انفتاح إيران على العالم

16 فبراير 2016
+ الخط -
تبدو إيران مقْدمة على تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة وهيكلية، فالتسوية التي تمت مع الغرب حول ملفها النووي ستمكنها من التصرف في ثروتها بشكل واسع ومتنوع، بعد أن تم رفع الحظر عن مدخراتها المالية. ولهذا السبب، يسعى الجميع الآن نحو كسب ود الإيرانيين، من أجل الحصول على أكبر الصفقات في مختلف القطاعات والمجالات. استقبل الرئيس حسن روحاني بحفاوة كبيرة من عديد الرؤساء لدول كبرى، كانت تقف بشراسة ضد الجهورية الإيرانية، وبعد أن كانت هذه الدول تخيف العالم مما كانت تسميه الخطر النووي الإيراني، أصبحت تعتبر اليوم من أفضل الزبائن لطهران.
من جهة الإيرانيين، هناك حالة من الزهو العام، حيث نجح النظام في تسويق الاتفاق مع الدول الغربية على كونه نصراً سياسياً ودبلوماسياً على "أعداء الثورة". ويصر المسؤولون في طهران، بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين للثورة، على القول إنهم لم يتنازلوا عن أي حق من حقوقهم تجاه أعدائهم. وقد تردّدت في الاحتفالات الشعبية التي نظمت لإحياء هذه الذكرى شعارات عديدة معادية للغرب، ومنها "الموت لأميركا". وبطبيعة الحال، كان يقف وراء ذلك المحافظون، ولاسيما المتشددون منهم، بهدف توجيه رسائل عديدة لجهات داخلية وخارجية. فهم من جهة يريدون إقناع الإيرانيين بأن التيار المحافظ هو الحارس الحقيقي و"الدائم" للثورة والدولة، وأن تسوية الملف النووي لا تعني أن البلاد مقدمةٌ على تغيرات كبرى، من شأنها أن تمس من جوهر النمط المجتمعي والسياسي للحكم. كما يريد المحافظون إشعار الغربيين بأن تسوية الملف النووي لن تكون مدخلاً لابتزاز إيران، ومحاولة تركيعها والمس بسيادتها.
على الرغم من هذه الأصوات المرتفعة بقوة في قلب طهران، فإن مؤشرات عديدة تشير إلى أن تفكيك اللغم النووي ستكون له تداعيات واسعة على مستقبل العلاقات الإيرانية الغربية. لقد اقتنع المسؤولون المحليون بأن الاستمرار في مواجهة الغرب من أجل التوصل إلى اكتساب السلاح النووي لن يكون مفيداً، وأن ذلك سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإيراني، خصوصاً بعد التراجع الدراماتيكي لأسعار النفط. ولهذا، اضطر الأكثر حماسة لهذا الهدف أن يتراجعوا عن حلمهم. وعلى الرغم من ذكاء المفاوض الإيراني خلال المسلسل الطويل والمضني للمفاوضات، إلا أن من شأن ما تم التوصل إليه أن يؤدي إلى انفتاح إيراني واسع وسريع على القوى الغربية، بغرض تدارك ما خسر اقتصاد هذا البلد طوال فترات الحصار الدولي. وإذ حقق الإيرانيون مكاسب عديدة خلال هذا الصراع، إلا أن العولمة ستفعل فعلها بشكل أوسع وأسرع في الفترة المقبلة.
تحولت إيران الثورة إلى ذكرى، واستبدلت بإيران الدولة. هذا التحول الجذري المتواصل فجر تناقضات مهمة وعديدة، ومهد الطريق أمام تحولات أخرى، لن يكون في الوسع تجاهلها أو إيقافها.
من هذه التحولات التي ستحصل، ارتفاع نسق ارتباط الاقتصاد الإيراني بالاقتصاد العالمي، وسيكون لذلك ثمن لا يمكن التقليل من حجمه وتأثيراته المتعددة. كما أن من شأن هذا الانفتاح أن يقلص من فعالية "السياسات الحمائية" التي اعتمدها النظام الإيراني طوال المرحلة السابقة ليعزل مجتمعه عن الغرب، في حين أن من يزور إيران حالياً يلاحظ النسق المتزايد لامتدادات العولمة، وهو ما يتجلى في تأثر الشباب الإيراني بالمنتجات الغربية، وحتى بطرائق التفكير واللباس، وغيرها من التعبيرات الثقافية، وذلك على الرغم من استمرار الشحن الأيديولوجي.
الأكيد أن النفوذ الإيراني زاد وتعزّز. كما أن هذا البلد قد تحول إلى قوة إقليميةٍ لا يُستهان بها، وهو ما جعل الغرب، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأميركية، يغير سياساته السابقة، ويعمل على منهج الاحتواء بدل العزل. لكن، لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة، فإيران مدعوة إلى بناء خطة جديدة، تقوم على تحقيق مصالحة جدية مع محيطها الإقليمي، إلى جانب رفع سقف الحريات والعمل على بناء الشخصية الوطنية المبدعة والمؤمنة، في سياق علاقة جدلية مع الآخرين، وليس بمعزل عنهم، أو بصراع مفتوح ودائم ضدهم.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس