هذا الجاسوس الإسرائيلي لإيران

21 يونيو 2018

غونين سيغيف (وسط) أمام محكمة تل أبيب (22/4/2004/فرانس برس)

+ الخط -
يعلن جهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية (الشاباك) اتهاماتٍ مهولةً على الوزير والنائب السابق، رجل الأعمال والطبيب، المُدان بتجارة المخدرات سابقا، غونين سيغيف (62 عاما)، منها التجسّس لصالح إيران، وتسليم معلوماتٍ إلى هذا العدو، بينما تعمد الصحافة العبرية إلى التهوين من شأن "القضية الأمنية الأخطر في تاريخ إسرائيل"، بحسب ما تصفها أوساطٌ استخباريةٌ وسياسيةٌ في دولة الاحتلال، بدعوى أن الوزير، قبل أكثر من عشرين عاما، لم يكن قريبا من دوائر القرار الأمني والسياسي، ولا معلومات ثمينةً لديه يبلغها لمشغّليه الإيرانيين. وهكذا، يبدو التباعد كبيرا في المسافة بين إعلان المؤسسة الأمنية الرسمية وتقديرات الصحافة  وتخميناتها. 

أما المواطن العربي الذي تبعث فيه قصةٌ مثيرةٌ من هذا المستوى فضولا غير قليل، إذا ما أعطاها بعض الوقت، وتَِسَقّطَ ما يتيسّر من أخبارٍ بشأنها، وتَفَحّصَ في الشحيح من "أخبار" و"حقائق" في غضونها، فإنه لن يحفل بما يُخبر به "الشاباك"، ولا بما يدردش عنه كتاب التعليقات والتقارير والرأي في هذه الصحيفة الإسرائيلية أو تلك. وإنما سيتسلل إلى خواطره شيءٌ من الإعجاب بمقدرة المخابرات الإيرانية على تجنيد وزير إسرائيلي، ولو سابقٍ، معها، أيا تكن قيمة المعلومات التي تلقّتها منه. وإذا صحّ ما أورده تقريرٌ إخباريٌّ إسرائيليٌّ عن هذا الرجل، المقيم منذ سنواتٍ في نيجيريا، أنه زوّد الإيرانيين بمعلوماتٍ تتصل بمجال الطاقة ومواقع أمنية إسرائيلية، وعن ذوي مناصب في الهيئات السياسية والأمنية في دولته، فإن مقدار جرعة الإعجاب قد يزيد، والأرجح أن صاحبها لن يؤثّر عليه "إيضاحٌ"، ليس مؤكدا تماما، أن تلك المعلومات متقادمة. وهذا معلقٌ، ذو كفاءةٍ في "يديعوت أحرونوت"، لا يستبعد أن يكون سيغيف قد نقل، أو صحّح، للاستخبارات الإيرانية نقاط مواقع استراتيجية في إسرائيل، وإحداثياتها، خصوصا بشأن الطاقة. وفي البال أن العميل المتحدّث عنه كان وزيرا للطاقة والبنى التحتية.
ما رشح من إيجازٍ بوليسي (شائق؟) عن جلب الأجهزة الإسرائيلية الوزير سيغيف من غينيا الأستوائية في عمليةٍ أشبه ما تكون بعملية اختطافٍ (لم تنشر تفاصيلها الكاملة) لا يعني سوى أن ما اقترفه هذا الرجل ثقيل، ومع إيران وليس غيرها، العدو الأول لإسرائيل. وقد نُشر أن التحقيق معه، وهو المثقف على ما وُصف، يتركّز الآن على ما إذا كان قد جنّد في دولة إسرائيل أشخاصا أمدّوه بمعلوماتٍ نقلها إلى رجال المخابرات الإيرانية الذين تستّروا في هيئة مورّدي معداتٍ طبية، في لقاءاته معهم. ويعني ذلك، من بين كثيرٍ يعنيه، أن الحس الأمني العالي وحده الأداةُ التي يتم الاستئناس بها في واقعةٍ كهذه، لا عملية احتساب المقدمات والمعطيات بالمنطق البارد، كما يفعل معلقون في صحفٍ ومواقع إخبارية، وهم يبثّون "خواطر" تأتي إلى مداركهم، باعتبارها الأنفع في مطالعة حدثٍ في منزلة تجنيد إيران وزيرا إسرائيليا سابقا، لم يملك غير الزّعم أمام مستجوبيه إنه كان يعمل على خداع الإيرانيين، وخدمة الأمن الإسرائيلي، فيما الدعوات إلى جهاز الشاباك أن يتيقن جيدا من أن استخبارات الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تجنّد غير هذا الرجل.
للمواطن العربي أن يلحظ أن إسرائيل تمكّنت مراتٍ من تجنيد جواسيس لها في إيران، ساهموا في عمليات اغتيال علماء إيرانيين. وله أن يسأل عن النفع الذي تأتّى لجيش هذا البلد المسلم من تشغيل ذلك الإسرائيلي الذي كان وزيرا أقلّ من عامين قبل عقدين، ذلك أن إيران لم تحرز انتصارا واحدا على الدولة العبرية، ولم تطخّ عليها سوى قذائف كلاميةٍ في خطبٍ وافتتاحيات جرائد، فيما تلقت منها ضرباتٍ مؤلمةً غير قليلة، في سورية ولبنان. للمواطن العربي أن يحدّث نفسه في هذا الأمر وذاك، وفي غيرهما مما يُعاينه من تفوقٍ إسرائيليٍّ ظاهرٍ قدّامه على إيران، إلا أنه، على أي حال، لن يستطيع أن يزيح عن باله شعورا بأن إيران، البلد الذي صار عدو العرب، في اعتبارات بعضنا، ينشغل جدّيا بحرب مخابراتٍ شرسةٍ مع عدوه الأول إسرائيل، فيما الأجهزة المخابراتية والأمنية لأنظمتنا العربية الحاكمة مشغولةٌ بألعابٍ صغيرةٍ، ومخزيةٍ، ومخجلة، كما تدل وقائع منظورة ومعلومة، في الخليج ومصر وسورية... إلخ.
دلالات
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.