مصر وكورونا .. توظيفات وسيناريوهات خطرة

01 مايو 2020

طبيبة مصرية بكمامتين في مستشفى وصورة أشعة (19/4/2020/فرانس برس)

+ الخط -
على الرغم من الاستقرار الهش الذي تعيشه مصر تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، فإن التداعيات الأوليّة لجائحة كورونا تُنذر باحتمال أن تواجه الدولة المصرية، في الشهور المقبلة، تحدياتٍ غير مسبوقة، قد تعمّق أزمة الشرعية التي يعانيها نظام السيسي، مع ترجيح فقدانه بعضاً من مصادر الدعم السياسي والمالي الخارجي. ثمّة ترقبٌ لنتائج الجائحة، على الصعد العالمية والإقليمية والمحلية، التي قد تزيد من تعقيد المشهد المصري، بسبب ثلاثة عوامل: تفاقم حالة عدم اليقين والقلق بشأن المستقبل، احتمالات حصول كساد اقتصادي عالمي، تداعيات تراجع أسعار النفط، على اقتصاديات مصر وإقليم الشرق الأوسط عموماً. 
من المرجّح أيضاً أن تؤدي رغبة القاهرة في "توظيف" الانشغال العالمي بالجائحة إلى زيادة قدرة النظام المصري، في الشهور القليلة المقبلة، على بسط سيطرته وسطوته على البلاد، كما تجلّى أخيراً في مؤشّرين: موافقة البرلمان على تعديل أحكام قانون الطوارئ، بما يمنح الرئيس مزيداً من الصلاحيات، في مواجهة تداعيات فيروس كورونا. قرار السيسي رقم 168 لسنة 2020، بشأن إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، ثلاثة أشهر جديدة، تنتهي في 28 يوليو/ تموز المقبل. .. وإذا كان من الصعب الآن تقدير نتائج إعلان حالة الطوارئ، للمرة الثالثة عشرة، توالياً، في عهد السيسي، فإنه ينبغي التريث قليلاً، إلى حين اتضاح الصورة الكاملة، بشأن نتائج سياسات النظام في إدارة أزمة كورونا.
صحيحٌ أنه جرى تشكيل "لجنة إدارة أزمة وباء كورونا"، والتقى الرئيس السيسي مع قيادات 
الجيش والصحافيين في 7 إبريل/ نيسان الماضي، بيد أن إدارة النظام الأزمة بقيت تتسم بالارتباك، والعشوائية، وغياب الاستراتيجية، وغياب الشفافية، ومحاولة الإنكار، وتبسيط الأمور، وهيمنة النظرة الأمنية الاقتصادية على القرار السياسي، ولو على حساب صحة المصريين وسلامة المجتمع، في تجلٍّ واضح لفلسفة النظام المتناقضة التي تجمع بين القمع والتسلطية سياسياً، والنيوليبرالية المتوحشة اقتصادياً واجتماعياً.
كما اتسم أداء حكومة مصطفى مدبولي بالتردّد في أغلب قراراتها، خصوصاً قبل عيد شم النشيم وحلول شهر رمضان، سواء في توسيع ساعات حظر التجوال، أم إيقاف حركة التنقل بين المحافظات المصرية لاحتواء انتشار المرض، أم في التعامل مع حقيقة هشاشة النظام الصحي، وافتقار المستشفيات إلى المعدّات الضرورية، ناهيك عن ندرة الأطباء المدرّبين على التعامل مع الحالات المصابة بالفيروس، وتفضيل بعضهم السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية التي أعلنت عن تسهيلات في التأشيرات والإقامات، بغية استقدام الطواقم الطبية للتعامل مع زيادة عدد الإصابات والوفيات هناك.
كما لجأت السلطات المصرية إلى استعادة خطاب "الحرب على الإرهاب"، والتأكيد على استمرار خطر الإخوان المسلمين وتنظيم ولاية سيناء، عبر تسليط الضوء على اشتباكات عزبة شاهين (في حي الأميرية في القاهرة)، في 14 إبريل/ نيسان، بين قوات الأمن وعناصر مجهولة، وصفها بيان وزارة الداخلية بأنها "خلية إرهابية يعتنق عناصرها المفاهيم التكفيرية، تستغل عدة أماكن للإيواء بشرق وجنوب القاهرة، كنقطة انطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية، بالتزامن مع أعياد أبناء الطائفة المسيحية".
وكان لافتاً تصريح وزير الأوقاف المصري، محمد مختار جمعة، في 10 مارس/ آذار، عن "تخطيط الإخوان المسلمين لنشر فيروس كورونا بين أفراد الجيش والشرطة والقضاء والإعلاميين، وغيرهم من أبناء المجتمع الأبرياء، بما ينم عن اختلال توازن الجماعة العقلي والنفسي والإنساني، ويجعلنا ندعو الجميع للتعرف على طبيعة هذه الجماعة المجرمة، وخطورتها على الإنسانية جمعاء".
إضافةً إلى ذلك، استخدم النظام ذراعيْن، أكاديمية وإعلامية، لترويج اجتهاده في مكافحة الوباء؛ إذ كتب الأكاديمي وزير الشباب والرياضة سابقاً، علي الدين هلال، إن أزمة كورونا أبرزت تعاضد 
جهود الدولة والمجتمع في مكافحة الوباء؛ إذ برزت مبادراتٌ عديدة في إطار التعاون بين الأجهزة الحكومية وهيئات المجتمع المدني، خصوصاً جمعية الهلال الأحمر، وجمعيات الكشافة والجوالة والمرشدات، ومبادرة "تنفس" بهدف تصنيع أجهزة التنفس الصناعي، ومبادرات شبابية حملت مسميات إيجابية (مثل: "فيها حاجة حلوة"، و"تطهير الأيادي"، و"شباب بيحب مصر"، و"في الخير مجتمعين"، و"ابدأ بنفسك"). ورأى هلال أن القوى الحية في المجتمع المصري، وفي مقدمتها الشباب، قد استخدمت الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وصفحات فيسبوك الخاصة بآلاف المدن والقرى المصرية، لنشر ثقافة المبادرة والتوعية والتعاضد، لكي يصنعوا "ملحمة وطنية، انصهر فيها الجميع، بهدف حماية مصر والمصريين من هذا الوباء".
أما الإعلاميون الموالون للنظام فانتهجوا "استراتيجية الإلهاء والتضليل المتعمّد"، وعمدوا إلى تشتيت أذهان المصريين، بعيداً عن موضوع الفيروس، مع محاولة التركيز على موضوعاتٍ أخرى، والاستدعاء التقليدي لخطاب "المؤامرة الخارجية" على مصر، على نحو ما فعلت الإعلامية، مي الخرسيتي، في زعمها أن ذعر المصريين من الوباء غير مبرّر، لأن فيروس كورونا مجرد مؤامرة روّجتها أميركا لدفع الناس إلى "الإفراط في التسوّق"، وملازمة منازلهم.
وعلى الرغم من هذه المقاربة المصرية لأزمة كورونا، ليس متوقعاً أن يخرج النظام منها سالماً في المدى المتوسط أو البعيد، خصوصاً مع بروز أصوات أميركية باتت تدعو، صراحةً، إلى تخلي واشنطن عن السيسي. وفي هذا السياق، رأى دوغ بانداو، كبير الباحثين في معهد كاتو، في مقال نشره في 23 إبريل/ نيسان في موقع The American Conservative، إن الولايات المتحدة لا تحتاج للاستمرار في دعم السيسي الذي لا يملك خياراً سوى العمل مع 
واشنطن، على ضوء حقيقتين: اعتماد الجيش المصري على التسليح الأميركي، وعدم قدرة السيسي على شنّ حرب على إسرائيل، حتى لو قطعت عنه الإدارة الأميركية كلّ دعمها.
وإلى ذلك، يعتقد بانداو أن البديل عن السيسي قد لا يكون الديمقراطية، وأن المؤسسة العسكرية المصرية ستبقى حاضرةً في المشهد، وأن السعودية يمكنها تعويض السيسي في حال قطع واشنطن المساعدات عنه. بيد أن تزايد القمع الذي يمارسه النظام، قد يدفع المصريين نحو التطرّف، وقد يشجعهم ذلك على التطلع مجدّداً إلى الإسلاميين المتشدّدين الذين يمارسون العنف، وربما يؤدي إلى تفجير ثورة جديدة، قد تكون أشد عنفاً، وأخطر على الاستقرار الإقليمي، من الثورة السابقة، وهو أمرٌ يتوقعه أيضاً فيليب كراولي، المسؤول السابق في الخارجية الأميركية، الذي يرى أن "بذور الثورة تتخمّر في مصر الآن".
وإجمالاً لكل ما سبق، يمكن القول إن عام 2020 يحمل تحدّياتٍ جديدة وخطيرة للنظام، وتنذر باحتمال تدهور الاقتصاد المصري، وانخفاض معدل الإنتاج القومي، وترجيح انخفاض مداخيل قناة السويس، بسبب جائحة كورونا، وتداعياتها على تراجع معدّلات التجارة العالمية، والركود الاقتصادي، وتجميد حركة الطيران المدني، وتوقف السياحة، وانخفاض أسعار النفط، بما يعنيه من احتمال تراجع تحويلات المصريين العاملين في دول الخليج.
وعلى الرغم من مناورات النظام، ومحاولاته المستميتة في "توظيف" جائحة كورونا في "تحسين صورته الخارجية"، عبر إرسال المساعدات الطبية إلى دول منكوبة، الصين وإيطاليا 
والولايات المتحدة، فإن مكانة مصر ودورها الإقليمي يشهدان تراجعاً ملحوظاً، في عدة ملفات إقليمية، مثل: غزة/ فلسطين، وليبيا، والسودان، وسورية، واليمن، مع تفاقم مشكلة سد النهضة مع إثيوبيا.
باختصار، قد تؤدي تداعيات جائحة كورونا إلى "خلخلة" تماسك محور دول الثورات المضادّة في العالم العربي، وإسقاط "استقرارها الظاهري/ الهش"، بسبب ارتباك إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في التعامل مع تفشّي كورونا، وميله إلى التنصل من المسؤولية، وتحميل كل من الصين ومنظمة الصحة العالمية وزر انتشار الوباء، ما يفتح الباب أمام سيناريوهاتٍ خطيرة، قد يكون أحلاها مرّاً، بالنسبة للنظام المصري.
C74992A8-A105-4EE2-85DA-EDD34A643EDE
C74992A8-A105-4EE2-85DA-EDD34A643EDE
أمجد أحمد جبريل

باحث فلسطينيّ مُتخصِّص في الشؤون العربية والإقليمية، له كتاب عن "السياسة السعودية تجاه فلسطين والعراق"، صادر عن مركز "الجزيرة" للدراسات، وعدد من الدراسات المحكمة المنشورة في الدوريات العلمية.

أمجد أحمد جبريل