول المجموعة الأولى مع حملات فحوص احترازية مكثفة، تكتفي دول المجموعة الثانية بإجراءات حجْر عشوائي أقرب إلى الاحتجاز.
على الرغم من أن الصين دولة اقتصاد ضخم ومتنوع وله حضور عالمي واسع، إلا أنها تعدّ من دول الصنف الثاني، فإخفاء المعلومات سنّة متبعة في عصر كورونا وما قبله، وهذه الأنظمة تَعتبر أن قلة المعلومات المعروفة عنها تعطيها مزيداً من القوة، وأنَّ تحكمها بسير المعلومات وكثافتها يمنحها مقدرة أكبر على السيطرة، ومع أنها وجدت نفسَها أخيراً مضطرّة للاعتراف بأن كورونا قد حصد ضعف الضحايا الذين أعلنت عنهم سابقاً، ومرة أخرى من دون أن يكون هذا التصريح نهائياً، أو أنه خرج خدمةً لوجه الحقيقة الخالص، ولكن هذا الاعتراف لا ينفي عن الصين صفة التكتّم المدروس، وهي، من مكانها الاقتصادي والسكاني المميز، وبانتمائها إلى الصنف الثاني، تستطيع أن تتقدّم في مساحة حضورها الدولي في ظل كورونا، فيمكن لها أن تأخذ موقع الولايات المتحدة في منظمة الصحة العالمية، بتقديم التمويل الذي حجبته أميركا عن المنظمة، ويمكن لها أن تقدّم أقنعة واقية وقفازات لليدين بأعداد كبيرة إلى أوروبا المنكوبة بشكل كبير، الأمر الذي قد يؤمّن لها حضوراً شعبياً كبيراً بين الأوروبيين. وفي سياق هذا التصرّف الانتهازي، تعزّز الصين انتماءها إلى الصنف الثاني الذي ما زال يخفي الحقائق، ويستغلّ الفرص لحصد مزيد من السيطرة والتحكّم، حتى بعد انتهاء الخوف من الجائحة.
سورية دولة من الصنف الثاني أيضاً، ينطبق عليها توصيف إخفاء المعلومات، والتدليس والتزوير، وهي مثل الصين في هذا المجال تستطيع استغلال الفرص لمزيد من القبض على تلابيب المجتمع ومصادرته لصالح النخبة. يطبِّق النظام الآن أنظمة حظر التجول الليلي تحت شعارات حماية الشارع من المرض الفتاك، وينفذها بقوة الشرطة والأمن والتخويف من الغرامات الباهظة، وهي فرصةٌ ذهبيةٌ لا يفوّتها النظام للتفنن بطرق التضييق على الناس، وإبقاء المواطن هادئاً ومتعاوناً، فإجباره على الاختفاء نصف الوقت طريقة جيدة لتجنّب الصدام معه. ويمكن لهذه الإجراءات أن تطول أو تستمر إلى زمن غير محدّد بحسب حاجة النظام، وليس بما تقتضيه إجراءات محاصرة الفيروس. وهناك تجربة سابقة في سورية، حين طُبِّقَت إجراءات نتيجة ظرف محدّد، ثم جرى الإبقاء عليها فترات طويلة كقانون الطوارئ، وتضخُّم الأجهزة الأمنية والقمعية من حيث العدد والأساليب والانتشار بشكل كثيف ومرعب، فمنذ أن قمع النظام انتفاضةً إسلامية واسعة اجتاحت مدينة حماة وباقي المدن السورية في أواخر سبعينيات القرن الماضي، لم يستغنِ عن قواته الإضافية، وأبقاها على حالها بعد انتهاء المواجهة لصالحه، بل وتحوّل بعدها إلى مزيد من القمع والتضييق، واستمرّت قبضته الحديدية على المجتمع بفضل تلك القوى المستحدثة.. إجراءات الحجر اليوم تتضمن مزيدا من التباعد والانكفاء نحو المحلية، وقد تعطي حكام دول الصنف الثاني فرصة للتموضع بقوة أكبر، والتحكّم بصورة أكثر ضراوة.
على الرغم من أن الصين دولة اقتصاد ضخم ومتنوع وله حضور عالمي واسع، إلا أنها تعدّ من دول الصنف الثاني، فإخفاء المعلومات سنّة متبعة في عصر كورونا وما قبله، وهذه الأنظمة تَعتبر أن قلة المعلومات المعروفة عنها تعطيها مزيداً من القوة، وأنَّ تحكمها بسير المعلومات وكثافتها يمنحها مقدرة أكبر على السيطرة، ومع أنها وجدت نفسَها أخيراً مضطرّة للاعتراف بأن كورونا قد حصد ضعف الضحايا الذين أعلنت عنهم سابقاً، ومرة أخرى من دون أن يكون هذا التصريح نهائياً، أو أنه خرج خدمةً لوجه الحقيقة الخالص، ولكن هذا الاعتراف لا ينفي عن الصين صفة التكتّم المدروس، وهي، من مكانها الاقتصادي والسكاني المميز، وبانتمائها إلى الصنف الثاني، تستطيع أن تتقدّم في مساحة حضورها الدولي في ظل كورونا، فيمكن لها أن تأخذ موقع الولايات المتحدة في منظمة الصحة العالمية، بتقديم التمويل الذي حجبته أميركا عن المنظمة، ويمكن لها أن تقدّم أقنعة واقية وقفازات لليدين بأعداد كبيرة إلى أوروبا المنكوبة بشكل كبير، الأمر الذي قد يؤمّن لها حضوراً شعبياً كبيراً بين الأوروبيين. وفي سياق هذا التصرّف الانتهازي، تعزّز الصين انتماءها إلى الصنف الثاني الذي ما زال يخفي الحقائق، ويستغلّ الفرص لحصد مزيد من السيطرة والتحكّم، حتى بعد انتهاء الخوف من الجائحة.
سورية دولة من الصنف الثاني أيضاً، ينطبق عليها توصيف إخفاء المعلومات، والتدليس والتزوير، وهي مثل الصين في هذا المجال تستطيع استغلال الفرص لمزيد من القبض على تلابيب المجتمع ومصادرته لصالح النخبة. يطبِّق النظام الآن أنظمة حظر التجول الليلي تحت شعارات حماية الشارع من المرض الفتاك، وينفذها بقوة الشرطة والأمن والتخويف من الغرامات الباهظة، وهي فرصةٌ ذهبيةٌ لا يفوّتها النظام للتفنن بطرق التضييق على الناس، وإبقاء المواطن هادئاً ومتعاوناً، فإجباره على الاختفاء نصف الوقت طريقة جيدة لتجنّب الصدام معه. ويمكن لهذه الإجراءات أن تطول أو تستمر إلى زمن غير محدّد بحسب حاجة النظام، وليس بما تقتضيه إجراءات محاصرة الفيروس. وهناك تجربة سابقة في سورية، حين طُبِّقَت إجراءات نتيجة ظرف محدّد، ثم جرى الإبقاء عليها فترات طويلة كقانون الطوارئ، وتضخُّم الأجهزة الأمنية والقمعية من حيث العدد والأساليب والانتشار بشكل كثيف ومرعب، فمنذ أن قمع النظام انتفاضةً إسلامية واسعة اجتاحت مدينة حماة وباقي المدن السورية في أواخر سبعينيات القرن الماضي، لم يستغنِ عن قواته الإضافية، وأبقاها على حالها بعد انتهاء المواجهة لصالحه، بل وتحوّل بعدها إلى مزيد من القمع والتضييق، واستمرّت قبضته الحديدية على المجتمع بفضل تلك القوى المستحدثة.. إجراءات الحجر اليوم تتضمن مزيدا من التباعد والانكفاء نحو المحلية، وقد تعطي حكام دول الصنف الثاني فرصة للتموضع بقوة أكبر، والتحكّم بصورة أكثر ضراوة.