01 نوفمبر 2024
هذه المساعدة الأميركية للفلسطينيين
بعد انقطاعٍ دام سنوات، أعلن السفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، أنّ الولايات المتحدة ستقدِّم خمسة ملايين دولار للفلسطينيين؛ لمساعدتهم في مكافحة وباء كورونا. ومع أن السياق الذي جاء فيه القرار هو سياق الوباء الذي يفترِض تقدُّم الاعتبارات الإنسانية، إلا أنه لا يمكن أن نعدَم الدلالات السياسية، أيضًا، فبعد أن تأزَّمت العلاقة بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية، على خلفيّة طرح إدارة الرئيس، ترامب، صفقته مع رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، التي هدَفت إلى تصفية القضية الفلسطينية، ورفضها الرئيس محمود عباس رفضًا حاسمًا، وقطع الاتصالات بإدارة ترامب والبيت الأبيض، بعد هذا كله جاءت الأزمة الصحية العالمية، لتعطي إشارةً إلى إمكان حدوث تحوّلٍ في التعاطي الأميركي مع الشأن الفلسطيني، من المجابهة والضغوط الهادفة إلى حمْل الفلسطينيين على الإذعان للصفقة إلى قدر من التفهُّم الضِّمْني، أو التجاوُز الجزئي لتداعياتها.
مرجَّح أن الولايات المتحدة لم تصل إلى قناعةٍ تُلغي القناعة السابقة؛ عن أهمية استبقاء السلطة الفلسطينية؛ بناء على تقديراتها بأن تلك السلطة لم تُحدِث تغييراتٍ جوهريةً على دورها، الوظيفي والأمني، (وفق التصوّرات الأميركية والاحتلالية) توجب ذلك التغيير. وهنا كان للموقف الإسرائيلي الرسمي أثر مهم في تثبيت هذه القناعة الأميركية، إذ لا تزال التقديرات الإسرائيلية على حالها، بضرورة الحفاظ على الحدِّ الأدنى من مقوِّمات السلطة الفلسطينية.
وعلى ما تتسم به من تبجّح واستخفاف، تدرك الإدارة الأميركية الحالية صعوبة إجبار الفلسطينيين على القبول بتلك النقلة الخطيرة التي أحدثتها صفقةُ القرن في ملفِّ العملية السياسية، حيث ضربت بعرْض الحائط حتى الخطوط العريضة التي ما انفكّت الإدارات المتعاقبة في واشنطن تعلنها، من عدم اعترافها بالاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967، أو بضمّ القدس، ولو أنها تدرّجت من اعتبار المستوطنات غير شرعية إلى اعتبارها عقبةً في وجه السلام، إلى وصفها بأنها لا تساعد على إحلال السلام.
ومِن المفيد أن نلاحظ على لسان مَن وردت هذه التصريحات، إذ قالها السفير فريدمان، وهو
المعروف بأنه الأكثر قربًا وتماهيًا، بل مزايدة، أحياناً، على المواقف الاحتلالية، لا سيما في قضية الاستيطان، وشرعنته، وموقفه من ضمِّ المناطق المحتلة، الأغوار وشمال البحر الميِّت، وفرْض السيادة الاحتلالية على مناطق في الضفة الغربية المحتلة. إذ فريدمان هو الأكثر تأييدا لإسرائيل، وللمستوطنين، بالمقارنة بأسلافه من سفراء أميركا إليها، فلا يُستبْعَد أن تكون هذه الخطوة جاءت بتشجيعٍ من حكومة نتنياهو التي استبَقَتْ المساعدة الأميركية بتحويل 25 مليون دولار من أموال الضرائب المحجوبة سابقًا، للحيلولة دون حدوث تأثيرات اقتصادية مقلقة على حياة الفلسطينيين. علمًا أن الحكومة الاحتلالية تواجه أزمة حاليًّا تحُول دون انتقالها من الصفة المؤقَّتة إلى الصفة العادية، وهو الأمر الذي يعيق تنفيذ البنود التي تضمّنتها صفقة القرن، وهي المتعلِّقة بالضم وفرض السيادة الاحتلالية. ولم يكن بالإمكان تعليق أيّ مبادرة تعاونٍ أميركية تجاه الفلسطينيين بالوصول إلى تنفيذ بنود تلك الصفقة، وهي الصفقة التي لم تلقَ ترحيبًا عالميًّا، بل صادفت معارضةً وتحذيراتٍ في الكونغرس الأميركي نفسه، فضلًا عن أن الأمل في الحصول على موافقة فلسطينية عليها بات شبه معدوم، ما دام أن هذا الرفض الفلسطيني لمْ ولا يعيق تنفيذ أهم بنودها على الأرض.
أما الأزمة الصحية الناتجة عن فيروس كورونا، والتي جاءت المساعدةُ الأميركية في سياقها، فلا نملك تجاهُل دافعيّتها لاتخاذ هذا القرار، فآثارُها ليست صحية فقط، ولكنها مرشّحة إلى أن تكون أمنيةً، وسياسية، كذلك، فإسرائيل لا تزال عاجزة عن الحدّ من انتشار الوباء، وهي تواجه مشكلةً في تنفيذ تدابير محاصرة الوباء، ليس بسبب نقص الإمكانات العلاجية فقط، ولكن لتمنّع المتدينِّين الحريديم عن الاستجابة للحَجْر، وإصرار عدد غير قليلٍ منهم على تحدِّي الحكومة والشرطة الإسرائيلية.
في المقابل، نالت السلطة الفلسطينية إشادةً من الأمم المتحدة، على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريس، هي وإسرائيل؛ لتمكنُّهما من العمل معًا، على الرغم من معرفته، كما قال، بالانقسام الشديد الموجود سياسيًّا بين الجانبين. كما انتزعت السلطة تقديرًا من أوساط رسمية إسرائيلية؛ لأدائها في مواجهة الجائحة. ودولةُ الاحتلال معنيّة بنجاح الفلسطينيين في حصر الوباء، وإنْ كان بدَر منها، عمليًّا، ما يشكّك بالجدية الكافية في ذلك؛ لأن إسرائيل لن تكون آمنةً من الوباء، ولن تطمئن إلى محاصرته، في حال بقي متفشّيًا، أو حتى موجودًا لدى الفلسطينيين؛ لتعذُّر منْع الاختلاط بينهم وبين الإسرائيليين. ولذلك ما دامت تصبُّ هذه الأموال المزمعة في تعزيز قدرة السلطة الفلسطينية وجهازها الصحي في مواجهة كورونا، فهذا أمرٌ حيويٌّ ومُلِحّ.
وعلى ما تتسم به من تبجّح واستخفاف، تدرك الإدارة الأميركية الحالية صعوبة إجبار الفلسطينيين على القبول بتلك النقلة الخطيرة التي أحدثتها صفقةُ القرن في ملفِّ العملية السياسية، حيث ضربت بعرْض الحائط حتى الخطوط العريضة التي ما انفكّت الإدارات المتعاقبة في واشنطن تعلنها، من عدم اعترافها بالاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967، أو بضمّ القدس، ولو أنها تدرّجت من اعتبار المستوطنات غير شرعية إلى اعتبارها عقبةً في وجه السلام، إلى وصفها بأنها لا تساعد على إحلال السلام.
ومِن المفيد أن نلاحظ على لسان مَن وردت هذه التصريحات، إذ قالها السفير فريدمان، وهو
أما الأزمة الصحية الناتجة عن فيروس كورونا، والتي جاءت المساعدةُ الأميركية في سياقها، فلا نملك تجاهُل دافعيّتها لاتخاذ هذا القرار، فآثارُها ليست صحية فقط، ولكنها مرشّحة إلى أن تكون أمنيةً، وسياسية، كذلك، فإسرائيل لا تزال عاجزة عن الحدّ من انتشار الوباء، وهي تواجه مشكلةً في تنفيذ تدابير محاصرة الوباء، ليس بسبب نقص الإمكانات العلاجية فقط، ولكن لتمنّع المتدينِّين الحريديم عن الاستجابة للحَجْر، وإصرار عدد غير قليلٍ منهم على تحدِّي الحكومة والشرطة الإسرائيلية.
في المقابل، نالت السلطة الفلسطينية إشادةً من الأمم المتحدة، على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريس، هي وإسرائيل؛ لتمكنُّهما من العمل معًا، على الرغم من معرفته، كما قال، بالانقسام الشديد الموجود سياسيًّا بين الجانبين. كما انتزعت السلطة تقديرًا من أوساط رسمية إسرائيلية؛ لأدائها في مواجهة الجائحة. ودولةُ الاحتلال معنيّة بنجاح الفلسطينيين في حصر الوباء، وإنْ كان بدَر منها، عمليًّا، ما يشكّك بالجدية الكافية في ذلك؛ لأن إسرائيل لن تكون آمنةً من الوباء، ولن تطمئن إلى محاصرته، في حال بقي متفشّيًا، أو حتى موجودًا لدى الفلسطينيين؛ لتعذُّر منْع الاختلاط بينهم وبين الإسرائيليين. ولذلك ما دامت تصبُّ هذه الأموال المزمعة في تعزيز قدرة السلطة الفلسطينية وجهازها الصحي في مواجهة كورونا، فهذا أمرٌ حيويٌّ ومُلِحّ.
مقالات أخرى
01 أكتوبر 2024
15 سبتمبر 2024
27 اغسطس 2024