14 نوفمبر 2024
اليمن .. "فَرضة نِهم" مجدّداً
لطالما أثرت التجاذبات السياسية البينية على جبهات القتال في اليمن، بحيث تحوّلت الجبهات إلى ورقة سياسية توظفها بعض القوى لفرض شروطها أو للحد من طموح قوى محلية منافسة لها، فيما أثر المتغير الإقليمي المتمثل في الصراع السعودي - الإيراني في المنطقة على جبهات القتال في اليمن، بحيث خضعت لتحولات مسار الصراع الإقليمي، إلا أن تصاعد الأعمال القتالية أخيرا في أكثر من جبهة في اليمن اتخذ منحىً مفاجئا سرّع من حسم بعض الجبهات، بما في ذلك تركّز الضغط العسكري على جبهات محدّدة، إذ يبدو أن أطراف الصراع انساقت مع خيار التصعيد العسكري، من دون استراتيجيةٍ تخدم أغراضها على المدى البعيد، حيث فرضتها التطورات السياسية في المشهد اليمني، أو إملاءات حلفائها الإقليميين، بغرض تغيير خريطة الحرب في اليمن وتموضعات القوى المحلية.
شكّلت محاور جبهتي نهم والجوف ومأرب مثلثا جغرافيا شاسعا تصاعدت فيه الأعمال القتالية، وفي حين تباينت السياقات العسكرية والسياسية المحلية والإقليمية المحرّكة لهذه الجبهات، فإن اللافت هنا أن مسار الصراع العسكري في أي جبهة أثّر طرداً على الجبهات الأخرى، إذ شكل سقوط "فرضة نهم"، أخيرا، بيد مقاتلي الحوثي، تحولاً خطيراً له تداعياته العسكرية على جبهة الجوف ومأرب، بما في ذلك انعكاسه على موازين القوى المحلية، وذلك للأهمية السياسية والعسكرية لجبهة نهم بالنسبة لأطراف الصراع اليمنية، فمن جهةٍ ظلت هذه، أربع سنوات،
نقطة تفوق عسكرية للسلطة الشرعية، باعتبارها جبهة ضغطٍ متقدّمة على جماعة الحوثي، ودافعاً عسكرياً وسياسياً مهماً للتحرّك صوب العاصمة صنعاء، واستعادتها من المتمرّدين الحوثيين، بحيث أصبحت جبهة استنزافٍ دائمةٍ لمقاتلي الجماعة، كما أعاقت تقدم الحوثيين في جبهات الجوف ومأرب، فيما كانت جبهة نهم نقطة دفاع رئيسة لجماعة الحوثي لصدّ مقاتلي الشرعية، حيث مثلت مصدر قلق للجماعة، لكونها قاعدة استراتيجية لانطلاق خصومها نحو صنعاء، وبالتالي فإن سقوط "فرضة نهم" بيد مقاتلي الحوثي، أمن الجماعة على صنعاء في الوقت الراهن، فيما فتح الطريق أمام مقاتليهم للتقدّم في اتجاه الجوف ومأرب، بما في ذلك التهديد بإسقاط منطقة استراتيجية للشرعية كمدينة مأرب.
لا يمكن فهم سبب الخسارات المتلاحقة للسلطة الشرعية على الصعيد العسكري، من دون إدراك كيفية إدارتها جبهات الحرب، إذ أثرت الاختلالات العسكرية والسياسية في منظومتها على جبهات الحرب، وهو ما أدّى إلى خضوع الجبهات لتقاسم سياسي بين القوى المحلية المنضوية في معسكر الشرعية، حيث أصبحت هذه القوى هي الموجّه لهذه الجبهات، بحيث
جنت تبعات الانتصارات فيها سياسياً وعسكرياً، فضلاً عن كونها من مصادر اقتصاد الحرب لهذه القوى، فمع مشاركة جنود ومقاتلين قبليين من منطقة نهم، شرق العاصمة صنعاء، قاتلوا تحت راية السلطة الشرعية، فإن الغالب هو سيطرة القيادات العسكرية التابعة لحزب الإصلاح على الجبهة، وهو ما جعلها تحتكم للتقديرات السياسية للحزب، بما في ذلك الضغوط السياسية التي يتعرّض لها في ملفاتٍ أخرى، فعلى الرغم من انخفاض الأعمال القتالية في جبهة نهم، أكثر من عام، وذلك لتفاهماتٍ سياسيةٍ ضمنية بين حزب الإصلاح وجماعة الحوثي، بحسب تصريحاتٍ منسوبة لبعض القادة الحوثيين، فإن تصاعد القتال في جبهة نهم، والذي أدّى، في النهاية، إلى سقوطها بيد مقاتلي الحوثي، خضع لأسبابٍ سياسيةٍ كما يبدو، إذ رجّح محللون السبب في وجود قوى عسكرية منافسة لحزب التجمع اليمني للإصلاح، والمتمثلة بمشاركة قوات عسكرية تابعة للعميد طارق محمد صالح، بقيادة اللواء الركن صغير بن عزيز، وهو ما أدّى إلى خفض القيادات العسكرية التابعة لحزب الإصلاح جاهزيتها القتالية ضد مقاتلي الحوثي، وذلك تحاشياً لتموضع القوات التابعة للعميد طارق في جبهة نهم، بحيث تمنح ترتيباً عسكرياً من دول التحالف في خطة استعادة العاصمة صنعاء، واستباقاً لأي تفاهماتٍ سياسية في تشكيل الحكومة اليمنية المقبلة، قد تفرض حزب المؤتمر الشعبي العام، جناح الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتحديداً طارق، في قوام الحكومة، فيما حمل أنصار حزب الإصلاح من إعلاميين وصحافيين قيادة التحالف العربي مسؤولية سقوط "فرضة نهم".
من زاوية أخرى، كشف سقوط "فرضة نهم" أخيرا عن الإدارة العبثية لمعسكر السلطة
الشرعية وحلفائهم لجبهات القتال، بما في ذلك القوى السياسية التي توظف الجبهات لخدمة أغراضها، حيث منح ذلك جماعة الحوثي نصراً عسكرياً وسياسياً مجّانياً لم يتكبّدوا المشقّة للحصول عليه، إذ إن ضعف معسكر الشرعية وأطماع حلفائها صبّ دائماً في صالح الجماعة، حيث أعطى ذلك جماعة الحوثي فرصةً للضغط على جبهات الجوف ومأرب، إذ تحوّل مقاتلو الجماعة من موقع الدفاع إلى الهجوم. كما كشفت معارك جبهة نهم، بما في ذلك تبادل الاتهامات بين القوى السياسية حيال سبب سقوطها، الاختلالات الجذرية في المؤسسة العسكرية التابعة للسلطة الشرعية، حيث أكدت افتقار المؤسسة لقيادة عسكرية نزيهة وموحدة تخضع لها، وتدير جبهات الحرب وفق استراتيجية واضحة وعقيدة وطنية لا مصالح حزبية، فيما وضح واقع الجنود المقاتلين في جبهة نهم الظروف الاقتصادية الكارثية التي يكابدونها نتيجة حرمانهم من رواتبهم، مقابل فساد قيادات المؤسّسة العسكرية وجنرالاتها، وهو ما انعكس بالطبع على مقدرتهم القتالية. ومع استمرار قوات الشرعية في خوض حربٍ شرسةٍ لاستعادة المناطق التي استولى عليها الحوثيون، فإن الأكيد هنا هو تحوّل جبهات القتال في اليمن إلى محرقة كبيرة ما زالت تحصد أرواح آلاف اليمنيين، فضلاً عن نزوح آلاف المواطنين وتهجيرهم تبعا لتوسع هذه المعارك واضطرادها، وانتقالهم إلى مخيمات النزوح.
العبث بحياة اليمنيين وتوسيع محارق الجبهات التي تحصد أرواحهم استراتيجية مشتركة بين القوى اليمنية وحلفائها الإقليميين، إذ تتحمّل السعودية والإمارات مسؤولية مباشرة عن هذا العبث، وذلك لإدارتهما ملف الحرب في اليمن، حيث أثرت أجنداتهما على جبهات الحرب المختلفة، بحيث خضعت مقاربتهما للجبهات لمصالحهما ومصالح القوى السياسية المحلية التي تمثل هذه المصالح وتحميها. وأخيرا اتجهت سياستهما إلى تغيير خرطة الصراع المحلي، وفق إعادة تموضع قوى سياسية وزجّها في جبهاتٍ جديدة، إذ قد تكون مشاركة قوات تابعة للعميد طارق في جبهة نهم مؤشّراً إلى تفاهمات سعودية – إماراتية – مؤتمرية، لتقييد بعض القوى، وتصعيد أخرى، كما أن ضخ السعودية قوات عسكرية جديدة إلى اليمن يمثل توجّهاً سعودياً جديداً لإدارة بعض جبهات القتال في اليمن، تزامناً مع مصالحها في تثبيت اتفاق الرياض بين السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي في المناطق الجنوبية، سواء اتفق الطرفان على إعادة الانتشار أم لا، فإن ذلك يمكّن القوات السعودية من فرض واقع جديد لإدارة المناطق المحرّرة، كما أن سقوط جبهاتٍ في يد الحوثيين، يمكّن السعودية من ترتيب الخريطة العسكرية في اليمن، بما يمهد لتفاهماتٍ سياسيةٍ شاملة، أو على الأقل استثمار الظرف العسكري الحالي، لتثبيت مسار سياسي سعودي يكرّس نفوذ المملكة ويخدم مصالحها.
لا يمكن فهم سبب الخسارات المتلاحقة للسلطة الشرعية على الصعيد العسكري، من دون إدراك كيفية إدارتها جبهات الحرب، إذ أثرت الاختلالات العسكرية والسياسية في منظومتها على جبهات الحرب، وهو ما أدّى إلى خضوع الجبهات لتقاسم سياسي بين القوى المحلية المنضوية في معسكر الشرعية، حيث أصبحت هذه القوى هي الموجّه لهذه الجبهات، بحيث
من زاوية أخرى، كشف سقوط "فرضة نهم" أخيرا عن الإدارة العبثية لمعسكر السلطة
العبث بحياة اليمنيين وتوسيع محارق الجبهات التي تحصد أرواحهم استراتيجية مشتركة بين القوى اليمنية وحلفائها الإقليميين، إذ تتحمّل السعودية والإمارات مسؤولية مباشرة عن هذا العبث، وذلك لإدارتهما ملف الحرب في اليمن، حيث أثرت أجنداتهما على جبهات الحرب المختلفة، بحيث خضعت مقاربتهما للجبهات لمصالحهما ومصالح القوى السياسية المحلية التي تمثل هذه المصالح وتحميها. وأخيرا اتجهت سياستهما إلى تغيير خرطة الصراع المحلي، وفق إعادة تموضع قوى سياسية وزجّها في جبهاتٍ جديدة، إذ قد تكون مشاركة قوات تابعة للعميد طارق في جبهة نهم مؤشّراً إلى تفاهمات سعودية – إماراتية – مؤتمرية، لتقييد بعض القوى، وتصعيد أخرى، كما أن ضخ السعودية قوات عسكرية جديدة إلى اليمن يمثل توجّهاً سعودياً جديداً لإدارة بعض جبهات القتال في اليمن، تزامناً مع مصالحها في تثبيت اتفاق الرياض بين السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي في المناطق الجنوبية، سواء اتفق الطرفان على إعادة الانتشار أم لا، فإن ذلك يمكّن القوات السعودية من فرض واقع جديد لإدارة المناطق المحرّرة، كما أن سقوط جبهاتٍ في يد الحوثيين، يمكّن السعودية من ترتيب الخريطة العسكرية في اليمن، بما يمهد لتفاهماتٍ سياسيةٍ شاملة، أو على الأقل استثمار الظرف العسكري الحالي، لتثبيت مسار سياسي سعودي يكرّس نفوذ المملكة ويخدم مصالحها.