هل يحاصر الضغط على حزب الله عهد عون؟

23 نوفمبر 2017
+ الخط -
تقديم رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، استقالته بشكل مفاجئ، ومن السعودية، يشكل أول تعبير فعلي عن انتهاء ما حاول لبنان الحفاظ عليه عقوداً، ببقائه خارج مرمى التجاذبات الإقليمية. كان على الحريري أولاً قبل أن يستقيل أن يتصدّى للانزلاق الذي اتخذته الأمور، والخروج الواضح عن البيان الوزاري وعن مضمون التسوية- الصفقة التي حملت ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية مقابل عودته إلى رئاسة الحكومة. وكان عنوان تلك التسوية سياسة الحياد، معبّراً عنها بما اصطلح على تسميته "النأي بالنفس". لا أن يسكت على تحدّي وزير الخارجية بلقاء وزير النظام السوري، وليد المعلم، في نيويورك. أما وقد حصل ما حصل، فكان عليه أن يستقيل، ولكن أن يعلن استقالته من بيروت، ويبلغ رئيس الجمهورية بها. أما إذا أنه لم يكن يرغب في الاستقالة وضُغط عليه فهذا أسوأ. غير أن سابقة الاستقالة قبل أكثر من أسبوعين تعكس، في المقابل، مدى عمق التحول في تركيبة السلطة في لبنان، وانحياز الحكم الفاضح لأول مرة إلى جانب محور في مواجهة معظم العرب.
كان لبنان رائداً في سعيه إلى الحفاظ على علاقات أخوية ومتينة مع الدول العربية، وفي العمل الدائم لتقريب وجهات النظر بينها. كما كان يكرّس دبلوماسيته النشطة والمميزة ذات يوم، ليكون رسولاً لقضاياهم في المحافل الدولية. فيما يحمل وزير خارجيته، جبران باسيل، اليوم لواء تعميق الخلافات العربية. لم يكن يوماً عامل انقسام، ولم ينحز أبداً، حتى في عز سطوة جمال عبد الناصر وزعامته العربية. كان الرئيس اللبناني في تلك الحقبة فؤاد شهاب الذي 
جارى عبد الناصر في دوره وخياراته العربية والدولية، لكنه رفض أي دور أو تأثير مباشر له في الشأن الداخلي. فيما العكس تماماً يحصل اليوم مع الحكم الحالي الذي ينتهج سياسة تشفٍّ في الداخل، ويسعى إلى جر لبنان إلى معسكر إقليمي. فهذا رئيس الجمهورية يجاهر بخياراته، ويعلن في أكثر من مناسبة أن الدولة بحاجة لسلاح حزب الله، وهو الذي أقسم عند انتخابه على الحفاظ على شرعية سلطة الدولة، وأحادية قواها المسلحة على كل الأراضي اللبنانية. وهو يعلم علم اليقين أن هذا الحزب لم يعد مقاومة ضد الاحتلال، وإنما يقاتل في سورية دفاعاً عن نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري. وهذا "الفريق الممانع" الذي يدعمه يتحدّى سياسة "النأي بالنفس" التي التزمتها الحكومة، ويلتقي وزير الخارجية وزير بشار الأسد، فيما يزور وزراء من حزب الله وحركة أمل نظراءهم في دمشق، من دون موافقة مجلس الوزراء.
ويعلم رئيس الجمهورية أن لحزب الله مقاتلين وكوادر تدرب الحوثيين في اليمن، وفي العراق وفي أماكن أخرى. يمكن القول طبعاً إن الرئيس ميشال عون مدين بانتخابه رئيساً لحزب الله الذي عطل الانتخابات الرئاسية نحو سنتين ونصف السنة، لكي يفرض عون رئيساً. وبالأمس غاب وزير خارجية لبنان، جبران باسيل، عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، تهرّباً من إدانة الحكومة اللبنانية التي تغطي أو تسكت على حزب الله ودوره التخريبي في اليمن وفي البحرين، ولا تقوم حتى بالرد على ما قاله الرئيس الإيراني، حسن روحاني، من أنه لا يُقرَّر شيءٌ في سورية والعراق ولبنان واليمن من دون رأيها وموافقتها (إيران).
وعندما فاجأه الحريري بالاستقالة، حاول رئيس الجمهورية الالتفاف على جوهر المشكلة، مدّعياً الحرص على السيادة، ورافضاً للضغوط الخارجية، ورافعاً سقف التجييش الداخلي ضد السعودية التي قال إنها "تحتجز حرية" رئيس حكومة لبنان. أما وقد عاد الحريري إلى بيروت، وغادر الرياض بعد وساطة فرنسية، فكيف سيتعاطى عون مع أزمة الحكم التي تطل برأسها، وتهدّد الاستقرار. وهذا يعني أن لبنان أصبح أمام سيناريو معقد، ينذر بشلل سياسي محفوف بالمخاطر، ويحتاج ما يشبه الأعجوبة لفك أحجيته. فعلى رئيس الجمهورية أولاً أن يباشر بإجراء استشارات نيابية، ملزمة بنتائجها بحسب الدستور، لاختيار شخصية تشكل حكومة جديدة. وبما أن الأخصام قبل الحلفاء يعلنون تضامنهم وتعاطفهم مع رئيس الحكومة المستقيل، فإن الاستشارات ستعطي الحريري على الأرجح أكثرية ساحقة تخوله إعادة تشكيل حكومة جديدة.
هل يقبل الحريري التكليف؟ وإذا قبل، كيف له أن يشكل حكومة يشارك فيها حزب الله الذي صنفه مجلس جامعة الدول العربية إرهابياً؟ لم تعد القضية مجرد التزام حزب الله بسياسة الحياد، وإنما إبعاده عن الحكومة، وعن موقع القرار في لبنان. غير أن هذا الحزب قد أعلن أنه لن يقبل أن يبقى خارج الحكومة، ولن يقبل حتى بحكومة تكنوقراط أو حيادية لا تضم قوى سياسية. وتصبح مراهنة الحريري على عون مجرد سرابٍ أو ذر للرماد في العيون. إقناع
حزب الله بتليين موقفه والتراجع خطوة إلى الوراء وتقديم ضمانات في هذا الخصوص غير واردة. هذا إذا سلمنا جدلاً أن لدى رئيس الجمهورية القدرة أو القناعة بالقيام بمثل هذه المبادرة.
فهل يجترح رئيس المجلس النيابي، نبيه برّي، مخرجاً ما؟ هو أعلن أنه سيعيد ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة، وإذا رفض فهو سيتبنى بدون نقاش من يرشحه بديلاً عنه "لأن لبنان لا يتحمل خمسة أشهر تصريف أعمال إلى أن يحين موعد الانتخابات في شهر مايو/ أيار المقبل، ولا يتحمل سبعة أشهر أخرى بعدها لتشكيل حكومة جديدة". إذن، يدرك برّي مخاطر المرحلة، ويتوقع عدم استعداد الحريري لإعادة "ترميم التسوية" التي قامت عليها الحكومة، وأسقطتها الاستقالة، ويتخوف من مضاعفات بقاء لبنان من دون حكومة. وهل يرى استطراداً في الأفق محاصرة لعهد عون الذي يغطّي حزب االله وسلاحه؟
سيزيد اعتذار الحريري الأزمة تعقيداً، وسيدفع إلى البحث عن شخصيةٍ أخرى لترؤس الحكومة. وهذه الشخصية لن يجدوها بطبيعة الحال في تيار الحريري، كما يتمنى برّي، إذ لن يكون في مقدورها التساكن مع وزراء لحزب الله. أما الشخصيات الأخرى (السنية) فهل يتجرأ أي منها على تحدّي الشارع السني (والسعودية) الذي استعاده الحريري، ويشكل حكومةً من لون واحد تضم حزب الله وحلفاءه من الفريق "الممانع"، ويعارضها تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب وكل فريق 14 آذار السابق؟ يضاف إلى ذلك الضغط العربي الهائل الذي يوازي عملية حصار بعد قرار جامعة الدول العربية. أم هل لدى الوسيط الفرنسي أي مخرج، وهو الذي أكد أنه متفق مع الولايات المتحدة على ضرورة مواجهة إيران وحزب الله؟
5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.