السودان.. تفكيك الحركة الإسلامية

25 أكتوبر 2017
+ الخط -
يقول المثل الروسي "لا تهتم بوصف الحبل في بيتٍ فيه مشنوق"، وعندما ألغت السلطات السودانية المؤتمر العام التاسع للحركة الإسلامية (جناح حزب المؤتمر الوطني) الحاكم قبل عقده بأيامٍ معدودة في نوفمبر/ تشرين الثاني، أسهبت في عرض المبرّرات لذلك. لم يتفاجأ أعضاء الحركة الإسلامية من حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه علي الحاج خلفاً لحسن الترابي، وآخرون من تيار الإصلاح، من هذا الإلغاء أو إيقاف تمويل الحركة وحلّ ذراعها العسكري (جهاز الأمن الشعبي)، فقد عبّروا عن مخاوفهم، قبيل إعلان الولايات المتحدة رفع العقوبات، من الثمن الذي دفعته الخرطوم في مقابل ذلك. كما أنّه كانت هناك إشارات إلى حالة توجّس من هذا المؤتمر الذي كان ينوي انتخاب أمين عام جديد، كانت ستكون أكثر درامية لو أنّ علي عثمان النائب الأول الأسبق للرئيس البشير هو المرشّح الجديد، وهو نفسه كان نائب زعيم الجبهة الإسلامية حسن الترابي، إلى أن انقلب عليه في المفاصلة الشهيرة عام 1999. 
البون شاسعٌ بين تبني الحكومة قيام المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية، في 15-17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، ليشكّل قاعدتها الجماهيرية، والمؤتمر التاسع الموؤود الذي يبلغ عن زهد الحكومة في الارتباط باسم الحركة، فالحركة الإسلامية نسخة المؤتمر الثامن قرّبت وباعدت بين بنيها باسم المصلحة العامة، وبشكل لا يقلّ صرامة عن الأنماط الأخرى الأكثر استبداداً، وكانت تحمل نقيضها في أحشائها، لأنّها استحدثت من أشلاء تنظيمٍ ضاق ببنيه، حتى آثروا الخروج بسلام.
وفي مؤتمر الحركة الثامن، أعلنت الحكومة أنّها قرّرت إحياء سنّة التجديد، فلجأت إلى ما تبقى
 من شتات جماهير الحركة الإسلامية السودانية، الذين تركتهم على قارعة الطريق، منذ أكثر من عقدين. كانت الحكومة في ذلك الوقت تحلم بتقديم نموذج جديد للحكم، تأسياً بوصول حركات إسلامية إلى السلطة، بعد ثورات الربيع العربي.
منذ ذلك الوقت، انفتحت مجموعة من الأسئلة يمكن قراءة بعض تفاسيرها من خلال النظر في جزأين رئيسيين. الأول طبيعة المنظور السائد في تحديد العلاقة بين الحركة الإسلامية وجماهيرها، وهذه في الأساس عملية اتصالية قائمة على تفاعلات مختلفة بينهما، باعتبار المحددات الداخلية للإطار التنظيمي. والجزء الثاني قائم على الحاجة إلى تغيير المنظور السائد، لإحداث منظور جديد يفكّ شفرات العلاقة بين الحركة والحزب الحاكم، والذي يبرز في سطوة دور على دور آخر، بحيث لا يمكن التفريق بين المؤسستين وبنيتيهما الهيكلية. وفي كلا النسقين، يكون التركيز على المحددات الداخلية المؤثرة في عملية التغيير، ومن بعدها اتخاذ القرار وصناعته من ذاك المنطلق، لإصلاح مهام القاعدة والقيادة.
لم يأت المؤتمر الثامن بما لم تأتِ به مذكرة العشرة التي أدت إلى المفاصلة عام 1999، فقد طالبت المذكرة من قبل بتوسيع الشورى، وتكريس العمل المؤسسي، وإكساب قيادة الحركة فاعلية أكبر. وهكذا فعل المؤتمر العام، لكن الإنشقاق كان من نصيب ذلك التوجه نحو المؤسسية والفاعلية، كانت الحكومة في المؤتمر الثامن تتوجس من فقدان الحركة الإسلامية للمرجعية القانونية التي يمكن أن تمثل بها واجهة التنظيم، والآن هي سعيدة بتجريدها منها.
على الرغم من القاعدة العريضة التي تمثلها الحركة الإسلامية وسط الجماهير، إلّا أنّ كوادرها المتمرسة على العمل التنظيمي قد تلاشت، بفضل إهمالها وعدم ضخ روح التجديد فيها، فقد كان اعتبار الحكومة أنّ كل ما هو مؤتمر وطني هو في الأصل حركة إسلامية أضرّ بالتنظيم، من ناحية التوافق الفكري والسياسي. وعندما اخترق نظام المؤتمر الوطني الجماهير في الولايات بنظام المؤتمرات الشعبية لم يستطع استعارة وجه الحركة الإسلامية، فالمؤتمر الوطني، باعتباره حزباً سياسياً حافلاً بالأزمات، لم تنجح مؤسساته في الدمج بين قيادته وقيادة الحركة، حتى بعد أن أطلّ الحزب السياسي من خلف ستار الحزب العقائدي العتيق.
لم يكن مؤتمر الحركة الإسلامية الثامن مجرد محاسبة تاريخية، ولا حتى تكفيراً للمّ شتات
الحركة، ولا لقاءً حاسماً للعلاقة بين الحكومة والحركة الإسلامية، وإنّما هو إعادة توزيع للأدوار، بحيث تستمر الحركة في خدمة النظام الحاكم. ولكن بشكل أجمل، يعتمد على شورى من لا يُستشار. وما قامت به خلال السنوات الماضية، وحتى إلغاء المؤتمر التاسع، هو تجمّلها، لأنّ تعمّدها إلى تشويه الحركة الإسلامية أدى إلى تذمّر (وتململ) أعضائها المستبعدين والمقربين على حدّ سواء. وسعت في تمهّل ممهدة إلى فرض برنامجها السياسي مرة أخرى، حتى لو لم يكن ضمن خياراتهم إلى أن وصل إلى الإزالة الكاملة. وبهذا، لم تكن الحركة سوى لافتة رُسمت عليها مهام منذ العام 2000، بهدف تنفيذ أجندة معينة، وصلت إلى نهايتها الآن، وهي مرحلة قالت إنّها تتطلب الإعداد والتنظيم لمرحلة ما بعد رفع العقوبات.
هناك تيار واسع من أعضاء المؤتمر الشعبي يؤمن بأنّ الحركة الإسلامية التابعة للمؤتمر الوطني، قامت بالأساس لمواجهة حسن الترابي، وسحب الاسم من تنظيمه، خوفاً من أن تنضم إليه قطاعات واسعة من الشعب السوداني، وتتبنى أفكاره، خصوصاً أنّ الحركة الإسلامية ارتبطت باسمه وتنظيمه، إلى أن جاء بالعسكر إلى السلطة عام 1989، وحدثت الخلافات المعروفة. ولا تُستبعد نية الحكومة في تفكيك مصطلح الحركة الإسلامية عبر برنامج المنظومة الخالفة.
الحكومة الآن أكثر اطمئناناً حيث ارتكزت بقرارها هذا على واقع ضعف حزب المؤتمر الشعبي، بعد وفاة زعيمه الترابي، ودخول علي الحاج حكومة الوفاق الوطني، كما تتأهب لنهوض تيار جديد، مثل الإصلاحيين، ليدخل في مواجهة مفتوحة معها، حتى لو بافتعال المعارك، وذلك لإقناع المجتمع الدولي أنّها قامت بتفكيك الحركة الإسلامية، ومحو كل ما له علاقة بالتنظيم.
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.