28 أكتوبر 2024
أميركا ومعركة الرقة المرتقبة
جاء تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية" في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ضمن مخطط أميركي لتكوين قوة عربية ـ كردية مشتركة، تكون رأس حربة في عملية تحرير محافظة الرقة من تنظيم الدولة.
وبدأت وسائل الإعلام، الأميركية بشكل خاص، الحديث عن معركة الرقة المقبلة، ضمن خطة أميركية لعزل المحافظة عن خطوط الإمداد في الشمال مع تركيا، وفي الشرق مع العراق، لكن المخطط سرعان ما تغير بشكل مفاجئ، وتحولت "قوات سوريا الديمقراطية" إلى أقصى الشمال الشرقي من سورية في محافظة الحسكة والقامشلي، لمحاربة "داعش" هناك.
ثمة ثلاثة أسباب لهذا التحول: رفض قوات "حماية الشعب الكردي" خوض معارك في بيئة ديمغرافية غير حاضنة لها. ولذلك، حافظت القوات الكردية على وجودها في البلدات الكردية شمالي الرقة (تل أبيض) من دون التوجه جنوباً حيث البلدات السنية. رغبة واشنطن في جعل المعركة ضد التنظيم في العراق وسورية موحدة ضمن حربٍ واحدة. ولذلك، وجدت الإدارة الأميركية أنه من الأفضل التركيز على الحسكة لملاصقتها الحدود العراقية، وإبعاد التنظيم من منطقةٍ تمتد من الموصل شمالي العراق، ومن ثم سنجار وحتى الحسكة في سورية، وإنهاء سيطرته على طرق الإمداد بين البلدين. تلاقت الرؤية الأميركية مع الرؤية الكردية، إذ وجدت وحدات الحماية الكردية في الحسكة مغنماً أكبر من الرقة، حيث حقول النفط التي توفر مورداً مربحاً، ناهيك عن أن السيطرة على الحسكة تؤمن معاقل الأكراد على الشريط الحدودي.
وقد أعادت أحداث باريس، في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تسليط الضوء مجدداً على الرقة، عاصمة "الدولة الإسلامية"، مع توجه المجتمع الدولي إلى القضاء على "داعش" بشكل نهائي. وفعلاً، شهدت الأيام التي تلت أحداث باريس عمليات قصف جوي من التحالف الدولي وروسيا وفرنسا على السواء.
وما زاد من الضغوط على الولايات المتحدة نجاح النظام، مدعوماً من روسيا بالسيطرة على مدينة تدمر، ومن ثم الاستعداد للتوجه نحو دير الزور، ليكون على مقربة من محافظة الرقة من ناحية الجنوب الشرقي لها، في وقت تعزّز روسيا وجودها العسكري في حلب. وتخشى الإدارة الأميركية أن يساهم إحكام سيطرة النظام على دير الزور في دفع قوات النظام نحو الرقة. وبذلك، يكون النظام قد سيطر على مساحات كبيرة من سورية، وأصبح في قلب الشمال السوري، ومن شأن ذلك أن يربك الخطط الأميركية هناك، وهذه مرحلة لا تريد واشنطن الوصول إليها. ولم يكن إعلان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قبل أيام، زيادة عدد القوات البرية الأميركية في سورية أمراً مفاجئاً، فهذه الخطوة جزء من التحضيرات السابقة للمعركة. إلا أن محاربة التنظيم في الرقة تتطلب حسابات أخرى، فالغارات الجوية غير كافية، والأكراد وحدهم غير قادرين على ذلك، فضلاً عن عدم رغبتهم قتال التنظيم بشكل منفرد، وهو مطلب أميركي ـ تركي، خوفاً من انتشار "وحدات الحماية الكردية" في عموم الرقة على حساب سكانها ذوي الأغلبية العربية.
كما أن الوضع في الرقة يختلف عنه في الموصل في العراق، وهذا هو السبب الذي جعل
الإدارة الأميركية تؤخر معركة الرقة عدة أشهر. في الموصل، يوجد جيش نظامي يمكن التعامل معه على الأرض، ولديه أسلحة ثقيلة كثيرة، في حين لا يوجد جيش نظامي حليف في الرقة.
في الموصل، لا توجد تدخلات خارجية تضغط باتجاه مخالف للجيش والتحالف الدولي، في حين تلعب تركيا دوراً مهماً في الشمال السوري، وتأخير معركة الرقة يرجع، في أحد أسبابه الرئيسية، إلى تركيا التي تعرقل وتمنع شن عملية عسكرية، يكون الأكراد رأس حربتها.
حاولت واشنطن، خلال الأشهر الماضية، توسيع دائرة المقاتلين العرب، بضم مجموعات أخرى في قتال التنظيم، مثل "الجيش الثوري في الرقة"، وعشائر عربية لا بد من تأمين دعمها لإحراز نصر على التنظيم، فضلاً عن إدخال قوات كردية من خارج "وحدات حماية الشعب الكردي"، و"وحدات حماية المرأة"، مثل بشمركة روج آفا، وهم الجنود الكرد المنشقون عن قوات النظام ممن تلقوا تدريباتٍ في إقليم كردستان العراق.
وتهدف الإدارة الأميركية وأنقرة من هذه الخطوة إلى عدم حصر الوجود العسكري الكردي بـ"وحدات حماية الشعب" (YPG) الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، فهي تفضل أن تكون السيطرة في الشمال والشمال الشرقي من سورية بأياد متنوعة إثنياً، تضم العرب والأكراد بمجمل مكوناتهم السياسية لتحقيق هدفين: الحيلولة دون خضوع الأكراد لقوة واحدة تهيمن على القرار الكردي بمفردها، وتمارس سياستها ضمن أهدافها الضيقة. الحيلولة دون بقاء القوات العربية وحدها في الميدان، فمن شأن وجود قوات كردية رديفة لها أن يمنع القوى العربية من الانزياح عن الهدف الأميركي.
بيد أن مشكلة معركة الرقة تكمن في الجهة التي ستقوم بعملية التحرير على الأرض، فليس لدى الأكراد قاعدة شعبية في الرقة، بل على العكس، أدت تجربتهم في الحكم داخل مدن الرقة، ومنها تل أبيض، على سبيل المثال، إلى وجود شرخ بينهم وبين السكان العرب الذين وجدوا أنفسهم أقرب إلى التنظيم من الأكراد، نتيجة الأخطاء التي ارتكبوها في الرقة. ومن جهة أخرى، لا توجد قوى عربية مقاتلة، من شأنها أن تكون بديلاً عن الأكراد، أو على الأقل تكون حليفاً مكافئاً لهم في المعركة، فالعشائر والقوى منقسمة حيال هذا الأمر، وتجربة "ثوار الرقة" و"غرفة عمليات الفرات" و"جيش العشائر" أوضح مثال على ذلك.
المشكلة أن الولايات المتحدة تقع بين مطرقة الضغوط والتهديدات التركية وسندان الحاجة إلى تحرير الرقة، وليس لديها حليف حقيقي وجدّي على الأرض سوى القوى الكردية، وإن كانت تحت غطاء تحالف فيه مزيج عربي (قوات سوريا الديمقراطية)، ويبدو من الصعوبة بمكان التوفيق بين هذه المطالب المتناقضة.
وبدأت وسائل الإعلام، الأميركية بشكل خاص، الحديث عن معركة الرقة المقبلة، ضمن خطة أميركية لعزل المحافظة عن خطوط الإمداد في الشمال مع تركيا، وفي الشرق مع العراق، لكن المخطط سرعان ما تغير بشكل مفاجئ، وتحولت "قوات سوريا الديمقراطية" إلى أقصى الشمال الشرقي من سورية في محافظة الحسكة والقامشلي، لمحاربة "داعش" هناك.
ثمة ثلاثة أسباب لهذا التحول: رفض قوات "حماية الشعب الكردي" خوض معارك في بيئة ديمغرافية غير حاضنة لها. ولذلك، حافظت القوات الكردية على وجودها في البلدات الكردية شمالي الرقة (تل أبيض) من دون التوجه جنوباً حيث البلدات السنية. رغبة واشنطن في جعل المعركة ضد التنظيم في العراق وسورية موحدة ضمن حربٍ واحدة. ولذلك، وجدت الإدارة الأميركية أنه من الأفضل التركيز على الحسكة لملاصقتها الحدود العراقية، وإبعاد التنظيم من منطقةٍ تمتد من الموصل شمالي العراق، ومن ثم سنجار وحتى الحسكة في سورية، وإنهاء سيطرته على طرق الإمداد بين البلدين. تلاقت الرؤية الأميركية مع الرؤية الكردية، إذ وجدت وحدات الحماية الكردية في الحسكة مغنماً أكبر من الرقة، حيث حقول النفط التي توفر مورداً مربحاً، ناهيك عن أن السيطرة على الحسكة تؤمن معاقل الأكراد على الشريط الحدودي.
وقد أعادت أحداث باريس، في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تسليط الضوء مجدداً على الرقة، عاصمة "الدولة الإسلامية"، مع توجه المجتمع الدولي إلى القضاء على "داعش" بشكل نهائي. وفعلاً، شهدت الأيام التي تلت أحداث باريس عمليات قصف جوي من التحالف الدولي وروسيا وفرنسا على السواء.
وما زاد من الضغوط على الولايات المتحدة نجاح النظام، مدعوماً من روسيا بالسيطرة على مدينة تدمر، ومن ثم الاستعداد للتوجه نحو دير الزور، ليكون على مقربة من محافظة الرقة من ناحية الجنوب الشرقي لها، في وقت تعزّز روسيا وجودها العسكري في حلب. وتخشى الإدارة الأميركية أن يساهم إحكام سيطرة النظام على دير الزور في دفع قوات النظام نحو الرقة. وبذلك، يكون النظام قد سيطر على مساحات كبيرة من سورية، وأصبح في قلب الشمال السوري، ومن شأن ذلك أن يربك الخطط الأميركية هناك، وهذه مرحلة لا تريد واشنطن الوصول إليها. ولم يكن إعلان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قبل أيام، زيادة عدد القوات البرية الأميركية في سورية أمراً مفاجئاً، فهذه الخطوة جزء من التحضيرات السابقة للمعركة. إلا أن محاربة التنظيم في الرقة تتطلب حسابات أخرى، فالغارات الجوية غير كافية، والأكراد وحدهم غير قادرين على ذلك، فضلاً عن عدم رغبتهم قتال التنظيم بشكل منفرد، وهو مطلب أميركي ـ تركي، خوفاً من انتشار "وحدات الحماية الكردية" في عموم الرقة على حساب سكانها ذوي الأغلبية العربية.
كما أن الوضع في الرقة يختلف عنه في الموصل في العراق، وهذا هو السبب الذي جعل
في الموصل، لا توجد تدخلات خارجية تضغط باتجاه مخالف للجيش والتحالف الدولي، في حين تلعب تركيا دوراً مهماً في الشمال السوري، وتأخير معركة الرقة يرجع، في أحد أسبابه الرئيسية، إلى تركيا التي تعرقل وتمنع شن عملية عسكرية، يكون الأكراد رأس حربتها.
حاولت واشنطن، خلال الأشهر الماضية، توسيع دائرة المقاتلين العرب، بضم مجموعات أخرى في قتال التنظيم، مثل "الجيش الثوري في الرقة"، وعشائر عربية لا بد من تأمين دعمها لإحراز نصر على التنظيم، فضلاً عن إدخال قوات كردية من خارج "وحدات حماية الشعب الكردي"، و"وحدات حماية المرأة"، مثل بشمركة روج آفا، وهم الجنود الكرد المنشقون عن قوات النظام ممن تلقوا تدريباتٍ في إقليم كردستان العراق.
وتهدف الإدارة الأميركية وأنقرة من هذه الخطوة إلى عدم حصر الوجود العسكري الكردي بـ"وحدات حماية الشعب" (YPG) الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، فهي تفضل أن تكون السيطرة في الشمال والشمال الشرقي من سورية بأياد متنوعة إثنياً، تضم العرب والأكراد بمجمل مكوناتهم السياسية لتحقيق هدفين: الحيلولة دون خضوع الأكراد لقوة واحدة تهيمن على القرار الكردي بمفردها، وتمارس سياستها ضمن أهدافها الضيقة. الحيلولة دون بقاء القوات العربية وحدها في الميدان، فمن شأن وجود قوات كردية رديفة لها أن يمنع القوى العربية من الانزياح عن الهدف الأميركي.
بيد أن مشكلة معركة الرقة تكمن في الجهة التي ستقوم بعملية التحرير على الأرض، فليس لدى الأكراد قاعدة شعبية في الرقة، بل على العكس، أدت تجربتهم في الحكم داخل مدن الرقة، ومنها تل أبيض، على سبيل المثال، إلى وجود شرخ بينهم وبين السكان العرب الذين وجدوا أنفسهم أقرب إلى التنظيم من الأكراد، نتيجة الأخطاء التي ارتكبوها في الرقة. ومن جهة أخرى، لا توجد قوى عربية مقاتلة، من شأنها أن تكون بديلاً عن الأكراد، أو على الأقل تكون حليفاً مكافئاً لهم في المعركة، فالعشائر والقوى منقسمة حيال هذا الأمر، وتجربة "ثوار الرقة" و"غرفة عمليات الفرات" و"جيش العشائر" أوضح مثال على ذلك.
المشكلة أن الولايات المتحدة تقع بين مطرقة الضغوط والتهديدات التركية وسندان الحاجة إلى تحرير الرقة، وليس لديها حليف حقيقي وجدّي على الأرض سوى القوى الكردية، وإن كانت تحت غطاء تحالف فيه مزيج عربي (قوات سوريا الديمقراطية)، ويبدو من الصعوبة بمكان التوفيق بين هذه المطالب المتناقضة.