09 سبتمبر 2024
ثورة لبنان تكشف المستور
حاول باحثون ومفكرون عديدون استقراء أسباب (ودوافع) الموجة الثورية العربية بطوريها، الأول والثاني، على اعتبارها متغيرا إقليميا أو وطنيا نوعيا، إذ ركزت بعض التحليلات على ثورة محدّدة زمانيا وجغرافيا، كالثورة التونسية من نهاية 2010 وحتى هروب بن علي، أو السودانية من 2018 وحتى 2019، في حين عمل آخرون على دراسة ترابط الثورات العربية وتشابهها، كظاهرة قومية أو إقليمية شاملة منذ 2010. وتوافقت غالبية هذه المحاولات أو جميعها حول الأسباب الاقتصادية والاجتماعية الكامنة خلف انفجار الغضب الشعبي، ونوعا ما حول الدوافع القانونية أيضا، كالفساد والمحسوبية، وما إلى هنالك من سلوكيات سلبية متفشية في المنطقة. ولكن لم يفض هذا التوافق الأولي إلى تشكيل قاعدة صلبة تؤازر الحشود الثائرة، بحكم الخلاف حول الأسباب السياسية التي قسمت الساحة العربية اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، بين مؤيدي حركة الشعوب وداعمي مطالبهم المحقة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وقانونيا، وبين مجموعة انتقائية ترفض الإقرار بحق بعض الشعوب بالثورة على حكامهم الفاسدين، مهما أوغلوا في نهب ثروات الوطن والمجتمع، على اعتبارها أنظمة وطنية؛ قومية؛ علمانية؛ معادية للمحور الأميركي، كما حصل مع الثورة السورية، فقد اعتبر المشككون بالحركات الشعبية أن زمانها ومكانها يجعلان منها مطية للتدخلات الخارجية الصهيو أميركية التي تتطلع إلى إسقاط الأنظمة "الوطنية"، وتشييد أنظمة بديلة طائفية عميلة لها، ما يفاقم مشكلات الوطن والمواطن، فالشعوب جاهلة وقاصرة وعاجزة
طبعا لم تقتصر هذه الرؤى المضللة على بعض التحليلات التي تناولت الثورة السورية فقط، بل نجد جذورها في جميع الثورات الشعبية العربية، بما فيها ثورة المصريين الأولى في العام 2011، وخصوصا بعد نجاح محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية، فقد عاد جزء كبير من اليساريين والعروبيين الممانعين عن دعمهم وتأييدهم واحتفالهم بثورة المصريين على نظام حسني مبارك في حينه، الذي كانوا يعتبرونه من أهم مرتكزات السياسة الصهيوأميركية في المنطقة؛ وهم محقون بهذه الجزئية، مدّعين أنها مؤامرة صهيوأميركية متحالفة مع الإخوان المسلمين، تهدف إلى زعزعة الاستقرار وتقويض الأمان وإثارة النعرات الطائفية والدينية، لذا دعموا حكم العسكر وديكتاتوريتهم وإجرامهم، بغض النظر عن حقيقة مواقفه وتوجهاته السياسية، حتى فيما يتعلق بالقضايا الوطنية والقومية الأساسية، وكأنهم يضحّون بالإنسان والوطن والأمن القومي والاستقرار والمستقبل في سبيل إفشال المؤامرة المزعومة! كما شهدنا الموقف نفسه في أعقاب اندلاع الثورتين، السودانية والجزائرية، نتيجة مواقف الرئيسين، عبد العزيز بوتفليقة وعمر البشير، الخارجية، سيما بعد زيارة البشير دمشق، وبصورة أقل وضوحا في الموقف من الثورتين، العراقية واللبنانية، وخصوصا الأخيرة، بحكم افتضاح زيف خطاب محور الممانعة.
إذ تمكنت الثورة العراقية من ضعضعة بنية النظام الطائفي المسيطر بشعاراتها الوطنية. ومضت الثورة اللبنانية على المسار الوطني نفسه المناهض للطائفية، وأضافت له بعداً جديداً، بحكم خصوصية الظرف والوضع اللبناني، طبعا لا أعني خصوصية النظام اللبناني الطائفي، فهي مشابهة لنظيريها العراقي إلى حد التطابق، بل أعني الخصوصية المتعلقة بطبيعة الحياة السياسية والإعلامية والاجتماعية اللبنانية العلنية، ومدى اجتذابها لمتابعة الجمهور العربي، والتي تتناقض مع مجمل الوضع السائد عربيا حتى في العراق. إذ تجتذب حيثيات اليوم اللبناني اهتمام جزء كبير من الجمهور العربي، بحكم تعدد وسائل الإعلام اللبنانية، وتنوع البرامج الساخرة التي تعرضها، فضلاً عن سهولة متابعة حيثيات حياة حكام لبنان حتى الشخصية، التي يبدو أنهم سعيدون بها أو راضون عنها، من أخبار عشيقاتهم وحيواناتهم الأليفة وأقاربهم وسهراتهم وما إلى ذلك، إلى فسادهم المالي والأخلاقي والسياسي، سواء كانوا محسوبين على سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع وأمين الجميل أو ممن لم يشارك في الحكومة الحالية، وصولاً إلى أقرب حلفاء حزب الله في التيار الوطني الحر وحركة أمل، وطبعا الحزب ذاته، كفساد بعض ممثليه داخل مؤسسات الدولة، وخصوصا التشريعية والوزارية، والفساد المتعلق بسيطرته على الحدود اللبنانية الجوية والبحرية والبرية، او غالبيتها.
لذا شاهد الجميع أو الغالبية الحزب على حقيقته الطائفية النهبية في الداخل اللبناني، وتابع