أصوات إسلاموفوبيّة لمحاربة قطر في فرنسا

04 يوليو 2017

مزري حداد.. بوق للإسلاموفوبيا والعنصرية

+ الخط -
عقدت في باريس، يوم 26 يونيو/ حزيران الماضي ندوة "استثمارات قطر المجهولة في فرنسا"، نظمها رئيس المركز الدولي للدراسات الجيوسياسية والاستشراقية، مزري حداد. يبدو عنوان الندوة جاذباً للوهلة الأولى، وربما يدفع الفضول كثيرين إلى حضور هذه الندوة، لمعرفة استثمارات الدولة المستهدفة بحملةٍ إعلامية في فرنسا، منذ الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة في صيف 2014. لأن المنظم، وهو سفير تونس السابق لدى يونسكو، قد كتب في صفحته على "فيسبوك" إن نخبة من أهم المتخصصين بالشأن سيقدّمون مداخلاتٍ حول الموضوع. ونشر إعلانا قصيرا في صفحته بالفرنسية عن الندوة، كتب فيه: هذه الندوة هي "هدية المركز لقطر بمناسبة العيد.. ندوة مهمة عن قطر، بمشاركة أهم المتخصصين". وأرفق إعلانه هذا بصورة لقطر تمثل الجمال مع آبار الغاز.
تطرح الندوة، كما يدعي المنظم، "إشكالية" استثمارات قطر في فرنسا وأوروبا "وما يتم ترويجه، عبر قناة الجزيرة، من تضخيم لوزنها الاقتصادي" الذي يهدف إلى التأثير في سياسة الدول الأوروبية، ودعم الإسلام السياسي، وإحداث حالة عدم استقرار في المنطقة". ما هو صحيح أن لقطر استثمارات مختلفة في العالم، ومنها فرنسا التي لها مكانة خاصة مختلفة عن باقي الدول الأوروبية في العالم العربي، ولها علاقات متميزة مع حكومات الدول العربية منذ سنوات، وخصوصا مع دول الخليج، ولم نسمع في السابق أي رئيس فرنسي أو وزير أو مسؤول كبير انتقد استثمارات أي دولة في بلده، بل العكس هو الصحيح، بدليل أن الرئيس الجديد، إيمانويل ماكرون، دعا الشركات الأميركية إلى الاستثمار في فرنسا بشكل واسع، وتقديم تسهيلاتٍ كبيرة لها. وحتى عندما طلب منه في مقابلة لراديو جي للجالية اليهودية، صاحبة الحملة على قطر منذ سنوات، فإن الرئيس ماكرون قال إنه سيعيد النظر ليس في استثمارات قطر في فرنسا، بل في الامتيازات الضرائبية التي تتمتع بها. وهذا عكس ما تطرحه الندوة ومنظمها الذي يذهب بعيدا في الحرب على قطر، وعلى استثماراتها، في مقالٍ بعنوان "يجب تدمير قطر".
ماذا قال "أبرز المتخصصين" في الندوة؟ ومن هم؟ هل هم متخصصون فعلا أم أن المنظم
يغتنم فرصة الأزمة الخليجية، ليكون بوقاً للإسلاموفوبيا والعنصرية التي يفتخر بها في هذه الندوة مع أصواتٍ تشاركه معاداة كل ما هو عربي وإسلامي.
أول المتكلمين هو أنطوان صفير، الصحافي اللبناني، والمدعوم حسب "ويكيليكس" من الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، لكتابه "تونس.. أرض التناقضات". قدّم مداخلة بعنوان "نحو انفراط مجلس التعاون الخليجي"، شرح فيها أن الأزمة بين قطر وباقي دول مجلس التعاون من شأنها أن تفجر المجلس، وأن موقف قطر هو المشكلة الكبيرة، وأنها أخذت دورا أكبر من حجمها. ويعتبر الإعلام الفرنسي أنطوان صفير أحد أفضل المختصين بالمنطقة العربية "والشرق المعقد"، وله من الكتب "أموال العرب" و"إسلام ضد إسلام"، ويمرّر أفكاره المعادية للإسلام والعرب، والمنسجمة مع الأطروحات الاستعمارية "بخطاب موضوعي" و "علماني تنويري"، لا يخفى على متابعيه في الإعلام الفرنسي، خصوصاً في الأزمات التي تعصف بالمنطقة، حيث يخرج لينصح المسؤولين الحكوميين بوسائل معالجة الإسلام السياسي، أو أخطاء الولايات المتحدة في العراق.
مشارك آخر في الندوة هو نوفل إبراهيم الملي، تحدّث عن "سقوط رائدة سفينة الربيع العربي"، وهو أستاذ في مدرسة العلوم السياسية في باريس، ومؤلف كتاب "الربيع العربي.. تضليل". وقد تكلم كما عنوان كتابه، فالربيع العربي، بالنسبة لهذا المختص، مجرد تضليل قامت به قطر التي لا يمكن تسميتها دولةً، حسب رأيه، ولا حكومة. واعتبر ما حدث في تونس تضليلا قامت به قناة الجزيرة، غير الموضوعية، والأداة التي أرادت أن تفعل الشيء نفسه مع الجزائر لتدميرها. وقد أنحى على القناة بالنقد اللاذع، لإعطائها أهمية للشهيد محمد البوعزيزي، وتضليل العالم بما سمّوه الربيع العربي، حسب قوله.
وعلى الرغم من منصب الأستاذ الأكاديمي في أهم مدارس العلوم السياسية الفرنسية، إلا أنه قدّم مداخلةً مملةً، يطغى عليها كلام التندر السطحي الذي يقال في المقاهي على الكلام العلمي الأكاديمي المفترض سماعه من أستاذ علوم سياسية، عن موضوع استثمارات قطر الذي اختفى في الندوة ليحل محله كلام من هذا النوع. كما أن التندر والكلام غير المفيد بدرا أيضا من مسؤول مهم جداً، كانت له مسؤوليات خطرة في الدولة الفرنسية، وربما صدم المستمعين بكلامه عن قطر والهجوم الحاد على قناة الجزيرة، وصحافييها، حتى أنه استشهد برأي صحافية فرنسية كانت في الندوة، لتأكيد كلامه للجمهور ولغير المقتنعين. بالنسبة لهذا المسؤول، قطر لا غيرها سبب كارثة ليبيا والفوضى التي تعيشها، وقد أبدى تعجبه مما سماه دور قطر في الحرب على ليبيا، لكنه أحس بمشكلة ما يقوله، فاستدرك، في نهاية حديثه، على الرغم من فوات الأوان، ليقول إنه ربما قال أشياء لا أهمية لها، ليتكلم عن علاقات قطر وإيران، واشتراكهما بحقول غاز ضخمة، تزعج باقي دول الخليج اليوم.
تولى سفير نظام بن علي في يونسكو افتتاح الندوة، وتوالى على تقديم المشاركين ومواضيع
مداخلاتهم بطريقةٍ لا علاقه لها بالمهنية والأكاديمية التي يفترض أن مراكز الأبحاث والدراسات والعلاقات الدولية تتصف بها، فقد اعتمد خطابا محرّضا وهجائيا ضد قطر، وعنصريا ضد العرب والإسلام، حتى أنه استعمل تعابير المحافظين الجدد ونخبهم في باريس، مثل الفاشية الإسلامية، وتحقير العرب وازدرائهم. ولا عجب في كلام المنظم العنصرية وتصرفاته فهو من أعضاء اليمين الفرنسي المتطرف، والمقرب من زعيمة الجبهة الوطنية، مارين لوبان، ومن مرشّحيها في الانتخابات التشريعية، ومن المناصرين لحلقة المحافظين الجدد الفرنسيين، فقد نظم مركزه ندوة عن مستقبل الإسلام في فرنسا، أعطى فيه الكلام لباسكال بروكينر، أحد أشرس المتهجمين الصهاينة على العرب والمسلمين في فرنسا، ومن مؤيدي غزو العراق. وأعطى دور المحاور للشخصيات المدعوّة للندوة لصحافي فرنسي، عرف بموقفه ضد سياسة الاعتذار عن الماضي الاستعماري في الجزائر التي يقول إن الرئيس جاك شيراك شجعها. وكان قد أعلن في عام 2012 أنه ضد هذه السياسة. وكان هذا الصحافي يستمع لما يُكال لقطر والإسلام من المتكلمين في الندوة، وخصوصا سفير بن علي، وابتسامة صفراء ترتسم على وجهه، فهذا ما يطلبه العنصريون والإسلاموفوبيون في فرنسا.
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
ولاء سعيد السامرائي

كاتبة وصحفية عراقية مقيمة في باريس

ولاء سعيد السامرائي