الزعيم

31 يوليو 2016
+ الخط -
إنه يغضب، وكان غضبه واضحاً أمام الجميع. ظهرت شخصيته الحقيقية التي يخفيها دائماً خلف الخطاب العاطفي والشعارات الرنانة. هذه المرة لم يستطع السيطرة على أعصابه، عندما سمع بعض النقد "المستحي" من أحد مؤيديه.
"عيب، عيب" قالها الزعيم. ولكن، ليس بسبب الإعلام الذي يخوض في الأعراض، ولا الذي يذيع مكالماتٍ شخصيةٍ مقتطعةٍ من سياقها تحت مسمّى التسريبات. لم يغضب الزعيم بسبب تشويه كل من يعارضه، ولا بسبب تشويه الثورة. لم يغضب بسبب اتهامات الخيانة والعمالة التي يلقيها الإعلاميون الموالون له، يميناً ويساراً، فالتشويه والتخوين والاتهامات الباطلة ضد أي معارضٍ، أو حتى موالٍ، لكنه لا ينافق ولا يطبّل بالقدر الكافي، لهوٌ مقبولٌ عند الزعيم، أما إذا عارضه أحد الإعلاميين على استحياء، فهو عيب كبير.
لم يغضب الزعيم بسبب الفشل والفساد في كل القطاعات والمجالات في بلده، على الرغم من أن الزعيم هو المسؤول الأول عن ذلك كله، فهو من يختار الحكومة والمسؤولين، وهو لا يضع طريقة الإدارة فقط، بل يضع معايير الاختيار من الأساس، والمعيار الأساسي لديه الموالاة وليس الكفاءة. لم يغضب بسبب سياسة الصوت الواحد، ولا بسبب القمع وإرهاب أيّ صوتٍ يعلو بالحق، ولا بسبب تلفيق التهم بشكل دوري للشرفاء، ولا بسبب التعذيب في الأقسام والسجون، ولا بسبب الجوع والغلاء والتخبّط والعشوائية.
إنه يغضب، ويظهر غضبه بسبب انتقادٍ على استحياءٍ من إعلاميٍّ معروفٌ أنه موالٍ، وليس معارضاً. ولكن، حتى النقد على استحياء من أحد الموالين غير مسموحٍ به، فالزعيم لن يسمح إلا بالإعلام الوطني المسؤول، أي الذي يطبّل ويجمّل القبح وينافق، ويهلل لأي إنجازٍ وهمي. الإعلام الوطني المسؤول، في نظر الزعيم، هو الذي يقوم بالتخوين والتشويه لإرهاب أي معارضٍ أو مختلف في الرأي، أو حتى لديه ملاحظات على طريقة الإدارة.
إنه يحسُد الزعيم السابق على إعلامه، إعلام الصوت الواحد والكذب والتضليل، يتناسى أن إعلام الزعيم السابق وصناعة الخوف كانت قد أدّت إلى هزيمةٍ عسكريةٍ مزريةٍ، ثم انهيار المشروع الوطني بالكامل، لكنه ما زال غاضباً، غاضباً من نيران صديقة، غاضباً بعد أن أصابه بعضٌ مما صنعته يداه، ذق مما صنعت يداك، ذق مما صنعت أجهزتك.
ما زال الزعيم الوطني يكذب، يراوغ ويدور، يلتف حول الأسئلة، يحاول أن يتجمّل، يجيب إجاباتٍ ليس لها أدنى علاقة بالسؤال. يتحدّث عن خطورة إقصاء الآخر، وأن الإقصاء هو وقود التطرّف والإرهاب، على الرغم من أن نظامه يقوم، بالأساس، على إقصاء أي آخر، وأي رأي من اليمين لليسار.
إنه يكذب، ويحاول أن يتجمّل، يسألونه عن الاختفاء القسري الذي رصده مجلس حقوق الإنسان، وقدّر عدد حالاته بالمئات هذا العام، فيجيب أنهم سافروا للانضمام إلى "داعش"، وهذا هو سبب الاختفاء، وليس هناك اختفاءٌ قسري من الأساس.
يتحدّث الإعلامي الموالي مع نفسه. ولكن، ماذا عن الشباب الذين تخطفهم الأجهزة الأمنية أسابيع أو شهوراً، بدون سندٍ قانوني، حتى يعلم ذووهم مصادفةً أنهم ظهروا أمام إحدى المحاكم أو النيابات، أليس هذا اختفاءً قسرياً؟ أليس من حق المعتقل إعلام ذويه وأهله بمكانه وتهمته فور القبض عليه".
يبتلع الإعلامي المخضرم، والمؤيد للزعيم، تساؤله، فهو يعلم جيداً أن الزعيم يعلم ما لا نعلمه. وطالما أخبرنا أنه ليس اختفاءً قسرياً، فهو بالتأكيد ليس كذلك من أعمال القضاء، وكله بالقانون.. إنه أيضاً يعلم أن الزعيم يكذب.
يسألونه عن الأحوال السياسية والاقتصادية، لكنه كالعادة يكذب، يتحدّث عن إنجازاتٍ خارقةٍ في الأشهر المنصرمة، إنجازاتٍ لا يراها غيره، على الرغم من الانهيار والتخبّط في كل المجالات، استقرار سياسي وهمي، على الرغم من الانقسام والتخوين والاحتقان الكامن، فالاستقرار السياسي عنده هو تكميم الأفواه وحبس الشباب، هو الديكور الديمقراطي والانتخابات الهزلية وبرلمان العسكر والحرامية.
يسألونه عن الحريات والحقوق السياسية، فيتحدّث بشكل مراوغ عن حقوق اقتصادية، على الرغم من أنه ينتهكها أيضا، يتجاهل متعمداً أنه لا يمكن تحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدون السياسية، وأنه لا يمكن الفصل بينهم، ولا غنى لأحد الحقوق عن الحقوق الأخرى. يتشدّق بالحديث عن الاقتصاد، لكي يهرب من الإجابة، على الرغم من أنه يستخدم خريطة الزعيم السابق نفسها، والتي أدت إلى الظلم الاجتماعي بكل صوره، وانتهت بالثورة عليه.
إنه يكذب ويراوغ أيضاً أمام الإعلام الأجنبي، يتحدّث عن الصداقة والشراكة مع الحلفاء الأوروبيين، وعن أهمية دورهم العسكري في دولةٍ مجاورة، وهو بالقطع يتحدّث عن غزوهم واحتلالهم تلك الدولة المجاورة، تحت شعار محاربة الإرهاب، ثم يعود ليتحدث في إعلام بلده عن مخططات هذا الحليف الأوروبي، لتقسيم المنطقة (!)، وكأنه بهذا يعطي الأمر للأجهزة الأمنية والخبراء الاستراتيجيين، لبدء بثه في عقول مواطنيه من خلال الإعلام.
يسألونه عن شباب الثورة والنشطاء المحبوسين، فيراوغ، للمرة الأخيرة، بالحديث عن العفو الرئاسي الدوري، على الرغم من علمه بالتنكيل بمن تبقى في السجون والاعتقالات الجديدة والقضايا الملفقة.
إنه يكذب، وهو يعلم أنه يكذب... إنه الزعيم.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017