السودان والاتحاد الأوروبي

12 يونيو 2016

وفد أوروبي في مدرسة في جنوب دارفور (5/11/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -
أعلن الاتحاد الأوروبي، في العام الماضي 2015، عن حاجته إلى حوار صريح يجمع السودان والدول الأعضاء في الاتحاد، لمعالجة المشكلات وإيجاد الحلول الإيجابية وتنفيذها، في السودان وفي المنطقة، ما يمهّد لعلاقات جيدة بين السودان والاتحاد الأوروبي ودوله. وكان توضيح توماس يوليشني، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في الخرطوم وقتها، هادفاً إلى تعزيز علاقات السودان مع الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي، والتمكين من زيادة المساعدات الإنسانية والإنمائية، للتعاون في منع التطرف ومكافحة الإرهاب.
عام من النيات ختمته الحكومة السودانية بمطالبة الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً بريطانيا، بالتدخل لمعالجة الدين الخارجي، ورفع العقوبات الأميركية. فعلى الرغم من القطيعة التي استمرت أكثر من عقدين، إلّا أنّ لبريطانيا علاقة خاصة مع السودان، تتمثل في امتزاج الموروث الثقافي الحضاري السوداني مع تجربة الحكم والإدارة البريطانية في السودان، بحلوها ومرّها. فإن تم التقارب بين الاتحاد الأوروبي والسودان فقد يكون في القرب شفاءٌ من مرارات أهل السودان وجراحهم المثخنة.
تأتي أهمية بريطانيا كإحدى دول الاتحاد الأوروبي بالنسبة للسودان، من ذلك التاريخ الاستعماري، ثم امتداده بعد استقلال السودان بالتعامل معه دولة ذات سيادة. تجذّرت علاقات البلدين عبر التمثيل الدبلوماسي والعلاقات السياسية والتعاون الثقافي والاقتصادي المشترك. ذاك الموروث الثقافي الحضاري السوداني قابله، في الاتجاه الآخر، استعلاء من الإدارة البريطانية. لخّصت بريطانيا تاريخ الشعب السوداني ونضاله ضد الاستعمار، ونهب ثروات البلد، في أنّها جاءت لتخلص السودان العربي الإفريقي من تجارة الرقيق. لم يكن ذاك غريباً على الإمبراطورية العظمى، فحينما دخلت بريطانيا السودان (1899- 1956م) كانت تحمل، في طيات حضارتها، غرور سلطانها، وتوسع إمبراطوريتها التي لا تغيب عنها الشمس.
لا يغفر التفوق المعرفي والمادي مرارات الماضي، وإنما تصبح معه الضريبة ناجزةً لدفع استحقاقات الإخاء الإنساني. علاقة بريطانيا التاريخية بالسودان تحمّلها عبء تبني مواقف مُعلنة في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، بغرض تحقيق السلام وخفض حدّة الفقر لمساعدة السودان.

من هنا، نجد أنّ دور بريطانيا يفوق دور كل دول أوروبا مجتمعة. فعلى سبيل المثال، فإنّ فرنسا، باعتبارها ملهمة الحريات والحقوق النابعة من الثورة الفرنسية عام 1789، ومن فكر فلاسفتها مونتسكيو في "روح القوانين"، وجان جاك روسو في "العقد الاجتماعي" وغيرها مما صاغه المفكرون الفرنسيون من أفكارٍ ساهمت في التحولات السياسية في إفريقيا والعالم، إلّا أنّ السودانيين لم ينسوا أنّ أكبر تجار الرقيق في عهد الحكم التركي المصري (1821- 1885) كانوا من الفرنسيين، وكانوا ينقلون الرقيق إلى مصر في ظل الراية الفرنسية. أما اليونانيون، فقد اشتهروا بأنّهم الأكثر عدداً من طبقة التجار، مارسوا نشاطهم التجاري المتنوع في مدن في السودان، وحفظ لهم السودانيون مودتهم وحلو معشرهم. واقتصرت فعاليتهم في المجال التجاري، في معاش الناس وملبسهم، وفي بعض الجوانب الاجتماعية.
فيما قبل، كانت دول الاتحاد الأوروبي وأميركا قد رهنت علاقتها بالسودان بحلّ مشكلة الجنوب وإحلال السلام في السودان. فالولايات المتحدة الأميركية الحليف الاستراتيجي لأوروبا، وبفضل ضرورات السياسة نجحت في أخذ الاتحاد الأوروبي إلى صفها بشأن العلاقة مع السودان، إن لم تكن عملت على تحييد بعض دوله، في أحسن الأحوال. وعندما أوقفت الولايات المتحدة الدعم العسكري والتنموي للسودان، منذ فترة الديمقراطية الثالثة (1985- 1989)، زاد من ذلك استلام نظام جبهة الإنقاذ الحكم في السودان عام 1989. تبعت دول الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة نتيجة سياسات "الإنقاذ" المتعنتة، فوقف التعاون في كلّ المجالات تقريباً، بل أصبح السودان أكثر دول العالم ديْناً.
لم يكن السودان استثناءً من هذه القاعدة، وإنما كان في مقدمة الموقوفين من التعاون الأوروبي، وزاد من ذلك قيام الحرب في دارفور، فانفتحت طاقة أخرى من نار الحروب، تدعم الموقف الغربي. كان لا بد للسودان من توقيع اتفاقية السلام الشامل، والتي تمت عام 2005. لم تظهر أي تطورات جديدة، لأنّ الأسباب التي دفعت الاتحاد الأوروبي إلى مقاطعة السودان ما زالت قائمة في أطراف أخرى من السودان، فيمكنه التمسك ببند سلام دارفور، لتبقى الوعود الأوروبية بتقديم الدعم، أو التطبيع، مع السودان رهينةً بما يمكن أن تظهره الحكومة السودانية من التزامها بتحقيق السلام.
بعد تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، وانفتاحه على العالم بغرض تحسين صورته، وجلب منافع أخرى، قرّر السودان أن يتجه، بقضاياه شمالاً، للبحث في قضايا التنمية واستدامة السلام وفرص التعاون المحتملة. يتوقع السودان من أوروبا والغرب أنهما سيضمنان حوار المرحلة المقبلة في تطبيع العلاقات معه. لذا، تم، أخيراً، تكوين ما سُميت الشبكة الأوروبية لاستدامة السلام في السودان، والتي تهدف إلى بناء شبكة للتواصل مع أوروبا والغرب عموماً.
مكّن الحصار الاقتصادي من تبرير حكومة الإنقاذ احتكارها السلطة، كونها البديل المتاح الوحيد في الساحة، في ظل غياب المعارضة عن الساحة السياسية. استطاع الرئيس عمر البشير أن يحوّل صراع الغرب معه من مجرد صراع مع رئيس مطلوب للعدالة الدولية إلى معركة كرامة أمةٍ وسيادة وطن، رضي المعارضون عما يسوّقه حزب المؤتمر الوطني الحاكم أم أبوا. ولا يجد طلب الحكومة السودانية الآن تطبيع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي استجابة سريعة، لأنّه عندما خطا الاتحاد الأوروبي وواشنطن نحو التطبيع، بعد تحقيق اتفاقية السلام الشامل، انفتحت كوة النار من أبيي، وبقية القضايا العالقة بين دولتي الشمال والجنوب السوداني.

دلالات
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.