28 أكتوبر 2024
مصريات في مواجهة كورونا
أمام خطر زيادة الإصابات في مصر بفيروس كورونا، اتخذت السلطة قرارات احترازية عدة شبيهة بما اتخذته دول أخرى. صحيح أنها جاءت متأخرة، نتيجة مناخ وسيطرة عقلية بوليسية، ترى في تناول احتمالات الخطر ونقاشها ترويجاً لشائعات، تبثها قوى مناهضة للنظام، فكان رد الفعل الرسمي سابقاً يتراوح ما بين النفي والتقليل من الخطر، إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية القرارات التي تحتاج إلى تفعيل، بالإضافة إلى اتخاذ قراراتٍ أخرى، بجانب قرارات تخصيص ستة مليارات دولار لخطة مواجهة كورونا، وفرض ما يشبه حالة الحظر، كغلق منشآت رياضية وترفيهية، وتنظيم عمل المحال التجارية وتقليص أوقاتها، وتعليق الدراسة في المؤسسات التعليمية، ومنع أغلب التجمّعات، بالإضافة إلى إجراء آلاف الكشوف للمخالطين لحالات تم اكتشافها، وإجراء كشوف على العاملين في بعض مؤسسات الدولة.
يقف المجتمع والدولة في مصر كلاهما أمام تحدّ وخطر كبيرين، هو العدد الضخم من السجناء الذين يعانون، قبل كورونا وفي أثنائها، ظروفاً صعبة، تزيد من مخاطر انتشار الأمراض، من تلك الظروف نقص الرعاية الصحية، وارتفاع كثافة السجون وأماكن الاحتجاز في مقار الشرطة، والتي سبق أن أوصت النيابة العامة المصرية بالحدّ من تكدّسها، غير تقارير محلية تناولت كثافة السجون، وعدم توفر الخدمات العلاجية المناسبة، ما يشكّل خطر انتشار كورونا، نتيجة غياب الاشتراطات الصحية والوقائية. ويشكّل وجود حالات محدودة من الإصابة
بالسجون عاملاً في انتشار العدوى، ليس وحسب بين السجناء، ولكن بين المخالطين لهم أيضاً، بمن فيهم العاملون في القطاعات النظامية، وفي القضاء والنيابات، والعاملون المدنيون في تلك القطاعات. هنا يظهر احتمال تحول السجون إلى مراكز للوباء، وهذا يهدّد المجتمع كله، وليس السجناء وحسب. لذا ليس مطلب خروج سجناء الرأي والمتهمين بالتظاهر والمحبوسين احتياطياً أمراً يخص أهالي السجناء وحسب، أو تياراً سياسياً معيناً، بل هو إجراء ضروري وملحّ لحماية المجتمع.
تتعاظم أمام هذا الخطر ضرورة أن تستمع أجهزة الدولة المعنية، النائب العام وإدارة السجون، والنظام المصري كله، إلى توصيات منظمة الصحة العالمية المتعلقة بتطبيق قواعد الحماية والوقاية من الأمراض في السجون، وكذلك توصيات الصليب الأحمر، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة. وسبق لدول أن اتخذت إجراءات في هذا الخصوص، منها إيران، والنظام فيها مغلق، لكنه أطلق سراح 85 ألف سجين على دفعات منذ انتشار فيروس كورونا. وكذلك فعل الأردن والكويت، جزئياً، والأرجح أن تتخذ دول أخرى مثل هذه الإجراءات. وفي مصر ليست هناك حلول أو خيارات أخرى أمام أزمةٍ تهدّد حياة المجتمع ككل، وليست الحسابات السياسية هنا حول الهيمنة وإبقاء السجناء خلف القضبان، أو الانتقام من بعضهم، أو حصار
المجال العام مجدية.
وليست المطالب مقتصرةً على السجناء السياسيين، فالإجراء الاحترازي لا بد أن يشمل جميع السجناء والمحتجزين، كل حسب حالته، فهناك من يمكن الإفراج عنهم طبقاً للظروف الصحية، خصوصاً كبار السن، وهناك آلاف سجنوا بتهم متعلقة بالتظاهر أو الحق في التعبير، أو على أرضية نشاطهم في أحزاب سياسية، وهناك أيضاً الغارمون والغارمات وذوو المديونية المحدودة، غير من قضوا فترات في السجن، يمكن حسب بنود قانونية وصلاحيات لدى السلطة الإفراج عنهم، سواء عبر العفو أو قواعد الإفراج المشروط. وكذلك الاستفادة من أدبيات العدالة الجنائية في تخفيف اكتظاظ السجون، أي أنه يمكن تقليل كثافة السجون إلى حد بعيد، بالإضافة إلى الحد من سياسة الحبس الاحتياطي مستقبلاً، سواء في السجون أو أماكن الاحتجاز في مقار الشرطة ومقارّها، كذلك يمكن أن يكون الإفراج لبعض المحبوسين مؤقتاً، ومشمولاً بضمانات محل الإقامة أو اتخاذ غيرها من تدابير احترازية. ولا ينفي هذا ضرورة أن يتم توفير الرعاية الصحية لمن يتبقّى من السجناء، وأن تتخذ كل الإجراءات التي تمنع انتشار الأمراض، فضلاً عن إجراء الكشوف على القوات النظامية والعاملين المدنيين فيها.
أفرجت السلطة في مصر أخيراً عن سجناء من نخب سياسية، وربما يشكّل ذلك، إلى جانب الإفراج عند آخرين، مؤشّراً إلى إدراك الأزمة، ولكن الإفراج الذي جرى يجب ألا ينظر إليه بعضهم بوصفه مقايضة من أجل التخلّي عن الهدف العام، وهو ضرورة الإفراج عن المحبوسين احتياطياً، أو من يمكن الإفراج عنهم بالعفو الصحي، سواء كانوا سياسيين أو جنائيين، فليست المطالبة هنا تقتصر على نخب أو رموز سياسية، وليست ترضية ليصمت
بعضٌ عن الخطر المحدق، وليست في إطار تقسيمة انتهازية عن سجنائنا وسجنائهم، فالمرض والخطر لا يتوقفان على انتماء أو جريمة أو تهمة محدّدة.
في مواجهة خطر كورونا، وخصوصاً في ما يتعلق بملف السجناء، كان لافتاً ويستحق التحية تنظيم أربع نساء وقفة أمام مقرّ مجلس الوزراء، والبرلمان المصري، يطالبن باتخاذ الإجراءات الوقائية لحماية السجناء والمخالطين لهم من خطر انتشار فيروس كورونا. رفعت المطالب الأستاذة الجامعية ليلى سويف والدة الناشط علاء عبد الفتاح، المحبوس على ذمة الاتهام بنشر أخبار كاذبة، والباحثة منى سيف، والروائية والكاتبة أهداف سويف، وأستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية رباب المهدي. وعلى إثر الوقفة، تم القبض عليهن، واتهامهن بتعطيل المرور والتحريض على التظاهر، ثم بحكم طبيعة المطالب، وبالتزامن مع الأزمة، تم الإفراج عنهن بكفالات مالية.
لم يطالبن، وهن يحملن لافتات، وبالونات حمراء في إشارة إلى خطورة الأزمة، بمطالب تخصّهن، أو تخص علاء عبد الفتاح، بقدر مطالبتهن بمواجهة أزمةٍ لا يردن أن تتفاقم، إدراكاً للمصلحة العامة التي طالما دفعن ثمن وضعها في اعتبار مسيرتهن النضالية، كل على حدة، أو بوصفهن ممثلات لأجيال متعاقبة، كافحت من أجل إقرار مبادئ العدالة والكرامة الإنسانية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال سنوات مضت: ليلى سويف، أستاذة الرياضيات، من قيادات الحركة الطلابية في السبعينيات، وشريكة مسيرة المحامي الراحل أحمد سيف الإسلام، أحد رموز حركة اليسار المصري، والذي يحظى بتقدير واحترام كبيرين في أوساط تتجاوز الانتماء الأيديولوجي. وأهداف سويف من أبرز الأديبات العربيات امتلاكاً لمواقف وطنية وإنسانية عامة، منحازة لقيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. ورباب المهدي، فضلاً عن كونها باحثة متميزة، ترجمت انحيازاتها الإنسانية والديمقراطية بمشاركتها الفاعلة في الحراك السابق على ثورة يناير وما بعدها. ومنى سيف التي شاركت بقوة في ذلك الحراك، وهي من جيل الثورة الذي حلم بتحقيق أهدافها، ويكافح في انتزاع حقه في التعبير، وإن كان أخيراً عبر استخدام وسائط التعبير الاجتماعي، في محاولة تجاوز الحصار. والشيء بالشيء يذكر، حين كانت منى تبث الوقفة عبر "فيسبوك"، انزعج ضابط الأمن من البث المباشر، وطالبها بإنهائه، لكي لا يعرف أحد ماذا يجري، وكأن المخاطر ستنتهي، والأحداث ستُمحى، لو تمت تغطيتها والتكتم عليها، في تعبير عن ذهنيةٍ سلطويةٍ، ولكن التغطية على المشكلات لن تحلها. وفي ما يخص كورونا، ليس في صالح أحد أن يتم تجاهل أي خيار ممكن للمواجهة والوقاية تتخذها الدولة، وهي تتكامل مع إجراءات السلامة وإحساس بالمسؤولية والتضامن يقودها المجتمع، وتتحمّل فيها النساء عبئاً كبيراً، غير جهود لطواقم طبية منهن طبيبات وممرّضات، يعملن بشجاعةٍ في مواجهة المرض، أصيب منهن، حسب معلومات متداولة، ممرضتان، غير أخبار عن جهود باحثات في مواجهة المرض. وقد طورت الباحثة المصرية في جامعة جونز هوبكنز، هبة مصطفى، مع آخرين، اختباراً سريعاً للفيروس... لا انفصال بين النماذج المذكورة، إنهن النساء الحاضرات في مواجهة الأزمة، كما كن في حروب وأزمات وكوارث، وظروف تحتاج للمقاومة، وسياسات تحتاج للتغيير.
تتعاظم أمام هذا الخطر ضرورة أن تستمع أجهزة الدولة المعنية، النائب العام وإدارة السجون، والنظام المصري كله، إلى توصيات منظمة الصحة العالمية المتعلقة بتطبيق قواعد الحماية والوقاية من الأمراض في السجون، وكذلك توصيات الصليب الأحمر، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة. وسبق لدول أن اتخذت إجراءات في هذا الخصوص، منها إيران، والنظام فيها مغلق، لكنه أطلق سراح 85 ألف سجين على دفعات منذ انتشار فيروس كورونا. وكذلك فعل الأردن والكويت، جزئياً، والأرجح أن تتخذ دول أخرى مثل هذه الإجراءات. وفي مصر ليست هناك حلول أو خيارات أخرى أمام أزمةٍ تهدّد حياة المجتمع ككل، وليست الحسابات السياسية هنا حول الهيمنة وإبقاء السجناء خلف القضبان، أو الانتقام من بعضهم، أو حصار
وليست المطالب مقتصرةً على السجناء السياسيين، فالإجراء الاحترازي لا بد أن يشمل جميع السجناء والمحتجزين، كل حسب حالته، فهناك من يمكن الإفراج عنهم طبقاً للظروف الصحية، خصوصاً كبار السن، وهناك آلاف سجنوا بتهم متعلقة بالتظاهر أو الحق في التعبير، أو على أرضية نشاطهم في أحزاب سياسية، وهناك أيضاً الغارمون والغارمات وذوو المديونية المحدودة، غير من قضوا فترات في السجن، يمكن حسب بنود قانونية وصلاحيات لدى السلطة الإفراج عنهم، سواء عبر العفو أو قواعد الإفراج المشروط. وكذلك الاستفادة من أدبيات العدالة الجنائية في تخفيف اكتظاظ السجون، أي أنه يمكن تقليل كثافة السجون إلى حد بعيد، بالإضافة إلى الحد من سياسة الحبس الاحتياطي مستقبلاً، سواء في السجون أو أماكن الاحتجاز في مقار الشرطة ومقارّها، كذلك يمكن أن يكون الإفراج لبعض المحبوسين مؤقتاً، ومشمولاً بضمانات محل الإقامة أو اتخاذ غيرها من تدابير احترازية. ولا ينفي هذا ضرورة أن يتم توفير الرعاية الصحية لمن يتبقّى من السجناء، وأن تتخذ كل الإجراءات التي تمنع انتشار الأمراض، فضلاً عن إجراء الكشوف على القوات النظامية والعاملين المدنيين فيها.
أفرجت السلطة في مصر أخيراً عن سجناء من نخب سياسية، وربما يشكّل ذلك، إلى جانب الإفراج عند آخرين، مؤشّراً إلى إدراك الأزمة، ولكن الإفراج الذي جرى يجب ألا ينظر إليه بعضهم بوصفه مقايضة من أجل التخلّي عن الهدف العام، وهو ضرورة الإفراج عن المحبوسين احتياطياً، أو من يمكن الإفراج عنهم بالعفو الصحي، سواء كانوا سياسيين أو جنائيين، فليست المطالبة هنا تقتصر على نخب أو رموز سياسية، وليست ترضية ليصمت
في مواجهة خطر كورونا، وخصوصاً في ما يتعلق بملف السجناء، كان لافتاً ويستحق التحية تنظيم أربع نساء وقفة أمام مقرّ مجلس الوزراء، والبرلمان المصري، يطالبن باتخاذ الإجراءات الوقائية لحماية السجناء والمخالطين لهم من خطر انتشار فيروس كورونا. رفعت المطالب الأستاذة الجامعية ليلى سويف والدة الناشط علاء عبد الفتاح، المحبوس على ذمة الاتهام بنشر أخبار كاذبة، والباحثة منى سيف، والروائية والكاتبة أهداف سويف، وأستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية رباب المهدي. وعلى إثر الوقفة، تم القبض عليهن، واتهامهن بتعطيل المرور والتحريض على التظاهر، ثم بحكم طبيعة المطالب، وبالتزامن مع الأزمة، تم الإفراج عنهن بكفالات مالية.
لم يطالبن، وهن يحملن لافتات، وبالونات حمراء في إشارة إلى خطورة الأزمة، بمطالب تخصّهن، أو تخص علاء عبد الفتاح، بقدر مطالبتهن بمواجهة أزمةٍ لا يردن أن تتفاقم، إدراكاً للمصلحة العامة التي طالما دفعن ثمن وضعها في اعتبار مسيرتهن النضالية، كل على حدة، أو بوصفهن ممثلات لأجيال متعاقبة، كافحت من أجل إقرار مبادئ العدالة والكرامة الإنسانية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال سنوات مضت: ليلى سويف، أستاذة الرياضيات، من قيادات الحركة الطلابية في السبعينيات، وشريكة مسيرة المحامي الراحل أحمد سيف الإسلام، أحد رموز حركة اليسار المصري، والذي يحظى بتقدير واحترام كبيرين في أوساط تتجاوز الانتماء الأيديولوجي. وأهداف سويف من أبرز الأديبات العربيات امتلاكاً لمواقف وطنية وإنسانية عامة، منحازة لقيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. ورباب المهدي، فضلاً عن كونها باحثة متميزة، ترجمت انحيازاتها الإنسانية والديمقراطية بمشاركتها الفاعلة في الحراك السابق على ثورة يناير وما بعدها. ومنى سيف التي شاركت بقوة في ذلك الحراك، وهي من جيل الثورة الذي حلم بتحقيق أهدافها، ويكافح في انتزاع حقه في التعبير، وإن كان أخيراً عبر استخدام وسائط التعبير الاجتماعي، في محاولة تجاوز الحصار. والشيء بالشيء يذكر، حين كانت منى تبث الوقفة عبر "فيسبوك"، انزعج ضابط الأمن من البث المباشر، وطالبها بإنهائه، لكي لا يعرف أحد ماذا يجري، وكأن المخاطر ستنتهي، والأحداث ستُمحى، لو تمت تغطيتها والتكتم عليها، في تعبير عن ذهنيةٍ سلطويةٍ، ولكن التغطية على المشكلات لن تحلها. وفي ما يخص كورونا، ليس في صالح أحد أن يتم تجاهل أي خيار ممكن للمواجهة والوقاية تتخذها الدولة، وهي تتكامل مع إجراءات السلامة وإحساس بالمسؤولية والتضامن يقودها المجتمع، وتتحمّل فيها النساء عبئاً كبيراً، غير جهود لطواقم طبية منهن طبيبات وممرّضات، يعملن بشجاعةٍ في مواجهة المرض، أصيب منهن، حسب معلومات متداولة، ممرضتان، غير أخبار عن جهود باحثات في مواجهة المرض. وقد طورت الباحثة المصرية في جامعة جونز هوبكنز، هبة مصطفى، مع آخرين، اختباراً سريعاً للفيروس... لا انفصال بين النماذج المذكورة، إنهن النساء الحاضرات في مواجهة الأزمة، كما كن في حروب وأزمات وكوارث، وظروف تحتاج للمقاومة، وسياسات تحتاج للتغيير.