إسرائيل والحرب على إيران

21 مايو 2019
+ الخط -
مع بقاء احتمالات الحرب الأميركية على إيران، على الرغم من موقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المعلن، غير المتحمِّس لها إلى الآن، بالمقارنة مع موقف مستشاره للأمن القومي جون بولتون، تقفز دولةُ الاحتلال الإسرائيلي إلى صُلب العلاقة، على الرغم من استبعاد تورُّطٍ إسرائيليٍّ مباشر في المواجهة العسكرية المحتملة، خصوصاً بعد طلب واشنطن العلني من إسرائيل عدم التدخُّل، في حال وقعت الحرب، وهو موقف شبيه بالموقف إبّان حرب الخليج الثانية في 1991. 
إسرائيل عامل مؤثِّر في التصعيد الأميركي ضدّ إيران؛ فلا أحد يمكنه تجاهل الغبطة التي انتابت رئيس حكومتها نتنياهو، من سياسة ترامب الأكثر عدائية تجاه إيران، (ولم تكن بلا تحريضٍ مستمرٍّ منه)، بالمقارنة مع سياسة سلفه الرئيس أوباما، وما أسفر عنه ذلك من انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران، ثم إعلان الحرس الثوري الإيراني منظَّمة إرهابية، واقتصادياً، تصفير بيع النفط الإيراني.
وتقف إيران، بحسب تصوُّر نتنياهو، في صُلب العلاقة مع حركة حماس، ومع التحدِّي الذي تمثِّله غزة، وقواها المقاوِمة، فنتنياهو يعتقد أولوية الخطر الإيراني، هذا المنطلق الذي يؤدِّي إلى تسليط الهجوم على إيران؛ بوصفها الداعم والراعي والرأس؛ فإذا ضَعُفتْ، أو حُجِّمت، أمكن 
بسهولة معالجة "حماس". هكذا يعتقد. ولكن مع أهمية الدعم الذي تلقَّته الحركة وفصائل المقاومة من إيران، إلا أن "حماس" و"الجهاد الإسلامي" استطاعتا تطوير قدراتٍ ذاتية، والتكيُّف مع الوضع الفلسطيني، ومع ظروف الحصار، فقد اجتازتا مرحلة التكوين الذاتي. كما أن الدعم الخارجي لا يقتصر على إيران، إذ تتلقَّاه حركات المقاومة و"حماس"، (وليس بالضرورة أن يكون حكومياً) من بلاد عربية وإسلامية؛ فلا تلازُمَ حتمياً بين تحجيم طهران أو لَجْمِها، على فرَض نجاح ذلك، وإخضاع حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهم على هذا التموضع في الشريط المحاذي لفلسطين المحتلة 48، ومجاورة ما تعرف بمستوطنات غلاف غزة، فضلاً عن هذه الكثافة السكانية التي وإن كانت عبئاً وثقلاً، إلا أنها أيضاً شوكةٌ وذخر (ظهر ذلك في مسيرات العودة، حيث الاعتماد على الثقل الديمغرافي والحشد) فلا إسكات لغزة بالحصار، أو بالتجويع، أو بالإخضاع العسكري، أو الاقتصادي.
الأداة الأميركية الأكثر فعالية تُجاه إيران هي الاقتصاد، والعقوبات المشدَّدة، (وما الحشود العسكرية الأميركية إلا لإظهار جدّيتها، وتلويحاً بالقوة الرادعة)، حيث تصفير صادرات النفط الإيرانية، والنفط يسهم في الدخل الأكبر لإيران، وحيث أدّت العقوبات المشدَّدة إلى تدهور قيمة العملة الإيرانية، وانعكس ذلك على مجمل الأسعار؛ ومنها أسعار سلَعٍ حيوية أصبحت أكثر غلاء. والهدف المعلن إجبار طهران على توقيع اتفاق نووي بشروطٍ جديدة، أقرب إلى 
تصورات ترامب وإدارته. ولوحظ أخيراً الاقتصار عليه، من دون ذكر الملفَّات والمطالب الأخرى، من قبيل دور إيران الإقليمي، وبرنامج إيران الصاروخي البالستي. إذ قال ترامب في مؤتمر صحافي: "كلَّ ما نريده من الإيرانيين ألا يمتلكوا أسلحة نووية، وهذا ليس طلباً كبيراً".
هذه العقوبات القاسية على إيران التي تهدف إلى حشرها في الزاوية، من شأنها، كما يذهب محللون إسرائيليون، أن تدفع طهران إلى المسِّ باستقرار المنطقة، وكانت قناة التلفزة الإسرائيلية 13، كشفت عن نقل جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) معلومات استخبارية للولايات المتحدة، بأنّ إيران تخطط لتنفيذ عمل عسكري ضدّ مصالحها في المنطقة.
ولأن إسرائيل كانت في صلب التحوّلات الأكثر عدائية في العلاقات الأميركية الإيرانية، فهي مع دول عربية خليجية أيضاً، في ذروة القلق من التداعيات والمخاطر المحتملة للحرب المحتملة، إذ نقل موقع صحيفة معاريف عن مصادر أمنية أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تخشى أن يؤدي تدهور الصراع الإيراني - الأميركي في المنطقة إلى ردٍّ إيراني، باستهداف مواقع وأهداف إسرائيلية في الخارج، من خلال تنظيمات وجماعات تابعة لإيران. وتتحسب دولة الاحتلال من عمليات فدائية من الجولان السوري المحتل، من جماعات يوجهها الحرس الثوري الإيراني. كما تدرس إسرائيل احتمالات تغيير سياسة إيران تجاه نشاط سلاح الجو الإسرائيلي في سورية، واستهدافه مواقع وأهدافاً إيرانية.
وفي المحصلة، يمثّل احتدام الصراع الأميركي مع طهران لإسرائيل تهديداً وفرصة؛ تهديداً من أن تطاولها تداعياتُ تلك الحرب، وفرصة لكونها تستفيد من تحجيم إيران، بالحرب العسكرية أو الاقتصادية، وذلك بحرمان "حماس" و"الجهاد الإسلامي" من دولة إقليمية تحاول الاستفادة من الحضور الفاعل في القضية الفلسطينية. وتستفيد أيضاً من ذلك بتمتين علاقاتها، أو تحالفها مع دولٍ خليجية، تسارع نحو التطبيع معها على حساب فلسطين، بظهورها في صورة الدولة الصديقة الأقرب عليهم من إيران التي لا تكفّ عن تهديد أمنهم ومصالحهم.
الكاتب أسامة عثمان
الكاتب أسامة عثمان
أسامة عثمان
كاتب فلسطيني
أسامة عثمان