14 نوفمبر 2024
يتامى حول الكعكة التركية
"الكعكة بيد اليتيم عجبة".. يقول المثل الشعبي المصري، ونقول إن الديمقراطية بيد الشعوب المجاورة لنا، نحن العرب، عجبة أيضا، على الرغم من أنها ليست شعوبا يتيمة، ولكننا نحن اليتامى.
في الاستفتاء الشعبي، أخيرا، في تركيا، على التعديلات الدستورية، انشغلنا جميعا بالحدث، ليس لأهميته الإقليمية وتأثيره المتوقع حتما على أحوال المنطقة ككل وحسب، ولكن لأنه يعبر عن ممارسة مشتهاة، علناً أحيانا، وسراً أو ضمنياً أحيانا أخرى. صحيح أن دولاً عديدة تُجري مثل هذه الاستفتاءات والانتخابات الديمقراطية، ولكن الشعوب العربية، وبالذات المحرومة من أي شكل من الديمقراطية، ترى في الانتخابات التركية نموذجا لما يمكن أن يحدث مثله قليلا أو كثيرا في بلدانها. فتركيا تتقاطع مع البلاد العربية في محطاتٍ كثيرة، أهمها الدين الإسلامي والثقافة المتكئة عليه، بالإضافة إلى الحضارة الشرقية والتاريخ المشترك، فضلا عن الظروف المعيشية والاجتماعية. وبالتالي، إذا تحجّج أحدهم بأن الديمقراطية لا تناسب المسلمين، ولا يمكن أن تكون حلا للمشكلات الراهنة التي تواجههم، لتعارضها مع الشريعة الإسلامية وتعاليمها، وأنها مفصلةٌ خصيصا للشعوب الأوروبية ذات الأغلبية المسيحية، سيجد من يشير إليه بالنموذج التركي، بالإضافة إلى نماذج أخرى بالتأكيد، للدلالة على أن المسلمين يمكنهم أن يبقوا مسلمين حقيقيين، في ظل النظام الديمقراطي، أو أيٍّ من أشكاله، وبما يتناسب مع ظروف كل بلد على حدة، ووفقا لما ترتضيه شعوب هذا البلد أو ذاك. المهم أنه خيار متاح من بين الخيارات الكثيرة التي لا ينبغي أن يكون الدين، أيا كان، عائقا أمام التفكير فيها!
وربما لهذا السبب تحديدا، وجدتْ تلك الممارسة الديمقراطية التركية الجديدة، بغض النظر عن نتائجها وما آلت إليه، ذلك الصدى الواسع بين الشعوب العربية، متابعةً ومراقبةً وتحليلاً وتدليلاً وموافقةً ورفضاً، وأحيانا سخرية. فالمهم أن الجميع، تقريبا، انشغل بها، وهذا جيّد بكل أشكاله، في سبيل تعزيز الثقافة السياسية العامة أولاً، وتشجيع التفكير النقدي في كل مجالات الحياة ثانياً.
لكن ما لفتني في ردود الفعل المختلفة تجاه ظاهرة الانشغال بالحدث، الوصاية التي مارسها بعضنا على بعضنا الآخر في النقاشات العامة، فهناك من يعتبرون أنفسهم من المناصرين للتجربة الديمقراطية، إيمانا بحق الشعوب في اختيار مصيرها بنفسها، تمادوا في السخرية ممن أبدى رأيه السلبي بالاستبيان التركي، كأنه رأى فيه انتقاصا من الديمقراطية، أو مقدمةً للتحول نحو الديكتاتورية، أو إرهاصاً بالتخلي عن العلمانية! ومع أن من حق الجميع التداول بمثل هذه الآراء، إلا أن الساخرين اعتمدوا في سخريتهم من الطرف الآخر على وضعٍ لا حول ولا قوة لهؤلاء فيه، وهو نوعية الأنظمة الحاكمة في بلدانهم! وهكذا، انتشرت تعليقات ساخرة من نوعية "أنت لا تستطيع اختيار زوجتك في بلادك، وتأتي لتنتقد التجربة التركية؟"، أو "أنت غير مسموح لك سوى باختيار نوع قهوتك في ستاربكس، وتتجرأ على إبداء رأيك في الاستبيان؟"، وغيرها من تعليقاتٍ يظن أصحابها أنها مضحكة، وأنها ملجمة لمن سوّلت له نفسه المشاركة في حفلة الكلام الديمقراطي المجاني في وسائل التواصل الاجتماعي على الأقل.
لا أدري لماذا نحمّل المرء مسؤولية النظام السياسي لبلاده؟ ولماذا عليه ألا يقول رأيه في الخارج، مادام غير قادر أحيانا على ذلك في الداخل؟
لو طبقنا ذلك عموما، لكان على الجميع الصمت حيال كل قضايا البلدان الأخرى، كأميركا وأوروبا، التي تتمتع شعوبها بحرياتٍ تفوق ما لدينا في كل بلادنا العربية والشرق أوسطية. وهذا غير منطقي، ولا موضوعي، ولا عادل.
في الاستفتاء الشعبي، أخيرا، في تركيا، على التعديلات الدستورية، انشغلنا جميعا بالحدث، ليس لأهميته الإقليمية وتأثيره المتوقع حتما على أحوال المنطقة ككل وحسب، ولكن لأنه يعبر عن ممارسة مشتهاة، علناً أحيانا، وسراً أو ضمنياً أحيانا أخرى. صحيح أن دولاً عديدة تُجري مثل هذه الاستفتاءات والانتخابات الديمقراطية، ولكن الشعوب العربية، وبالذات المحرومة من أي شكل من الديمقراطية، ترى في الانتخابات التركية نموذجا لما يمكن أن يحدث مثله قليلا أو كثيرا في بلدانها. فتركيا تتقاطع مع البلاد العربية في محطاتٍ كثيرة، أهمها الدين الإسلامي والثقافة المتكئة عليه، بالإضافة إلى الحضارة الشرقية والتاريخ المشترك، فضلا عن الظروف المعيشية والاجتماعية. وبالتالي، إذا تحجّج أحدهم بأن الديمقراطية لا تناسب المسلمين، ولا يمكن أن تكون حلا للمشكلات الراهنة التي تواجههم، لتعارضها مع الشريعة الإسلامية وتعاليمها، وأنها مفصلةٌ خصيصا للشعوب الأوروبية ذات الأغلبية المسيحية، سيجد من يشير إليه بالنموذج التركي، بالإضافة إلى نماذج أخرى بالتأكيد، للدلالة على أن المسلمين يمكنهم أن يبقوا مسلمين حقيقيين، في ظل النظام الديمقراطي، أو أيٍّ من أشكاله، وبما يتناسب مع ظروف كل بلد على حدة، ووفقا لما ترتضيه شعوب هذا البلد أو ذاك. المهم أنه خيار متاح من بين الخيارات الكثيرة التي لا ينبغي أن يكون الدين، أيا كان، عائقا أمام التفكير فيها!
وربما لهذا السبب تحديدا، وجدتْ تلك الممارسة الديمقراطية التركية الجديدة، بغض النظر عن نتائجها وما آلت إليه، ذلك الصدى الواسع بين الشعوب العربية، متابعةً ومراقبةً وتحليلاً وتدليلاً وموافقةً ورفضاً، وأحيانا سخرية. فالمهم أن الجميع، تقريبا، انشغل بها، وهذا جيّد بكل أشكاله، في سبيل تعزيز الثقافة السياسية العامة أولاً، وتشجيع التفكير النقدي في كل مجالات الحياة ثانياً.
لكن ما لفتني في ردود الفعل المختلفة تجاه ظاهرة الانشغال بالحدث، الوصاية التي مارسها بعضنا على بعضنا الآخر في النقاشات العامة، فهناك من يعتبرون أنفسهم من المناصرين للتجربة الديمقراطية، إيمانا بحق الشعوب في اختيار مصيرها بنفسها، تمادوا في السخرية ممن أبدى رأيه السلبي بالاستبيان التركي، كأنه رأى فيه انتقاصا من الديمقراطية، أو مقدمةً للتحول نحو الديكتاتورية، أو إرهاصاً بالتخلي عن العلمانية! ومع أن من حق الجميع التداول بمثل هذه الآراء، إلا أن الساخرين اعتمدوا في سخريتهم من الطرف الآخر على وضعٍ لا حول ولا قوة لهؤلاء فيه، وهو نوعية الأنظمة الحاكمة في بلدانهم! وهكذا، انتشرت تعليقات ساخرة من نوعية "أنت لا تستطيع اختيار زوجتك في بلادك، وتأتي لتنتقد التجربة التركية؟"، أو "أنت غير مسموح لك سوى باختيار نوع قهوتك في ستاربكس، وتتجرأ على إبداء رأيك في الاستبيان؟"، وغيرها من تعليقاتٍ يظن أصحابها أنها مضحكة، وأنها ملجمة لمن سوّلت له نفسه المشاركة في حفلة الكلام الديمقراطي المجاني في وسائل التواصل الاجتماعي على الأقل.
لا أدري لماذا نحمّل المرء مسؤولية النظام السياسي لبلاده؟ ولماذا عليه ألا يقول رأيه في الخارج، مادام غير قادر أحيانا على ذلك في الداخل؟
لو طبقنا ذلك عموما، لكان على الجميع الصمت حيال كل قضايا البلدان الأخرى، كأميركا وأوروبا، التي تتمتع شعوبها بحرياتٍ تفوق ما لدينا في كل بلادنا العربية والشرق أوسطية. وهذا غير منطقي، ولا موضوعي، ولا عادل.