13 نوفمبر 2024
السعودية.. لم تنته اللعبة بعد
أصل الحكاية أن محمد بن سلمان أمير "مملكة الصمت"، بحسب الوصف الذي أطلقه الأمير خالد بن فرحان آل سعود على بلده، طغى إلى الحد الذي لم يعد ينظر فيه إلى أبعد من أرنبة أنفه. وفي أحد "منجزاته"، وضع خطوطا حُمرا أمام الصحافيين والكتاب، من يتجرأ ويتخطاها تحل عليه النقمة ويفرض العقاب، القضايا التي وشّحها بتلك الخطوط الحمر: حرب اليمن، محاصرة قطر، العلاقة مع إسرائيل، فتح الخزينة السعودية أمام الأميركيين، وكذا اعتقال الناشطين السياسيين والكتّاب ودعاة الرأي الآخر.
تجرّأ الصحافي المغدور، جمال خاشقجي، وتخطى الخطوط الحمر في مغامرةٍ غير محسوبة التكلفة، وفي ظنه أن علاقته ببعض أركان العائلة الحاكمة، وعمله مستشارا سابقا لأمير متنفذ، وكونه كاتبا لامعا وصحافيا ذا خبرة، كل هذا سيشفع له أمام الحاكم الذي لا يتردّد في قطع أصابع معارضيه، أو من يشكّ أنهم معارضون له، أو حتى قطع رؤوسهم، وقد كلفته تلك المغامرة حياته على النحو الذي عرفناه.
وإذ وقف العالم إلى جانب الضحية احتراماً لكرامة الإنسان وحقه في الحياة، ودفاعا عن حرية التعبير التي حملتها آخر مقالة للمغدور، فقد ارتفعت أصواتٌ بدت محقّةً، وهي تناقش وقفة العالم هذه على خلفية الانتقائية وازدواجية المعايير في النظر إلى وقائع وأحداث مماثلة. صحيحٌ أن حكاما عربا سابقين فعلوا مع معارضيهم ما يشبه فعلة الأمير المتغطرس مع معارضيه، ولم يحصل ردُّ فعلٍ كالذي حدث مع واقعة قتل خاشقجي، وصحيحٌ أيضا أن حكاما عربا حاليين،
وقادمين أيضا، قد يرتكبون أفعالا أقسى وأكثر وحشية، ويصمت العالم في مواجهتهم، لكن لا ينبغي أن تُحاكم الواقعة الجديدة على خلفية تلك الحيثيات، ويغض الطرف عنها، إذ لا يمكن لضمير العالم أن يظل في سباته، فيما يتعرّض الإنسان في أي مكان إلى مصير كالذي واجهه خاشقجي على يد حاكم شرير، لا يتوانى عن فعل ما فعله طغاةٌ سابقون في مواجهة خصومهم!
صحيحٌ أيضا أن تراجيدياتٍ عربية، حروبا وحصارات ومظالم شتى، حدثت في هذه المدينة أو تلك، ولم تثر ردود أفعالٍ لدى العالم مساوية لحجم فداحتها، بل لم ينل بعضها أدنى اهتمام، لكن كل هذه المقادير المشخّصة من انعدام الضمير أو الصمت عن تلك التراجيديات لا تعني أن يتخلّى إنسان العصر عن مهمته في إدانة جريمة قتل فردية، أو جماعية بغض النظر عن موقع المجرم أو المجرمين أو هوية الضحية أو الضحايا، هذا ما وددت أن أذكّر به الذين كتبوا يحاسبون أو يعتبون، وهم يجلسون على التل!
عودة إلى أصل الحكاية، لم يكن خاشقجي منافسا للحاكم في لعبة السلطة، حتى يذهب به إلى القبر، ولم يخطر في باله أن يبحث في لعبة السلطة ويتحرّاها، كما لم يكن معارضا بمعنى المعارض الذي يتبع مرجعيةً حزبيةً أو حركية، ولم يعتبر نفسه يوما ناشطا في مجال مقارعة السلطة الذي قد يقوده إلى جهنم، هو مجرّد كاتب مهمته كما عبر عنها أن يقول كلمته ويمشي، أن ينصح ولي الأمر، فإن شاء الأخير أن يأخذ بالنصيحة المخلصة فبها، وإن شاء أن يركلها بقدمه فليفعل.
وهكذا، وبعد فصولٍ من النفي والإنكار لواقعة القتل العمد، وبطريقةٍ في غاية الوحشية، يكتشف الحاكم أن شططه قد يدفع به إلى الهاوية، إلى درجة أن من حماه في مقابل المال بدأ يعترض على فعلته، محاولا ابتزازه لدفع مال أكثر في مقابل سكوته. عند هذا المفترق، يعمد إلى تلفيق رواياتٍ مهلهلةٍ لا تصمد أمام المنطق، شجار، اشتباك بالأيدي، كتم النفس، خنق، تعامل مع الضحية بطرقٍ غير مصرّح بها، عدم وجود توجيه رسمي بالقتل، عدم معرفة "الأمير" بما جرى، هنا إذن لا بد من "كبش فداء" قد يكون بعض الذين نفذوا حكمه بالضحية بدم بارد، وهؤلاء سيحملون خطيئتهم معهم، لأنهم لم يجدوا الجرأة في نفوسهم، ليصرخوا في وجه سيدهم.
بقي أن نقول إن الفصل الأخير من هذه الحكاية لم يكتب بعد، واللعبة لم تصل إلى نهايتها، فثمّة أحوال سوف تتغير، ومآلات سوف ترسم على نحوٍ مختلف، وقد ننتظر أسابيع أو شهورا قبل أن نشهد النهاية. وربما تكون أكثر تراجيديةً من واقعة القتل نفسها، وقد تستدعي مقادير أكبر من الأسى على وقع حقبةٍ سعوديةٍ غارقة في الدم.
تجرّأ الصحافي المغدور، جمال خاشقجي، وتخطى الخطوط الحمر في مغامرةٍ غير محسوبة التكلفة، وفي ظنه أن علاقته ببعض أركان العائلة الحاكمة، وعمله مستشارا سابقا لأمير متنفذ، وكونه كاتبا لامعا وصحافيا ذا خبرة، كل هذا سيشفع له أمام الحاكم الذي لا يتردّد في قطع أصابع معارضيه، أو من يشكّ أنهم معارضون له، أو حتى قطع رؤوسهم، وقد كلفته تلك المغامرة حياته على النحو الذي عرفناه.
وإذ وقف العالم إلى جانب الضحية احتراماً لكرامة الإنسان وحقه في الحياة، ودفاعا عن حرية التعبير التي حملتها آخر مقالة للمغدور، فقد ارتفعت أصواتٌ بدت محقّةً، وهي تناقش وقفة العالم هذه على خلفية الانتقائية وازدواجية المعايير في النظر إلى وقائع وأحداث مماثلة. صحيحٌ أن حكاما عربا سابقين فعلوا مع معارضيهم ما يشبه فعلة الأمير المتغطرس مع معارضيه، ولم يحصل ردُّ فعلٍ كالذي حدث مع واقعة قتل خاشقجي، وصحيحٌ أيضا أن حكاما عربا حاليين،
صحيحٌ أيضا أن تراجيدياتٍ عربية، حروبا وحصارات ومظالم شتى، حدثت في هذه المدينة أو تلك، ولم تثر ردود أفعالٍ لدى العالم مساوية لحجم فداحتها، بل لم ينل بعضها أدنى اهتمام، لكن كل هذه المقادير المشخّصة من انعدام الضمير أو الصمت عن تلك التراجيديات لا تعني أن يتخلّى إنسان العصر عن مهمته في إدانة جريمة قتل فردية، أو جماعية بغض النظر عن موقع المجرم أو المجرمين أو هوية الضحية أو الضحايا، هذا ما وددت أن أذكّر به الذين كتبوا يحاسبون أو يعتبون، وهم يجلسون على التل!
عودة إلى أصل الحكاية، لم يكن خاشقجي منافسا للحاكم في لعبة السلطة، حتى يذهب به إلى القبر، ولم يخطر في باله أن يبحث في لعبة السلطة ويتحرّاها، كما لم يكن معارضا بمعنى المعارض الذي يتبع مرجعيةً حزبيةً أو حركية، ولم يعتبر نفسه يوما ناشطا في مجال مقارعة السلطة الذي قد يقوده إلى جهنم، هو مجرّد كاتب مهمته كما عبر عنها أن يقول كلمته ويمشي، أن ينصح ولي الأمر، فإن شاء الأخير أن يأخذ بالنصيحة المخلصة فبها، وإن شاء أن يركلها بقدمه فليفعل.
وهكذا، وبعد فصولٍ من النفي والإنكار لواقعة القتل العمد، وبطريقةٍ في غاية الوحشية، يكتشف الحاكم أن شططه قد يدفع به إلى الهاوية، إلى درجة أن من حماه في مقابل المال بدأ يعترض على فعلته، محاولا ابتزازه لدفع مال أكثر في مقابل سكوته. عند هذا المفترق، يعمد إلى تلفيق رواياتٍ مهلهلةٍ لا تصمد أمام المنطق، شجار، اشتباك بالأيدي، كتم النفس، خنق، تعامل مع الضحية بطرقٍ غير مصرّح بها، عدم وجود توجيه رسمي بالقتل، عدم معرفة "الأمير" بما جرى، هنا إذن لا بد من "كبش فداء" قد يكون بعض الذين نفذوا حكمه بالضحية بدم بارد، وهؤلاء سيحملون خطيئتهم معهم، لأنهم لم يجدوا الجرأة في نفوسهم، ليصرخوا في وجه سيدهم.
بقي أن نقول إن الفصل الأخير من هذه الحكاية لم يكتب بعد، واللعبة لم تصل إلى نهايتها، فثمّة أحوال سوف تتغير، ومآلات سوف ترسم على نحوٍ مختلف، وقد ننتظر أسابيع أو شهورا قبل أن نشهد النهاية. وربما تكون أكثر تراجيديةً من واقعة القتل نفسها، وقد تستدعي مقادير أكبر من الأسى على وقع حقبةٍ سعوديةٍ غارقة في الدم.