موسم هجرة الأكاديمي اليمني

17 سبتمبر 2017
+ الخط -
حسرة شديدة لازمتني عندما قرأت خبر تعيين الدكتور اليمني، بشار مطهر، رئيسا لقسم الإذاعة والتلفزيون في جامعة اليرموك الأردنية. وهو كان من أفضل الأكاديميين الذين درست على أيديهم في كلية الإعلام في جامعة صنعاء، واضطرته ظروف البلاد لمغادرتها بحثا عن ذاته وفي قمة عطائه.
هاجر مئات الأكاديميين اليمنيين خارج الوطن، جرّاء تردّي الأوضاع الأمنية في البلاد، خصوصا بعد انهيار مؤسسات الدولة وسقوطها بأيدي جماعات مليشاوية مسلحة، وكانت دول الخليج والأردن قبلتهم الأولى، بحكم الجوار والروابط الأخوية والقومية المشتركة.
فتحت تلك الدول ذراعيها لأولئك الأكاديميين، وأكرمت نزلهم، وسارعت للاستفادة من إمكاناتهم وخبراتهم لتطوير مجتمعاتها، ولا عزاء للوطن الذي دمره متطرفوه السياسيون والدينيون.
من الطبيعي أن يهاجر الأكاديمي والكاتب والمثقف خارج وطنه، طالما أنّ المجتمع يجهل قيمته، ويصادر مستحقاته المادية، ويحرمه من أبسط مقومات الحياة الكريمة، كما حدث مع أساتذة الجامعات اليمنية، والذين خاضوا مغامرات جسيمة لعبور حدود بلادهم باتجاه الخارج، بعد أن صودرت حقوقهم، وقمعت أصواتهم قرابة ثلاثة أعوام.
الجامعات اليمنية اليوم خاوية، والتعليم فيها بات هشا، نتيجة الحرب والقمع والتجهيل الذي تمارسه الفصائل المتحاربة على الساحة اليمنية، ولا يوجد من يسد الفراغ الكبير الذي تركه أساتذة الجامعات، عدا متطوعين ومعيدين لا يفون بالغرض، مقارنة بتمرّس وخبرات الأساتذة.
لا نلوم، نحن اليمنيون، الأكاديميين الذين غادروا والبلاد بأمس الحاجة إليهم، بل نلقي اللوم كله على القوى المتصارعة في البلاد، كون تلك القوى هي من نهبت حقوق موظفي الدولة، بمن فيهم الأكاديميين طوال سنواتٍ من عمر الحرب، وهي من دمرت مؤسسات الدولة وقزمت النظام الجمهوري، وأخلت بالأمن في عموم الوطن. وبالتالي، كان لزاما على أي مواطن يؤمن بالقانون والحرية والحياة الكريمة.. كان عليه أن يهاجر ليؤمن لنفسه وأهله حياة كريمة في منأى عن الدمار الحاصل في بلده الأم.
على الرغم من حسرتنا لرؤية كفاءاتنا تستغل خارج بلدنا، إلا أننا نقدر حجم المعاناة التي عايشها أكاديميونا في وطنهم في ظل احتجاز رواتبهم. رأينا أساتذة باعوا مكتباتهم النفيسة من أجل توفير الغذاء الأساسي لذويهم، ورأينا أساتذة ماتوا في منازلهم، بعد أن عجزوا عن توفير قيمة الدواء لأنفسهم، وسمعنا عن آخرين تنتهك حقوقهم داخل المعتقلات التعسفية، بسبب مواقفهم وميولهم السياسية.
وعلى ذلك، التمسنا العذر لكل كوادرنا المهاجرة في شتى بقاع الأرض، بحثا عن الحياة والأمن، فليس بأيدينا إنصافهم من اللصوص والقتلة. ولكننا نشاطرهم الشعور بالأسى مما يجري في الوطن، ونشاركهم مشاعر الحب والاعتزاز بالانتماء لهذه الأرض التي تجنّى عليها الغلاة.
تؤكد المؤشرات اليوم أنّ هجرة الأكاديميين اليمنيين إلى الخارج ستستمر بوتيرة أسرع، مع استمرار الحرب، وتأزم الأوضاع بين المتصارعين اليمنيين، وهو ما يعني أنّ ينبوع التقدم والمعاصرة اليمني يوشك أن يجف.
إجمالا، تكسر سلم التعليم في اليمن، وباتت الأمية تتهدّد اليمنيين أجمعين، من شواطئ ميدي حتى سواحل المكلا، في مؤشر واضح لكارثة وشيكة تلف اليمن على مختلف المستويات، وما من وسيلة للإنقاذ سوى أن تتوقف رحى الحرب، ويعود أرباب الحرب نحو مائدة الحوار المنفتح لتستقيم الأوضاع، وتدب عجلة الحياة في كل قطاعات الدولة مجدّدا.
7FF1708D-D31B-4B91-BD04-B489B196FEBD
7FF1708D-D31B-4B91-BD04-B489B196FEBD
عبد العزيز البدوي (اليمن)
عبد العزيز البدوي (اليمن)