العراق على صفيح ساخن

29 مايو 2018
+ الخط -
تبدو المواجهة بين أميركا وإيران في العراق جليةً عقب الانتخابات البرلمانية التي جرت أخيرا، غير أنها مواجهةُ محكومةٌ باسبابٍ تدفعها إلى أن تكون مواجهة قوى ناعمة أكثر من كونها مواجهة مسلحة، فكلتاهما، إيران وأميركا، يمتلكان من أسباب القوة ما يمنعهما من أية مواجهة عسكرية غير محمودة العواقب، تلك هي حسابات المنطق، وهي حساباتٌ قد تكون خاطئةً، خصوصا في ظل وجود تأثيرات عديدة أخرى قد تدفع أحد الطرفين إلى الخروج عن قواعد اللعبة، واللجوء إلى تفجير الوضع، نتيجة يأس ما.
تتسارع خطوات طهران وواشنطن من أجل تشكيل حكومةٍ عراقيةٍ جديدة، كل يريدها تابعة له ولو بالحد الأدنى، فمقتدى الصدر، زعيم تحالف "سائرون"، الفائز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان العراقي، ليس حليفاً مفضلاً للولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، لا يبدو حليفاً مفضلاً أو مرغوباً به من الإيرانيين، فعلى الرغم من شيعيته، وكونه أحد رجالات المذهب في العراق، إلا أنه لا يبدو ودوداً تجاه النفوذ الإيراني في العراق.
من هنا، فإن الصدر، وحتى إن لم يكن مرغوباً به أميركياً بسبب تاريخه الصدامي معهم، إلا أن له حسنة واحدة بالنسبة للأميركان تتمثل في عدائه الظاهر لإيران، وبالنسبة لهذه، فإن الصدر الذي جاهر برفضه التدخل الإيراني في العراق له حسنة، تتمثل برفضه الوجود العسكري الأميركي في العراق.
قد تبدو هذه المفارقة "الصدرية" نادرة، فلا هو متطابقٌ مع إيران، ولا متطابقٌ مع أميركا، ولا هو متقاطع مع إيران، ولا متقاطع مع أميركا. وبالتالي قد يبدو الصدر في لحظةٍ فارقة، مفضلا لكلا الخصمين اللدوديين، أميركا وإيران.
ولكن هذا ليس كل شيء، فالانتخابات العراقية التي شهدت مقاطعة شعبية كبيرة، لم تسلم رايتها كاملة للصدر، فتحالفه لم يحصل سوى على 53 مقعدا برلمانياً، وهو أقل عددا بكثير من الفائز الأول بانتخابات عامي 2010 و2014 ، ما يعقد كثيراً من مهمة تشكيل الحكومة.
يحتاج الصدر لتشكيل الحكومة إلى تحالف برلماني كبير، يخوله تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان، وبالتالي فإنه مضطر للبحث عن تحالفات واسعة، ولعل الخيارات أمامه، وإن كانت كثيرة، إلا أنها صعبة، صعوبة كان يمكن أن تذللها تفاهمات أميركية إيرانية، لو أنها جاءت في ظل إدارة غير إدارة دونالد ترامب، والتي يبدو أنها عازمة على التصعيد ضد إيران، خصوصا في أعقاب الانسحاب من الاتفاق النووي، وتشديد العقوبات عليها.
تسعى أميركا، ومن خلال حلفائها في الشرق الأوسط، إلى دعم الصدر، فهي ترى فيه، على الرغم من تشدّده تجاهها، والتاريخ غير الودي بينهما، فرصة للوقوف ضد إيران، فأميركا تحتاج في العراق لحكومة تدور في فلك عقوباتها على إيران، وتتناغم معها، وهو ما تأمله أميركا من دعمها الصدر عبر حلفائها، وخصوصا السعودية التي بدت مسرورةً لفوز الصدر بالانتخابات.

ولكن هل يقوى الصدر على الوقوف بوجه إيران؟ يطرح بعضهم سيناريو لتشكيل حكومة عراقية موالية لإيران، من خلال إستبعاد الصدر وتياره، فقانون تشكيل الحكومة يتحدّث عن الكتلة الأكبر تحت قبة البرلمان، وليس الكتلة الفائزة بأكبر عدد مقاعد في الانتخابات. ومن هنا، قد تكون الفرصة مواتيةً لتشكيل كتلة أكبر بلا الصدر وتياره، تماماً كما حصل مع القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي في العام 2010، عندما فازت بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات، غير أنه تم سحب البساط من تحتها بهذا القانون.
ولكن الصدر ليس علاوي. ويدرك الجميع ذلك، فللصدر تيار شعبي كبير، كثيراً ما شاغب الحكومات الماضية، وأحرجها، واقتحم عليها خضراءها وبرلمانها، وأيضا له مليشيات مسلحة كبيرة وممتدة. وبالتالي، لا أحد على ما يبدو يفكر بتجاوز الصدر، واللجوء إلى هذا الخيار. وبالتالي، فإن بقاء الصدر قطباً لأي تحالف تحت قبة البرلمان، سيكون هو الأساس لتشكيل أي حكومة.
تخطئ أميركا، ومعها حلفاؤها العرب، إذا أعتقدوا أن الصدر يمكن له أن يخرج عن طاعة الولي الفقيه في العراق، فهو، وعلى الرغم من مواقفه المعلنة ضد النفوذ الإيراني، يدرك جيداً أن لدى إيران من النفوذ ما قد يعرّضه ويعرّض تياره للخطر. وبالتالي، فإنه سيسعى إلى المناورة بما يضمن استمراره، ناهيك عن أنه حتى مواقف الصدر العلنية ضد إيران لا ترقى إلى أن تكون مواقف يمكن الاستناد إليها، واعتباره يقف بالضد منها.
ولكن، ماذا لو قرّرت إيران أن تخرق قواعد اللعبة مع أميركا في العراق، وخصوصا في حال شدّدت واشنطن من عقوباتها عليها، وأيضا في حال فشلت طهران في الحصول على تعهدات أوروبية كافية للبقاء ضمن الاتفاق النووي؟
يبدو أن الأمر ليس مستبعدا تماماً، فلدى إيران القدرة على تحريك أتباعها في العراق، خصوصا أن الفائز بالمركز الثاني في الانتخابات هو تحالف الفتح، والذي يضم عدة مليشات مسلحة، تتلقى تمويلا وتدريباً من إيران، فهي إن شاركت في الحكومة، أو بقيت خارجها، ستمارس دوراً معرقلاً ضد أي تحرك تريده أميركا من الحكومة الجديدة ضد إيران.
الأيام حبلى بمفاجآت عديدة، والتفاهمات الأميركية الإيرانية غير المعلنة في العراق قد تنتهي في أي لحظة، ليبقى العراق على صفيحٍ ساخنٍ، بانتظار ما سيقرّره اللاعبان الرئيسيان، أميركا وإيران.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...