عن المرأة.. عشية عيدها

06 مارس 2018

(محمد نصرالله)

+ الخط -
تقول سيمون دي بوفوار إن الإنسان لا يخلق امرأة، بل كل ما حوله يحوله كذلك. ويقول روجيه غارودي إنها وحدها المرأة قادرةٌ على إعادة ترتيب الحياة على هذا الكوكب البائس، حين تعي نفسها جيداً.
بعد نضال طويل، بعد كثيرات وكثيرين من الشهداء في سبيل تحرير الإنسان، وتحرير المرأة بالذات، تحتفي المرأة في العالم المتقدم بأنها امرأة، في كل لحظة في حياتها، وتعطيها تلك المجتمعات المتقدمة مكانة إضافية، وحقوقا إضافية، لمجرد أنها امرأة، فهذا بحد ذاته يحمل تميّزها بالرهافة التي تسكن روحها، وبالقدرة على الحب والاستمرار به، وبالأمومة التي تقبل المرأة حمل ثقلها بكل شغف وحب وتنازل عن الذات، والتي يعرف تماما هذا المجتمع المتقدم أن المرأة هي من يربيه كاملا. لذا فهو يكرّمها في عيدها كثيرا، مثلما يكرّمها بكل تفاصيل قوانينه، ويعطيها المكانة الأولى في الحقوق، ويكرّمها بحريتها المطلقة بالتعامل مع قرارها، مثل الرجل، وبجعلها دائما مستقلة. بالإضافة إلى أنها تحتاج دائما لأن تثقف نفسها، كي تجد عملا يتيح لها الاستقلالية التي لم يعد يقبل بها المجتمع نفسه بدونها. وطبعا كان الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة ثمرة قرون من العمل المضني، وثمنا لتراكمات من الثورات الفكرية والسياسية، قامت بها هذه الشعوب على كل ما يقتل فيها قيمة الإنسان، والتي كانت نتاجا لمفكرين ومفكرات سبقوا عصورهم، وتحدوا السائد والمتكرّر الأعمى، وكم من نساء دفعن حياتهن في مقابل ما تنعم به امرأة اليوم في المجتمعات المتقدمة.
ولكن، في بلادنا العربية بشكل عام، لم تزل المرأة المتعلمة العاملة تحاول أن تثبت كيانها، والمرأة الطالعة من ضلع الحياة، والتي تطلع الحياة من أضلاعها، لم تزل تقف وتفكر كيف ستستطيع يوما أن تنفي ثقافة طلوعها من ضلع الرجل، الرجل الذي هو حبها وشريك شغف الحياة ومتعتها. وفي يوم عيدها وعيد الأم فيها، تحتار هذه المرأة الأم لأي اتجاه تدير وجه عواطفها، من دون أن يقتلها العتم. ومن دون أن تغتالها الرطوبة والعفونة، وتحتار كيف تستطيع أن تحافظ على نبتة الحياة فيها حيةً وخضراء، وكيف تفتح لها شبابيك روحها كلها، كي تشبع من الضوء والهواء من دون أن تدخلها رياح التملك والوصاية الذكورية عليها، حتى لو كانت هذه الرياح رياح حب كبير، فهي في غفلة عنها، وفي لحظة ما، ستقتلع كل ما فيها.

في عيدها، تفتش المرأة عنها فينا، تفتش عما تبقى من فينوس في روحنا، وعما أكلت الأمومة منا بحملها الثقيل المستمر، لكنها أيضا تفتش عما زادتنا الأمومة نفسها من عمق وحكمة. وترى كيف صقلت حجر أرواحنا، فصار أنعم وأصلب بهذا الحمل نفسه الثقيل المستمر.
كل عيد تحلم المرأة العربية بأن ترى نفسها المرأة القوية، المستقلة، الواثقة بذاتها، والفخورة بأنوثتها، والتي تضيف للرجل عطرها، ويضيف إليها اكتمالها، لكن الحقيقة أنها تجد نفسها واقفةً على الدرجة الثانية في سلم الحياة، وتجد أن المجتمعات لم تزل تحاول إعادتها إلى هذا الكائن الأضعف، والأقل ثقةً بنفسه، وبالآخرين، والذي يحتاج قوانين كثيرة، والحصار كي يستقيم، وكي يمنع نفسه من الانحطاط، وتحولها إلى أم، تعيد من دون أن تقصد إنتاج رجال يرون المرأة هكذا، وإنتاج نساء يرون أنفسهن هكذا أيضا، ويتماهين أكثر في شكلياتٍ لعلها تعيد إليهن شخصيتهن المسلوبة، كالمزاودة بالماكياج وبالتكلف وبالملابس الباذخة.
ولم يكف المرأة العربية ذلك، فقد جاءتها الحرب التي يقيمها الطغاة على ثورات شعوبهم، لتجعلها الخاسر الأكبر في كل شيء، لقد حولت الحرب المرأة السورية، سيدة أقدم الحضارات في العالم، فينوس الدهشة والخصب وربة الجمال والعطاء، التي عاشت في أقدم مدن العالم، والتي كانت مع السفينة الفينيقية الأولى، حين نقلت إلى هذا العالم الحديث تجربتها وحضارتها، حولتها إلى أكثر امرأة ألما بين كل نساء العالم، وأكثر امرأةٍ تستحق أن يكون العيد لها وحدها، فوحدها من تعاني اليوم ما لا تعانيه امرأة في هذا الكون. فبالإضافة إلى كل ما تعانيه المرأة العربية، فإنها في عيدها هذا تزرع فوق قبر حبيبها نرجسة وقهرا، أو تحيك لزوجها المعتقل حياةً قد لا يعيشها، أو أنها تدفن كيانها كاملا مع ابنها وابنتها تحت الأرض، أو تغتصبها الرايات السوداء والعقول المريضة. وفي أفضل حالاتها، هي في المخيمات تداري ذل حياتها بدمعة تحت الجفن، وبضمة لمن تبقى من عائلتها، أو أنها لم تزل هناك تنتظر الذين رحلوا عن البلاد أن يعودوا، أو الذين صاروا يسكنون فقط في الصور. تنتظرهم أن يرجعوا وهي تعرف أنهم لن يرجعوا، لكنها في يوم عيدها تعد الشرائط السوداء على زاوية تلك الصورة، وتغني لباقي صورنا أغنية ما قبل النوم، وتعد لأسمائنا هذا العشاء.
E928EA8B-DC47-4385-9F66-8409C3A306CB
E928EA8B-DC47-4385-9F66-8409C3A306CB
ميسون شقير

كاتبة وإعلامية سورية

ميسون شقير