لو يدرك اليمنيون الجنوبيون مطامع الإمارات

27 يوليو 2017
+ الخط -
تعد القضية الجنوبية نتاج مرحلة سياسية معقدة، مرّ بها اليمن ككل، لا الجنوب فحسب، إذ تداخلت جملة من الأسباب في بلورتها. في مقدمة تلك الأسباب، انعدام المواطنة المتساوية في البلاد، إذ ساهم نظام الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، في نشوء طبقات داخل المجتمع اليمني، اجتماعية وأخرى طائفية، قسّمت المجتمع اليمني، وقوّضت مفهومي المساواة والتعايش، نتج عنها حالة من عدم الرضا عن هذا التقسيم الذي لم تتصدّ له الدولة، ولم تشأ إدراك عواقبه، أما بقية الأسباب، فيتمثل بعضها في إهدار حقوق المواطن الجنوبي، ونهب الأراضي وتسريح آلاف الكوادر المدنية والعسكرية الجنوبية عن أعمالهم عقب حرب صيف 1994 التي عزّزت الشرخ، وعمقت منسوب الضغائن بين شطري الوحدة اليمنية.
نعترف، نحن الشماليين، بحجم مظلومية الأشقاء في جنوب وطننا الحبيب، ودعونا مرارا وتكرارا إلى إعادة الإعتبار لإخوتنا الجنوبيين، ورد ممتلكاتهم العامة والخاصة من منهوبات صيف 94 الأليم، كونها حقوق استولى عليها هوامير الجيش والقبيلة من دون وجه حق، تحت غطاء النظام الجمهوري الوليد وقتذاك، لكننا نختلف مع الأصوات الجنوبية التي تحمّل الوحدة، تبعات الظلم والسطو الذي حل بحقوقهم وممتلكاتهم.
حملت الوحدة مشروعا حضارياً وتاريخياً، تجسّد في لم شمل اليمن تحت كيان واحد، وهوية موحدة، وكذلك استفاد الجنوب من ثمرة الوحدة، إذ شهدت المناطق الجنوبية حالة من الانتعاش السياسي والاقتصادي والعمراني، وتهيأت للإنسان الجنوبي سبل الرخاء والعيش في ظل حالة الأمن والاستقرار التي وفرتها دولة الوحدة، بعد أن ظلّ الجنوب يعاني من الصراعات الدامية بين مكوناته، في ظل سيطرة التوجهات الشيوعية قبل الوحدة، وكذلك الحال بالنسبة للشماليين الذين أمنوا على أنفسهم وأموالهم، وعاد كثيرون منهم من المهجر ليستقروا في وطنهم في ظل الوحدة والجمهورية بعد حالةٍ من الانفلات الأمني والسياسي الذي أعقب سقوط الإمامة.
اليوم، وفي ظل الحرب المشتعلة بين قوى الشرعية والانقلاب من جهة، وتدخل التحالف العربي من جهة أخرى، ومع حالة اللااستقرار والفراغ السياسي في العاصمة المؤقتة عدن، وجد دعاة الانفصال المجال أمامهم سانحا، لخلط الأوراق، وشرعوا في تدشين مشروع التشطير، بدءاً باختلاقهم صراعات مباشرة وغير مباشرة مع قوى سياسية وإسلامية، كما حدث ضد قيادات الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح)، مرورا بترحيل الباعة والعمال الشماليين من المدينة، تلك التحركات الحراكية، تزامنت مع تحرك إماراتي سريع لإدارة المشهد العام في مدينة عدن.
ذاك التحرّك الإماراتي، كشف النقاب عن علاقة حميمية بين المكونات الجنوبية المنادية بالانفصال، ودولة الإمارات المصنفة الرقم الثاني في التحالف العربي، وهو التحالف الذي أكد مراراً وتكراراً على التزامه، وتأييده وحدة اليمن واستقراره، الأمر الذي كشف بجلاء أنّ الإمارات خالفت مواثيق التحالف، وقدمت نفسها راعية لمشروع الانفصال الذي يعيش طور إرهاصاته الأولى.
من يقرأ التاريخ سيدرك أن الإمارات مهتمة بعدن وميناءها فقط منذ عقود، ولعل من تابع بدايات تدخل قوات التحالف في اليمن، سيجد أنّ الإمارات كانت السباقة في إرسال قوات عسكرية إلى عدن دون غيرها من مدن اليمن، وقادت هجوما بريا وآخر بحريا، تمكنت على إثره من دخول عدن في 2015 بذريعة دحر الانقلابيين، وشرعت في إدارة المشهد هناك عبر أذرعها وبإشراف مباشر منها.
نتمنّى أن يدرك الإخوة في الجنوب حجم مطامع الإمارات، وألا ينخدعوا بمواقفها المؤيدة لفكفكة اليمن وتفتيته، وليكونوا على يقين بأن إخوتهم في الشمال يعرفون حجم مظلوميتهم التي تسبب فيها النظام والقوى الرجعية في الشمال والتكتلات الشيوعية في الجنوب بنسب متفاوتة.
نتمنّى أن يدركوا أن الانتصار لمظلوميتهم لا يتأتى بتبني شعار الانفصال، ولا بمعاداة الشارع الشمالي، ولا بالارتماء في أحضان أبو ظبي، بل بالحوار اليمني اليمني، ودعم دولة الوحدة في تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار، ودعمها في تنفيذ مشروع دولة متعددة الإقاليم. أما غير هذا، فلن تكون هناك حلول جذرية تنهي التشرذم، بل سيتم تدويل القضية، ويظل الجنوب بؤرة ملتهبة، تتصارع كياناته، فيما بينها، حتى وإن تحقق الانفصال.
7FF1708D-D31B-4B91-BD04-B489B196FEBD
7FF1708D-D31B-4B91-BD04-B489B196FEBD
عبد العزيز البدوي (اليمن)
عبد العزيز البدوي (اليمن)