بسالة حزب ونذالة نظام
افرد خريطة المواقف العربية أمامك بعد 13 شهراً من العدوان الإسرائيلي الذي بدأ بقطاع غزّة ثم تطوّر ليشمل لبنان، كامل مساحة لبنان، آخذًا في طريقه مدن الضفة الغربية والعمق السوري، ماذا تجد أمامك؟
تجد، بالعين المجرّدة، وبالبداهة البسيطة، ومن دون مساعدة، أنّ فصيلاً سياسيًاً لبنانيًاً قرّر أن يكسر حاجز الصمت والتواطؤ العربيين على الجريمة بحقِّ شعب شقيق، ويخوض المعركة، بوصفها معركة الأمّة كلّها، أي معركته، وينخرط في القتال ضدّ الاحتلال الذي يتهدّد الجميع، هكذا اختار حزب الله أن يكون عربيًّا وشهمًا وذا مروءة، ومثله، وإن كان عن بعد، فعل الحوثيون في اليمن والفصائل المقاومة العراقية، في وقتٍ اتخذت فيه الأنظمة العربية النذالة والجبن خيارًا استراتيجيًّا، وهو الموقف الذي أفاد الاحتلال أكثر ممّا قدمته له مخازن السلاح الأميركي التي بقيت مفتوحة طوال الوقت تزوّد العدو بما يريد من أدوات القتل والتدمير.
حزب الله الآن في مرمى النيران الإسرائيلية والأميركية والألمانية، معاً، كما في مرمى راجمات النذالة العربية، يقدّم رجاله الأوفياء لفلسطين شهيدًا وراء شهيد، من أعلى هرم القيادة، أمينه العام وزعيمه التاريخي الشهيد حسن نصر الله، ثم خليفته الشهيد هاشم صفي الدين، وعديد من القيادات العليا، والآن يتوعّد قادة العدو باغتيال زعيمه الجديد نعيم قاسم، من دون أن تجرؤ دولة عربية واحدة على نعي القيادات أو تقديم واجب العزاء للشعب اللبناني فيها، ليس لأسباب طائفية، وإنّما لأسباب تتعلّق بمواقفها المعادية لمشروع المقاومة كلّه، وليس غريبًا والحال كذلك، أنّها اختارت التخلّف عن إدانة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس وقائدها الشهيد يحيى السنوار، ومن قبله اتخذت الموقف ذاته عند استشهاد سلفه إسماعيل هنيّة.
وكما يُعاقَب حزب الله على شهامته، يُعاقب لبنان كلّه على وجودِ حزبٍ مقاوم ضمن تركيبته السياسية والاجتماعية، حزب لا يزال يتمسّك بالموقف السليم من قضية فلسطين، ويتحرّك لإغاثة شعب شقيق يتعرّض لإبادةٍ جماعية، ويفترسه إجرام الأعداء وحصار الأشقاء، وتُنتهك أرضه وتُعاد رسم خرائطه على هوى المحتل.
قارن بين موقف حزب الله من العدوان على فلسطين، ثمّ العدوان على لبنان، وبين موقف نظام بشار الأسد من القضية نفسها، حزب الله لم يخضع لسفالة العدو المحتل وقرّر أن يتصدّى لجرائمه، من دون تردّد، فدافع عن كرامة عربية مُهدرة، بينما احتفظ النظام السوري بوضعية "ضيف شرف المنطقة" الساكت العاجز أبدًا، فيجري انتهاك سيادة لبنان ولا يحرّك ساكناً، على الرغم ممّا قدّمه له حزب الله من خدماتٍ حين تورّط في الحرب على الثورة السورية، الأمر الذي أفقد الحزب حصّة هائلة من شعبيّته ورصيده الأخلاقي بوصفه عنوانًا لمقاومة عربية باسلة ضدّ الإجرام الصهيوني، ولا يزال يدفع ثمن هذا الخطأ التاريخي.
الحاصل أنّ الاحتلال يعتدي على بيروت وعلى لبنان كلّه ويشن حربًا وجودية على حزب الله، بينما يغطّ النظام السوري في نذالته العميقة، تجاه فلسطين ولبنان معًا، بل إن العدوان يطاول العمق السوري، حتى العاصمة دمشق، يقصف ويدمر ويغتال، من دون أن تصدر ردّة فعل واحدة من الجانب السوري، سوى الإعلان باستفاضة عن الأماكن والمنشآت المُستهدفة بالقصف الإسرائيلي، وعدد الضحايا وأسمائهم، حتى باتت إسرائيل تتحرّك جوًّا وبرًّا في الجغرافيا السورية من دون تكلفة تُذكر، بالمقارنة بما تتكبّده من أثمان حين تعتدي على غزّة وجنوب لبنان.
والحال كذلك ماذا بقي من سورية سوى بشار الأسد، ونظامه المحسوب على محور الممانعة والمقاومة بالخطأ، بينما هو أكثر خنوعًا وموالاة لرغباتِ العدو من أولئك الذين تجمعهم بالعدو مصالح التطبيع وتجارة الغاز الطبيعي والخضر والفاكهة، ويتربحون من أعمال الوساطة معه، تلك الوساطة التي باتت تقتل بالقدر ذاته الذي تقتل به الأسلحة الأميركية، بالنظر إلى مُعطيات واقعٍ يقول إنّه كلّما نشطت رياح الوساطة وعروض الصفقة، اشتدّت مذابح الإبادة الجماعية، وارتفع عدد الشهداء، بالأمس فقط نحو 120 شهيدًا في بيت لاهيا شمال غزّة، بينما قيادات الموساد الإسرائيلي يتناولون فطوراً فاخراً في عواصم الوساطة العربية.
السؤال مرّة أخرى، ما الذي يمنع دمشق عاصمة الجيش العربي السوري العرمرم من الرد على قصف الكيان الصهيوني لها بقصف تل أبيب؟ ما الذي يحول بينها وبين ردّ الاستباحة بالاستباحة وردّ الإهانة بالإهانة؟
إنّها نذالة نظام معركته الاستراتيجية الوحيدة هي البقاء في السلطة، ولو كان الثمن أن يصفعه العدو كلّ ليلة.