إسرائيل تتصبب عرقاً من الغزل العربي
غزة دائماً حاضرة، كل من يقترب منها، ويده ممدودةٌ بشربة ماء، أو كيلو كهرباء، أو حتى بابتسامة ودٍّ أو مصافحةٍ صادقة، تحمل شحنة تعاطف أو تضامن، ينزل به العقاب، ويجد نفسه "إرهابياً" خطيراً على السلام العالمي.
قال رئيس مصر، الدكتور محمد مرسي، قبل أن ينتهي العام 2012، إن غزة لم تعد وحدها، وطالب إسرائيل بوقف عدوانها على الفلسطينيين، فوراً، من دون إبطاء، وأرسل رئيس حكومته الدكتور هشام قنديل إلى القطاع، تحت القصف، وانعقدت في مقر الرئاسة في القاهرة مجموعة عمل للتصدّي للعدوان الصهيوني، ضمت رئيس مصر وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة، في ذلك الوقت، و رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل.
كان الجميع يتحدث لغة واحدة، ضد العدوان، تنطلق من أن ما كان سائداً، في زمن ما قبل الربيع العربي، لم يعد قائما الآن، بذهاب كنز الإسرائيليين الاستراتيجي، فتوقف العدوان، وتدفقت وفود التضامن الشعبي مع شعبنا الفلسطيني المحاصر في غزة، وبات الطريق من القاهرة إلى غزة، أسهل وأقرب.
أظن أن ذلك كان سبباً جوهرياً في التعجيل بالعدوان الثلاثي "الإسرائيلي- الأميركي- الإماراتي" (بمباركة سعودية) على ما جاء به ربيع العرب وثوراتهم، فبدأت عملية التحضير للانقضاض والانتقام، لاستعادة ما كان من دفء في فراشٍ متسخٍ مع إسرائيل.. وأظن أن المشهد يُعاد بتفاصيله الآن، مع استهداف قطر.
دقّق جيداً في الصورة: الفريق الذي احتشد بكامل قواه المالية والسياسية والاستخبارية، لمعاقبة محمد مرسي على موقفه من غزة، هو ذاته الفريق الذي يحتشد الآن بكل ألأسلحة المجرمة دولياً، وكل الأدوات والوسائل المدانة أخلاقياً، ضد قطر وأميرها.
ومن دون مواربة، وبعد أن انفضحت جريمة القرصنة على وكالة الأنباء القطرية، لا يخجلون من القول إن دافعهم لمحاصرة القطريين، كما حوصر الفلسطينيون، هو انحياز قطر للمقاومة الفلسطينية (حماس) التي تتصدّى لعربدات جيش الاحتلال الصهيوني في غزة، وترفض فتح الطريق لمدرعات صفقة القرن، كي تمر فوق عظام العباد وخرائط البلاد، وقيم العروبة والدين وأخلاق القبيلة، لتفتح في الجسد العربي جرحاً غائراً جديداً.
أتصوّر أن إسرائيل، بكل إجرامها وبشاعتها، تقف خجلى، محرجة، في هذه اللحظة، من وصول منحنى النضال والاستبسال والإصرار الرسمي العربي، من أجل تحقيق مصالحها في المنطقة، حدوداً تتجاوز سقف أحلامها، وتجعلها تتصبب عرقاً من كل هذه الإفراط في الغزل المتدفق من كل هؤلاء الحواتم في توقيتٍ واحد، حتى أنها باتت تشعر بالخوف على مستقبلها، في ظل هذا السباق العربي المحموم على رعايتها وتدليلها، سواء من النخب الحاكمة، أم تلك النخب الثورية، المتقاعدة، بعد إسهاماتها "الجليلة" في صناعة الخراب، لتتفرّغ لالتقاط الصور وتبادل الابتسامات والمصافحات الحارة، مع قتلةٍ وسفاحين، بحجم إيهود باراك، في ريشموند وأخواتها.
من المهم، أيضاً، التدقيق في توقيت الحرب على المعسكر الذي تهوّر يوماً، واحتشد دفاعاً عن غزة، إذ انطلقت الحملة بالتزامن مع تصويت عربي، لصالح قرار انتخاب مجرم حرب صهيوني، هو داني دانون، نائباً لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، المنصب الفخري الأعلى، بعد منصب رئيس الجمعية العمومية.
دانون الذي كان نائباً لوزير الحرب الصهيوني، وشارك في كل الجرائم ضد الشعب العربي في فلسطين، حتى عدوان غزة الأخير، شارك أيضاً، أخيرا، في مؤتمر استضافته الإمارات المتحدة، باعتباره رئيساً للجنة القانونية المعنية بمكافحة الإرهاب، في الأمم المتحدة.
من المهم أن تتذكّر أن دانون، مجرم الحرب الإسرائيلي، وصل إلى منصبه الأول في الأمم المتحدة، في يونيو/ حزيران من العام الماضي، بأصوات الإمارات، ومصر، والأردن، والمغرب، ثم أصبح بعد عام، وبالدعم العربي ذاته، نائباً لرئيس الجمعية العامة، لتنطلق بعدها معركة معاقبة قطر، والتهمة: دعم غزة وحماس والربيع العربي المزعج لدانون وكيانه الصهيوني المحتل.