لعبة السيسي: البندول والسياسة
هذا أول حاكمٍ يمعن في إظهار الاستمتاع بالسلطة، مثل طفلٍ يلهو بلعبة بندولٍ في الشوارع الخلفية، بعد أن نجا في الإفلات بواحدةٍ منها، على الرغم من حملات الشرطة المكثفة على منافذ بيعها، كي لا تضايق السيد الرئيس، وتصيبه هو وأتباعه بتسلخات نفسية.
حركة عبد الفتاح السيسي السياسية تشبه كثيراً حركة البندول، تلك اللعبة التي أطارت عقله، واستنفرت قواته الأمنية للدرجة القصوى، فراحت تداهم أماكن توزيعها وتطارد الباعة الجائلين، وتعتقلهم بتهمة تهديد الأمن العام.
هو يتأرجح، مثل البندول، بمواقفه على الساحتين الإقليمية والدولية، يقترب ويبتعد، حسب اتجاه رياح المنح والمساعدات، لا يعرف المبدئية، ولا ثوابت لديه، إلا ثابت وحيد: الرضا الإسرائيلي، وكل ما عدا ذلك متغير، حتى على مستوى علاقاته وتحالفاته بالداخل، ولعل واقعة الغدر بصهره رئيس الأركان واحدة من تجليات هذه الحركة البندولية.
يكاد السيسي كلما تحسّس ميكروفون أن يهتف"أنا رئيس"، وكأنه لا يصدّق، بعد أربع سنوات، من اختطافه السلطة أنه يحكم البلاد، أو ربما كان يبالغ في ممارسة الطقوس الرئاسية لإغاظة الشعب، أو بالأحرى كيداً لمن لا يعترفون به، وتطليعاً للسان، وتلعيباً للحواجب، لمن يعارضونه.
كان أحد قضاة الزعيم قد نطق بالحكم بتأييد حبس الناشط الحقوقي الشاب، علاء عبد الفتاح، فطفح وجه الجنرال عبد الفتاح بالسعادة في شرم الشيخ، وراح يستعرض على الحضور قدراته القديمة في ممارسة فنون الحنان المبتذل على الصغيرات، حتى أن كل بنات العائلة كن يقلن "يا ريت بابا هو عمو عبد الفتاح".
لماذا يكره السيسي، بوصفه طاغية، علاء عبد الفتاح وباسم عودة وحسام أبو البخاري ومحمد البلتاجي وعصام سلطان، وهشام جعفر ، على سبيل المثال، لا الحصر؟
الإجابة تجدها عند أرسطو، المعلم الأول، وكما صاغها الدكتور إمام عبد الفتاح إمام، أستاذ الفلسفة، في كتابه"الطاغية"، فيقول "من عادة الطاغية ألا يحب رجلا ذا كرامة أو رجلا شريفا ذا روح عالية أو صاحب شخصية مستقلة. ذلك لأن الطاغية يدّعي أنه يحتـكـر لـنـفـسـه هذه الخصال الحميدة. ومن ثم يشعر أن أي إنسان شريف صاحب كرامة إنما يزاحمه في الجلال والإباء، أو أنه يحرمه من التفوق والسيادة، فذلك اعتداء على سيادته بوصفه طاغية. ومن هـنـا، فـان الـطـاغـيـة يـكـره جـمـيـع الأخلاق الشريفة، لأنها اعتداء على سلطانه. ومن عادة الطاغية أن يفضل صحبة الأجانب والغرباء على صحبة مواطنيه. ولهذا يدعوهم إلى مائدته، وإلى لقائه، ويأنس لهم في حياته اليومية. وهكذا يصبح المواطنون أعداء، أما الغرباء فلا خطر منهم، لأنهم لا ينافسونه ولا يزاحمونه!
ويضيف إن الطاغية يقف من المشاهير والأعلام موقف العداء، ويـضـع الخـطـط السرية والعلنية للقضاء عليهم، أو الإيقاع بهم، وتشريدهم، باعتبارهم خصوما سياسيين ومناهضين للحكم، ذلك لأنه يعلم تمام العلم أن الـثـورات ضـده تـخـرج مـن صفوف هؤلاء القوم، فبعضهم يتآمر عليه، لأنهم لا يريدون أن يكونوا عبيدا للطاغية. ويفسر لنا ذلك تلك النصيحة التي قدمها بريندر Periander طاغية كورنثه لأحد أصدقائه من الطغاة الذي أرسل رسولا يطلب النصيحة، فأخذ الرسول إلى الحقول، وراح يضرب بعصاه سنابل القمح البارزة، مشيرا عليه بذلك بضرورة قطع رقاب علية القوم في المدينة! وكانت نصيحة تنـاقـلـهـا الطغاة من عصر إلى عصر، وهي ضرورة التخلص من العناصر البارزة في المجتمع".
هل صحيح أن السيسي لا يريد حرباً في المنطقة؟ الحاصل أنه، مثل أي طاغية، حائز على سلطة مسروقة، لا يستطيع أن يؤمن سلطته، ويقضي على أي فعل جماهيري مناوئ له، إلا بافتعال حالة حرب، يبتزّ بها الناس، بتخويفهم من خطر خارجي داهم، سيعصف بهم إن تمرّدوا على الحاكم، كما الحال مع حربه المصطنعة، ضد إرهاب يغذيه ويتغذّى عليه. ومن ناحية أخرى، يمارس لعبته في تعبئة رصيده من أموال، مثل أي تاجر حربٍ لا تحكمه عقيدة، سوى عقيدة التكسّب من الخرائب. ولذلك، لا يمكن النظر إلى تصريحاته أخيرا بشأن تمنعه عن الحرب، إلا باعتبارها تكتيكاتٍ تهدف إلى مضاعفة أسعار خدماته العسكرية التي يقدّمها لمن يدفع.
هو فقط يريد أن يقول إن الحرب مكلفة، رسالة بعلم الوصول لمن يطلب بأن عليه أن يراعي فروق الأسعار.