مصر.. "19 مارس" طريقاً إلى "30 يونيو"

19 مارس 2017

مرشد "الإخوان" يشارك في الاستفتاء الدستوري (19/3/201/فرانس برس)

+ الخط -
لست من هواة النبش في الماضي والبكاء على الأطلال، ولست من دعاة البقاء في الماضي، فلكي نتقدّم، لا بد أن نتجاوز الماضي ونتقدم للمستقبل، ونبحث عن حلول جديدة، وألا نستغرق وقتنا في اجترار الذكريات والبكاء على اللبن المسكوب. وعلى الرغم من أن فرص الأمل تتضاءل يوما بعد يوم، إلا أنه أحيانا قد يكون هناك أمل، على الأقل مع الأجيال القادمة، إن استطاعت تجنب أخطاء جيلنا، وكوارث الأجيال التي سبقتنا.

لذلك، لا بد في كل فترة أن نتذكّر بعض ما حدث، ونحاول رصد أخطاء حدثت، فربما نستطيع تجنبها إن كان هناك مرة مقبلة في الوقت القريب، أو تستطيع الأجيال المقبلة تجنبها، إن كان هناك مرة مقبلة في الوقت البعيد. وعلى الرغم من أن لكل فريق وجهة نظر، وأحداثا يركز عليها وأخرى يُسقطها من الذاكرة، إلا أن هناك حدثا مهما لا بد من تذكّره كل فترة، فهو بداية كل ما حدث، وهو نقطة انطلاق الطريق الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه، خصوصا أن ذكراه تحل علينا هذه الأيام، وخصوصا أن الأكبر هو من يتحمل النصيب الأكبر من الأخطاء، إن لم يتحملها كلها، فهو الذي دفع بكل قوته نحوه.
إنه الذكرى العظيمة لما أطلقوا عليه وقتها غزوة الصناديق. هل تذكرون هذه الأيام؟ وشعارات مثل "بالدستور العجلة تدور" و "يا مشير إنت الأمير" و"الجيش هو العمود الأخير للخيمة"، أو أن "6 أبريل" الاشتراكيين الثوريين يسعون إلى تفكيك الجيش. هل تذكرون من زعم أن القوى الثورية تسعى إلى تعطيل عجلة الإنتاج عن طريق المليونيات، ومن الذي بادر إلى إخلاء الميدان والدعوة إلى وقف التظاهر والمليونيات من أجل الاستقرار، إنه استفتاء 19 مارس/ آذار 2011. هل تذكرون الدعوة إلى التصويت بنعم من أجل نصرة الإسلام وهزيمة أعداء الله؟ هل تذكرون الدعوة إلى التصويت بنعم من أجل الاستقرار وتحريك عجلة الإنتاج؟ هل تذكرون الدعوة إلى التصويت بنعم من أجل انتخابات البرلمان أولا الذي سيقوم بحل جميع المشكلات؟ هل تذكرون التصويت بنعم من أجل إعطاء شرعية المجلس العسكري.. ومن أجل إعطاء شرعية أيضا لشركاء هذه المرحلة.. العسكر والإخوان المسلمين؟
لنحكي الحكاية مرة أخرى من بدايتها، فقد كان هناك مجموعات من الشباب يحاولون، بكل
الطرق، منذ سنوات طويلة، أن يحثوا الناس على الثورة والخروج ضد نظام حسني مبارك، على الرغم من القمع والحبس والتعذيب والتشويه الذي تعرّضوا له منذ ظهروا قبل ذلك بسنوات بسيطة. وفي 25 يناير/ كانون الثاني 2010، نظم هؤلاء الشباب مظاهرة محدودة العدد ضد التعذيب والانتهاكات التي تقوم بها الشرطة المصرية. ولكن، في ديسمبر/ كانون الأول 2010، حشدوا بشكل أكثر تنظيما من أجل التظاهر ضد تجاوزات الشرطة المصرية في 25 يناير 2011، ورفضت معظم القوى السياسية التقليدية هذه الدعوة المتهورة إلى التظاهر في 25 يناير، وكانت جماعة الإخوان المسلمين، والتي تعتبر الأكثر عددا وقوة تنظيمية، في مقدمة القوى السياسية الرافضة للتظاهر أو الخروج غير محسوب العواقب. وبعد خروج أعداد غفيرة إلى الميادين في 25 يناير، أعلنت الجماعة المشاركة في يوم الغضب 28 يناير.
وحتى أكون منصفا، أطلقت المجموعات الشبابية الشرارة بجرأة، وشارك "الإخوان" بعد ذلك، وكان لمشاركتهم نصيب كبير في إنجاح الثورة، فلا ثورة بدون شرارة انطلاق، ولا ثورة بدون استمرارية وحفاظ على الوجود في الميدان. ولذلك، فإن من المفترض أن تكون هناك علاقة شراكة، فلو تخيلنا مثلا أن "الإخوان" قبل 25 يناير قد تخلوا عن حساباتهم المعقدة، وكانوا المبادرين (وهذه سابقة) لتمت إبادتهم بمنتهى القسوة، وسط صمت العالم كله. ولذلك كان يفترض أن هناك علاقة شراكة، وأن هناك صفحة جديدة قد فتحت بين كل القوى السياسية وكل شركاء الميدان، سواء من أطلق الشرارة ومن انضم وساعد ومن قام بالتنظيم والدعم اللوجيستي والحفاظ على الاستمرارية. كان يفترض أن يصدق "الإخوان" في وعودهم وحديثهم، قبل الثورة وفي أثنائها، مثل شعارات احترام الدولة المدنية أو شعارات مشاركة لا مغالبة، ولكن ما حدث بعد ذلك، وفي أثناء الـ 18 يوما، يمكن اعتباره المقدمات.
فقد هرول "الإخوان"، بالمشاركة مع الأحزاب التقليدية والكرتونية، في تلبية دعوة الحوار مع عمر سليمان (نائب مبارك) في أثناء الـ18 يوما، ثم تم الجلوس، سرا وعلانية، بشكل منفرد مع المجلس العسكري، وإبرام اتفاقاتٍ لم يعلم عنها أي أحد أي شيء، إلا بعد وقوع الفأس في الرأس، فقد تحالف العسكر مع "الإخوان" والإسلاميين، وقاموا بتنويمهم وإغرائهم بالمكاسب السريعة، فخدع الإخوان القوى الثورية والمجموعات الشبابية التي كان لها دور إطلاق الشرارة وباقي القوى السياسية، واستقوى الإخوان بالتيار الإسلامي السلفي بكل تشكيلاته (سواء الذي كان يروّج أن الخروج على الحاكم حرام، وأن الثورة فتنة، أو الذي كان يستسهل ويستحل العنف والقتل والدم)، وكان ذلك من أجل الضغط على العسكر من جانب، ثم تخويف باقي القوى الثورية وتهميشها.
فكان الاتفاق بين التيار الإسلامي (إخواني وسلفي وجهادي) والمجلس العسكري على اقتسام
السلطة في غزوة الصناديق (19مارس/ آذار 2011)، ثم بدأ مسلسل تمزيق الثورة، إطلاق شعار مشاركة لا مغالبة، ثم الحرص على أغلبية مطلقة في البرلمان، من أجل فرض دستور بعينه، ثم إدخالنا في صراعٍ من دون داعٍ، ومن دون طائل حول الهوية، وهل هي دولة دينية أم مدنية، وهو الصراع الذي استغله العسكر وقوى الثورة المضادة بمنتهى الاحترافية. فأغرى العسكر "الإخوان" بالمكاسب الوقتية والسلطة المنقوصة، ليهرول "الإخوان" مهللين مكبرين، ليقوموا بتخوين شركاء الميدان ومطلقي الشرارة، وإقصائهم وإرهابهم، واستخدموا، بعد ذلك، القواعد الاستحواذية لنظام مبارك نفسها، وهو ما تجلى في انتخابات البرلمان، ثم الرئاسة، واستفتاء الدستور والإعلان الدستوري الذي فاقم الأزمة، ثم سُحل المتظاهرون المعترضون وضربوا وعذبوا أمام قصر الاتحادية، بل واستخدم "الإخوان" لغة التخوين والشائعات نفسها ضد شباب الثورة و(عاصري الليمون الذين أسهموا في نجاح محمد مرسي رئيساً للجمهورية)، فقد استخدم الإخوان قصص (وخرافات) التمويل الخارجي والمؤامرات الغربية التي كان يروجها نظام مبارك، ثم المجلس العسكري، حول الأشخاص أنفسهم والمجموعات المعارضة نفسها، ثم جاء مقتل جابر جيكا ومحمد الجندي على يد الشرطة، بمباركة مؤيدي حكم الرئيس محمد مرسي، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
وعندما بدأ العسكر والدولة العميقة في خطة شد الحبل (الذي لفّه الإخوان حول عنقهم بأيديهم) وهي الخطة التي كان "الإخوان" أول من يعلم بها، لم يصارحوا أو يصالحوا قوى الثورة، ولا القوى الشبابية مطلقي الشرارة وشركاء الميدان وعاصري الليمون، ولم يكن هناك مرونة أو تراجع من "الإخوان"، بل كان هناك إنكار لوجود أي أخطاء وعناد شديد واستقواء أشد بالقوى الجهادية واستخدام المصطلحات نفسها والصبغة الدينية للمعركة.
السؤال الذي لا أملّ في طرحه كل مرة: هل هناك أي مراجعات؟ هل هناك أي اعتراف بالأخطاء؟ هل لو حدث شيء ما في المستقبل البعيد يمكن بناء شيء ما بدون التخبط والصراعات وبدون تحويل الصراع إلى صراع دموي، أو صراع بين مؤمنين وكفار؟ لا أعتقد أن هناك أي بوادر لذلك حتى الآن.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017