الزمن والذات والتغيير

27 مايو 2017
+ الخط -
سألتني صديقة قبل أيام: هل تخافين من الزمن ومن مروره ومن آثاره عليك؟ كنت سأجيبها من دون تفكير: لا، أنا لا أخاف من الزمن، ولا يرعبني مروره. ... كان هذا الجواب ليصير جواب كل الذين يعتقدون أنهم حقّقوا لحياتهم ما تستحق، وكل من يتوهمون أن حياتهم كانت ممتلئةً بما يفيض عن مفهوم الزمن، غير أنني فكّرت بالسؤال وبحقيقة ما أشعر: هل فعلا أخاف من الزمن، وأرتعب من تفاصيله على وجهي وجسدي؟ ألجأ إلى الحبوب المنومة، كلما شعرت أن طاقتي للحياة بدأت تقلّ، كي أقضي على الأرق الذي يصيبني من شدة التفكير بالزمن، هل يعني هذا أنني أخاف من الشيخوخة، ومن نتاجاتها النفسية والجسدية علي؟
مؤكّد أنني أخاف من أن يمضي العمر من دون أن أنجز ما عليّ إنجازه، إذ ثمّة كثير مما أريد كتابته لم أكتبه بعد، وثمّة أماكن كثيرة لم أزرها وأشخاصٌ لم أقابلهم بعد، وثمّة بلد أحلم بالعودة إليه كل يوم، أخاف أن يمر الزمن من دون أن أعود. قلت لصديقتي ذلك، قبل أن تسألني مجدّدا: ألا تظنين أننا نحتاج للتصالح مع أشكالنا وتجاعيدنا وترهل أجسادنا مع تقدّم العمر، وأن نتقبل فكرة أنه قد لا يتاح لنا الوقت لفعل ما نريد؟ كان سؤالها الثاني أيضا ليستدعي إجابة سريعة: نعم، علينا قبول ذلك كله، مثل تقبلنا فكرة أن حياتنا ستنتهي ذات يوم، غير أن موضوعة التصالح مع كل شيء، بالنسبة لي، تحمل التباساً كثيراً. لماذا علينا التصالح والقبول بالقدرية التي تضعنا في هذا المكان وهذه الظروف وهذه الأشكال؟!
قلت لصديقتي: أنا أؤمن أن الزمن بي، بذاتي، لا يمكن أن يكون محايدا بما يخصّني، لأنه يمر عبري أصلا، هو زمني الشخصي، أنا من أعطيه صفاته التي تتجلى أشكالها عليّ، ومني يستمد طاقته وقوته، كلما ضعفت ازداد قوة، وكلما تقدّمت تراجع. وسينتهي معي، حين أنتهي لن يعود ثمّة مبرّر لبقائه، سينتهي هو أيضا معي. حيز وجوده المادي، بوصفه زمني، قد انتهى تماما. الحياة تنتهي حين نكفّ عن إدراكها، ونحن نكفّ عن إدراكها بالموت. الزمن أيضا مثلها، ما يبقى هو حيوات الآخرين وأزمانهم، وأنا، كذات منتهية، أصبح غير معنيةٍ باستمرار أزمان الآخرين، ما دمت قد فقدت الإدراك بكل شيء. التصالح مع الزمن فكرة مضادة لكل ما أؤمن فيه، تعني ببساطة أن أستسلم له، وأترك له أن يفعل بي ما يريد. العجز والشيخوخة، بالنسبة لي، فكرة مؤلفة من شقين يفترض أنهما متعادلان، مادي ونفسي، ستظهر حتما ملامح الشيخوخة على الوجه والجسد. لكن، ثمّة روح وذات داخل هذا الجسد متمسّكة بالحياة، هذا التشبث هو ما يضعف الشق المادي من الشيخوخة، كلما أحببنا الحياة أكثر، وأحببنا ذواتنا كلما وضعنا عقباتٍ أمام تقدّم الشيخوخة لتغزو أجسادنا.
التشبث بالحياة هو فعل مقاومة ضد محاولات الزمن للانتصار على ذواتنا، هو فعل مقاومةٍ ضد فكرة الاستسلام للقدرية. التشبث بالحياة يعني رفض القبول بما (قسمته) الحياة لنا، والسعي إلى تغييره. يشمل هذا السعي للتغيير الشخصي الذاتي والعام، فالذات بزمنها، في لحظة ما، هي مرتبطة بذوات الآخرين وأزمانهم. لحظة الإدراك الحقيقي لهذا الارتباط هي لحظة التغيير الحاسمة، هي اللحظة التي يتجلى فيها مفهوم الحرية بمعناه المجرّد في ذواتنا. ولكن، هل سيتحقق الجمعي من التغيير؟ في يقيني، أنه سيأخذ وقتا طويلا، حيث إن الراضخين للزمن أكثر بما لا يقاس من المقاومين له. بمعنى آخر، من يشعرون بأنهم أحرار جدا إلى حد أن الزمن لا يستطيع أسرهم قلائل، والقلة تنجز تغييرها الشخصي فقط، والتغيير العام يحتاج كثرة.
هنا أوقفت صديقتي استرسالي (الفلسفي)، وقالت: أتحدث عن تجاعيد الوجه واليدين وترهلات الجلد والجسد، ولا أتحدث عن الزمن، ببعده الفلسفي والشعري. أتحدث عن الواقع، هنا أخرجت مرآتي الصغيرة من الحقيبة، وتأملت وجهي فيها، والتفتّ إلى صديقتي قائلة: ماذا ستتابعين من المسلسلات في رمضان؟
دلالات
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.