حين يعرف الطارئون أنهم طارئون

10 يونيو 2016
+ الخط -
تكثر المناسبات، التي يدلي فيها المسؤولون الإسرائيليون بتصريحاتٍ، تكرّر ما جاء في الإيديولوجية الصهيونية، وتتضمن تأكيد غير المؤكد، انتماءهم إلى أرض فلسطين التي حلوا عليها عنوةً، محاولين هم أنفسهم التصديق، والإيحاء لغيرهم من الإسرائيليين بتصديق أنهم ينتمون، فعلاً، إلى هذه الأرض، وأن لهم فيها جذوراً. تصريحات لا تخفي سوى ما يعتمل في أنفسهم، وما يعرفون أنه حقيقتهم، وحقيقة أنهم طارئون على هذه الأرض، غرباء عنها، سيأتي يوم، تلفظهم فيه، ويعودون إلى بلدانهم، أو بلدان آبائهم أو أجدادهم التي جاؤوا منها، والتي فيها، هي لا غيرها، تمتد جذورهم الأصلية. وعند التمعن في تلك التصريحات، لا تصل سوى إلى نتيجة أنها تصريحاتٌ موجهة إلى الداخل الإسرائيلي، لا إلى الخارج، من شعوب ودول عربية وأوربية، وغيرها من الدول. 
وكان جديد هذه التصريحات، ما جاء على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء الماضي، في الأول من يونيو/ حزيران الجاري، في كلمةٍ له أمام الكنيست، الذي عقد جلسة خاصة بمناسبة ما يطلق عليه تسمية "يوم القدس"، والتي يحتفل بها الإسرائيليون سنوياً. قال: "جذورنا في القدس والأقصى تمتد عميقاً في الأرض، أكثر من جذور أي شعب آخر". وكونه يعلم أنه يفتقر إلى ما يثبت أحقيته بهذه الأرض، سوى ادعاءات بأن اليهود حلوا فيها في أزمنةٍ مضت، كما حلّ فيها آخرون، وسبقهم إليها آخرون أيضاً، قال: "لا نحتاج لإثبات وجودنا في القدس، منذ بداية تشكيل أمتنا، لأن مصيرنا ارتبط بها".
كما يعود نتنياهو إلى التأكيد على الصبغة الدينية لوجودهم في فلسطين، حين أضاف، في كلمته، أن جذور الشعب اليهودي في منطقة جبل الهيكل، أيضاً، تمتد أعمق من جذور أي شعبٍ آخر. فلا بد من تضمين الخطاب الديني في كل تصريحات الإسرائيليين، وهو الخطاب الذي احتاجه المشروع الإسرائيلي الاستعماري، منذ إعلانه أواخر القرن التاسع عشر، لكي يجد طريقه إلى التحقّق. لكن، وبينما يميل إلى البعد الديني، لا يستطيع نتنياهو الخروج من الجوهر الأساسي للإيديولوجية الصهيونية وللمشروع الاستيطاني الاقتلاعي لكيانهم الذي قام على الغزو والعداء، حين أضاف في كلمته: "القدس لنا، وستبقى لنا، وأنا مقتنع أن حرب الأيام الستة أوضحت لأعدائنا أننا حضرنا إلى هنا لنبقى إلى الأبد".
أما أنها موجهة للداخل، فليس هنالك شك لدى أحدٍ من المتابعين، في أن الإسرائيليين الذين
خالفوا كل قوانين الأمم المتحدة وشرائع حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، حين استولوا على أرض فلسطين، وهجروا شعبها، ويواظبون على إدارة أذنٍ من طين لكل المطالب التي تواضعت، حتى أضحت تناشدهم تخفيف الحصار الذي يضربونه على أبناء الشعب الفلسطيني، بعدما كانت تطالب بالانسحاب من الأراضي المحتلة، ليس هنالك شك، في أن رسالة الانتماء والتشبث بالجذور هذه موجهة إليهم، وإلى أبناء مجتمعهم. فهذا المجتمع يحتاج، بين فينة وأخرى، إلى أن تثبت له أن الأرض التي ما زال الجيش الإسرائيلي يستخدم القوة لإخلائها من سكانها الأصليين، وتوطين آخرين محلهم، هي أرضهم، وهو المجتمع العارف، والذي يلمس يومياً لمس اليد أنها تغتصب اغتصاباً، لا تُستعاد بموجب قوانين وسندات ملكية.
أما لماذا هي غير موجهة للخارج، من دول عربية مجاورة، أو غيرها من الدول والشعوب، فلأن الإسرائيليين اقترفوا من الجرائم بحق الإنسانية، منذ تشكيل كيانهم، وما زالوا يقترفون، ما لا تتسع له سجلات، أو يجد المجتمع الدولي الوقت لإدانته، من دون أن يُعيروا أي اهتمامٍ لإداناتٍ يتلقونها من هذا الطرف أو ذاك، ومن دون التزامٍ بأية قرارات، تصدرها هيئات الأمم المتحدة. وهم يعرفون أن أية إداناتٍ لهم، أو قراراتٍ تصدر بحقهم، ليس لها تأثير على مجرى استيطانهم وسلبهم اليومي أراضي أبناء الشعب الفلسطيني، وضرب الحصار حول مناطقه، ومنعه من إقامة دولته، وحرمان اللاجئين من العودة إلى مدنهم ومنازلهم.
يبدو أن الإسرائيليين سيبقون على هذه الحال، يكذبون على أنفسهم، بأنهم أصحاب حقٍّ تاريخي وديني في أرض فلسطين، وسيحتاجون لكثير من هذه الأكاذيب، لكي يصدّقوا أن لهم جذوراً فيها. ولولا انتفاء الدلائل لما جاء الخطاب، الحاجة، وتكرّر في كل مناسبة، وما صنعوا له يوماً، يحتفلون فيه ويكرّرون ما يحاول أن يتجاوزه آخرون، من حق إلهي، أعطي لهم، وحُبس عن غيرهم. لكن، وللمفارقة، يتزامن هذا اليوم مع يوم انتصارهم على العرب في نكسة يونيو/ حزيران، كأنهم يريدون للتأكيد أن يكون مضاعفاً، فهو يوم تأكيد على تحقق الوعد الإلهي، ويوم ذكرى القتل والمجازر التي لولاها لما كان للوعد، الكذبة، أن يتحقق، ولو كان طارئاً.
46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.