ما دور اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؟

12 فبراير 2018

اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في رام الله (25/9/2017)

+ الخط -
يوما بعد يوم، يؤكد السلوك السلطوي غير المؤسس على أسس ومبادئ ثابتة وراسخة عبثيته وبعده عن التعقل، حين ينحاز إلى ما يراه هو أقرب إلى مصالحه وطموحاته الفردية/ النرجسية، في ابتعادها عن ما يربط بينها وبين المصالح والقضية أو القضايا العامة، لكن أبرز حالات الفصام التي نشهدها اليوم هي حالة سلطة فلسطينية استعجلت وتستعجل بناء ديكوراتها السلطوية، ولو على حساب واقع كونها سلطةً غير مكتملة، ولا بأي معنى، إلا أنها تستمد من هيمنتها على المال العام وصرفه وفق أهوائها وأمزجة زعاماتها ما يجعلها قوة متنفذة، لا تريد لأحد أن يحاسبها أو يراقبها، ليوقفها عند حدّها، جراء ممارساتٍ لا تتوافق والمصالح العليا الوطنية والشعبية أو الأهلية.
وفي الحديث عن المؤسسات وماهيتها ودورها وأهميتها ومهمتها، هناك تجاهل تام لجوهر تلك المؤسسات ومضمونها، فلا يكفي أن نطلق على إطار ما اسم مؤسسة، وهي في الواقع ليست كذلك، وإن كانت مجرّد شكل لا يحمل أي مضمون مما تعارف الناس عليه من أنه المحتوى الفعلي لذاك المضمون. ولهذا ما عاد الحزب حزبا يمتلك مقومات المؤسسة، والدولة كذلك ما عادت مؤسسةً تعاقدية، حين يختصر الزعيم بشخصه "المؤسسة" التي يمثلها أو التي يقوم بتمثيلها في الداخل أو في الخارج، وطالما أن الديمقراطية في بلادنا اسم على غير مسمى، والمؤسسات كذلك؛ فلا أصحّ من كون الزعامات ليست كذلك أيضا، بل هي نتاج مصانع ومعامل ثقافة الاستبداد وإرثها الذي جرى توارثه عبر الأجيال.

الفصام الأكثر اكتمالا وبروزا هو ما صار عليه وضع السلطة الفلسطينية جرّاء اتفاق أوسلو الذي نقلها من طبيعة أنها حركة تحرّر وطني زيفا سلطة امتلكت كل مقوماتها الأمنية والقمعية، في معاندة واضحة لكل مقوم سياسي أو اقتصادي لها، جرى تغييبه بالتركيز على دور لها، استبقته هي كما أرادت استباقه كل القوى المعادية لكفاح الشعب الفلسطيني. من دون أي تحفظ من السلطة التي صادقت على كونها سلطة، وأصبحت تتصرّف منذ يومها على هذا الأساس، الأمر الذي غيّر معادلاتٍ كثيرة، وحرف الكفاح الوطني عن مساره الطبيعي، وأضفى على طبيعة السلطة ماهياتٍ ليست من طبيعتها؛ وأبرز مثال على هذا، حين تحولت السلطة إلى صاحبة الولاية على منظمة التحرير الفلسطينية، والفصائل وكامل الوضع الوطني في الداخل وفي الشتات، وهذا انقلابٌ يعادل زلزالا مدمّرا، أحدث أضرارا كبرى في مسيرة الكفاح الوطني، بلغت خسائره مستويات عليا، لا سيما في "خسارة القدس" بعد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المشهود له بوقاحة الانحياز الكامل للصهيونية، ولأهدافها التهويدية، ولمشروعها "القومي" المزعوم على أرض فلسطين، وذلك كله بعد أن جرى التخلي عن معظم أرض فلسطين التاريخية، ليجري التمسك بأقل القليل من الأرض في بعض الضفة الغربية التي اخترقها الاستيطان، وحولها قطعا متفاصلة، لا تربطها إلا روابط واهية بلدية أو قروية.
في مواجهة قرار ترامب بشأن القدس والمفاوضات ووجوب التنازلات، لم تجد اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أو بالأصح من تبقى من أعضائها، سوى التأتأة وإحالة صلاحياتها التنفيذية إلى مؤسساتٍ أخرى، والمماطلة والتسويف إزاء قرارٍ واضحٍ كان قد اتخذه المجلس المركزي، يتعلق بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال. وعلى الرغم من ذلك، تناور السلطة وتداور، من غير أن تجرؤ على تنفيذ هذا القرار الذي أقرّته مؤسسة تعتبر صاحبة الولاية على السلطة، وليس العكس، وذلك حين طلبت اللجنة التنفيذية في بيان صدر عقب اجتماعها، من الحكومة، البدء فورا بإعداد الخطط والمشاريع لخطوات فك ارتباط مع سلطات الاحتلال الاسرائيلي على المستويات السياسية والإدارية والاقتصادية والأمنية، وعرضها على اللجنة التنفيذية للمصادقة عليها، بدءاً من تحديد العلاقات الأمنية مع الجانب الإسرائيلي، والتحرّر من قيود اتفاق باريس الاقتصادي، بما يلبي متطلبات النهوض بالاقتصاد الوطني.
عمليا، ينفي هذا الانحياز للدور السلطوي الذي باتت تلعبه السلطة وحكومتها أي دور تحرّري، أو مستقل لمؤسسات المنظمة التي يتم اللجوء إليها وقت الحاجة، من دون أن تكون قراراتها ملزمةً، وهذا في حد ذاته انعكاس لطبيعة السلطة في بلادنا، ولأدوار المؤسسات وإشكاليات تمثيلها وعدم قدرتها على ممارسة ما يناط بها، من مسؤولياتٍ ومهمات؛ إلا بشكل أوامر يصدرها مركز استبدادي، عبر شخص أو أشخاص يحسبون "سلطة عميقة" تلتف حول سلطة الفرد. واذا ما استمر هذا واقع الحال، فليس على القدس السلام، بل على فلسطين كلها الحرب والاستيطان، ومزيد من اقتلاع الفلسطينيين من وطنهم التاريخي. وصولا إلى الاستيلاء على ثروات النفط والغاز في المياه الإقليمية الفلسطينية، كما ومنازعة كيان الاحتلال والعدوان لبنان على ثروته في مياهه الإقليمية في البلوك رقم 9. وهنا السؤال: أين القيادة الفلسطينية المعنية بالحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والراهنة، وما يستجد له من حقوق (النفط والغاز أخيرا)؟ أم أن حدود مسؤولياتها تقف عند المفاوضات والتنازلات والتسويات غير المتكافئة؟

لا يقف فهمنا المشروع الوطني الفلسطيني عند اللحاق أو الالتحاق بالمشاريع السلطوية أو الزبائنية، أو إقامة شراكات أو وكالات مع من يفترض أنهم أعداء الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية، حيث إن كل ما تحقق على الأرض الفلسطينية منذ العام 1948 ليس سوى باطل الأباطيل، ولا يقرّه أي شرع أو قانون، ومهمة قوى المشروع الوطني لا ينبغي أن "تتسامح" مع الاحتلال، أو تساوم على معظم أرض فلسطين، لتقبل بأقل القليل من الأرض منزوعة السيادة في إطار "لا حل" هو الأقرب إلى صياغة مستجدّة من تشكيلات "روابط القرى"، أو صيغة حكم ذاتي محدود الصلاحيات، كما حال السلطة الفلسطينية اليوم، في حدود اتفاقية أوسلو التي ضاقت، حتى لم يبق منها سوى ما يخدم الاحتلال، وأهدافه شبه النهائية في فكفكة تماسك الوضع الوطني الفلسطيني ووحدته، واستمرار الانقسام وفرض عقوبات على غزة، وكأنها باتت "دولة مؤقتة" خارجة على القانون، ولهذا يتوجب عقابها حتى إخضاعها.
هذا في حين أن بعضنا للأسف بات يقرّ بأن كيان الاحتلال الاستيطاني الاستعماري "وجد ليبقى"، فيما يصرّ بعض آخر على التطبيع مع ذاك الكيان المعادي، بكل المقاييس والنسب لطموحات شعب فلسطين في العودة إلى دياره، وبناء دولته الوطنية المستقلة على أنقاض كيان العدو العدواني الذي لم يكن، ولن يكون، سوى النقيض المطلق، والنفي المطلق، لحق الفلسطينيين في أرض وطنهم التاريخي، على أمل استعادته نفيا مطلقا لحقٍّ يهودي مزعوم في فلسطين، جاءها يهود من كل حدب وصوب، جاءوا من بلدانهم الأصلية، وبإمكانهم العودة إليها، إذا ما أرادوا العيش في سلام واطمئنان. أما أن يبقوا في بلاد ليست لهم، فهذا ما يتناقض تناقضا مطلقا مع حق شعب الوطن الفلسطيني في العيش على أرض آبائه وأجداده.
47584A08-581B-42EA-A993-63CB54048E47
ماجد الشيخ

كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لبنان. مواليد 1954. عمل في الصحافة الكويتية منذ منتصف السبعينات إلى 1986، أقام في قبرص، وعمل مراسلا لصحف عربية. ينشر مقالاته ودراساته في عدة صحف لبنانية وعربية.