العرب أمام امتحان أحمد أبو الغيط
إحقاقاً للحق، يستحق صُناع فيلم "عكاشة في إسرائيل" جائزة الأوسكار، في التأليف والإخراج والتصوير، بعد أن نجح الفيلم، سياسياً وتجارياً، محققاً أهدافه ببراعة.
قلت، منذ البداية، إن عكاشة هو النظام (السيسي)، النظام هو عكاشة، وما جرى لم يكن قفزاً عشوائياً، من لاعب سيرك قرّر أن يشتغل لحسابه، بل كان ينفذ مهمةً مدروسة بعناية.
كل عناصر العمل أدت أدوارها ببراعة، من أبطال الصف الثاني، إلى مجاميع الكومبارس، فاستطاع المنتج تحقيق أرباح وإيرادات هائلة، من الجمهور المستهدف.
"عملية عكاشة" جرت برعاية كاملة من نظام عبد الفتاح السيسي، وأراد بها تجديد الولاء لإسرائيل، وإعادة شحن بطارية الدعم الصهيوني، في لحظةٍ بدا فيها النظام مأزوماً، خارجياً وداخلياً، فكان لا بد من الاندفاع في مسار التطبيع بالسرعة القصوى، لتشتعل الشاشات والصفحات بلقطات عكاشة مع السفير الصهيوني، ثم عكاشة في البرلمان، وأخيراً عكاشة على الشاشة، يعدّد أفضال الصهاينة على عبد الفتاح السيسي، ويقول إن الأخير أشد حماساً للتطبيع مع إسرائيل، وأبعد سيراً في طريق التعاون والتعامل والتحالف مع الكيان الصهيوني منه.
كان يمكنهم أن يُسكتوا عكاشة، بقطع الإرسال أو إغلاق قناته، كما فعلوها كثيراً، وكان بمقدورهم، إن أرادوا، رفع الحصانة عنه، وكان باستطاعتهم، لو شاؤوا، أن يتبرّؤوا منه، أو يكذّبوا ما ادّعى به على عبد الفتاح السيسي، ووصف به تفاصيل علاقته برئيس الوزراء الصهيوني، لكنهم لم يُقدموا على شيء من ذلك، ولن يفعلوا، بل تكاد تلمحهم واقفين خلف الستار، يشدون على يدي عكاشة، ويثنون على حسن أدائه، ويكافئونه.
السياق العكاشي امتد إلى ما هو أبعد، حين استخرج نظام عبد الفتاح السيسي أحمد أبو الغيط من خزينة ملابس حسني مبارك المستعملة، وطرحوه أميناً لجامعة الدول العربية، لخلافة نبيل العربي، وراحوا يسوّقونه لدى عواصم العرب مرشحاً وحيداً.
لا يذكر اسم أحمد أبو الغيط، إلا ملتصقاً باسم تسيبي ليفني، وزيرة خارجية الكيان الصهيوني، التي كان أبو الغيط يجاهد كي لا تنزلق قدماها على درج، في اللحظة التي كان يتوعد فيها الفلسطينيين بكسر أقدامهم، إن فكروا في ملامسة الأراضي، هرباً من القصف الإسرائيلي الوحشي على غزة.
أبو الغيط هو العدو الأبرز لثورة يناير، والذي لغّم الدبلوماسية لحظة خلع حسني مبارك، حين أجرى حركة تعيينات للسفراء في الحادي عشر من فبراير/شباط 2011، وحملت توقيع مبارك الذي كان قد فقد منصبه الرئاسي رسمياً في تلك اللحظة.
في ذلك الوقت، نشرت تحت عنوان "سفراء آخر الليل في عزبة أبو الغيط"، نداء أو استغاثة من شرفاء الخارجية المصرية إلى رئيس المجلس العسكرى الحاكم، يطالبونه فيه بإلغاء القرار، لما به من عوار دستوري وقانوني، ومعناه الوحيد القبول بأن مصر، ولسنوات أربع مقبلة، سيمثلها أيضاً بعض الذين كانوا جزءاً من المشكلة، وتربّحوا وأفسدوا وأضرّوا بمصالح المصريين فى الخارج.
لا يمكن النظر إلى عملية تسويق أبو الغيط، أميناً للجامعة، بمعزل عن إنتاج فيلم عكاشة، رسولاً للتطبيع، فالمعني بالرسالة هو الكيان الصهيوني، ومضمونها "ماضون على درب المشيئة الإسرائيلية"، وكما تعبر عنها السعادة الطافحة من برقيات سفير السيسي الجديد في إسرائيل، عب لقائه بقياداتها، حيث كتب يقول "قدّمت اليوم أوراق اعتمادي لسيادة الرئيس ريفيلين، وتناقشنا في مناخ بنّاء عن القضايا الملحّة، واتفقنا على العمل معاً".
ويبقى ترشيح "صديق ليفني" لمنصب أمين عام الجامعة اختباراً حقيقياً لكل العواصم العربية، إذ يعني تمريره والقبول به تصويتاً لصالح الرغبة الإسرائيلية، وإقراراً صامتاً، وإذعاناً تاماً لإرادة التطبيع، كما كان يلتزم بها حسني مبارك. ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فقد رفض العرب ترشيح مصطفى الفقي للمنصب نفسه بعد ثلاثة أشهر من خلع مبارك، لأسباب تتعلق بكونه واجهة لنظامٍ، كان يوصف بأنه "كنز استراتيجي لإسرائيل"، فكان ترشيح نبيل العربي بديلاً مقبولاً بالإجماع.
جاءكم من يثير ترشيحه فرح إسرائيل، فماذا أنتم فاعلون؟