قصة مكرّرة، فأين نحن؟

08 نوفمبر 2016
+ الخط -
لا جديد، إنها القصة نفسها التي حدثت في دولٍ كثيرة، ولكن بسيناريوهات مختلفة. استطاعت بعض الدول تجاوز الأزمة، وتصحيح المسار والنهوض والتقدم بسبب الديمقراطية والشفافية والحكم الرشيد، وهناك دول أخرى لا تزال في الحلقة المفرغة نفسها.
سيناريوهات كثيرة متشابهة قد تصل إلى درجه التطابق حدثت من قبل في أميركا الجنوبية وأفريقيا منذ عقود، ولكن معظم دول أميركا الجنوبية استطاعت الخروج من تلك الدوامة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، وتحسّنت أحوالها كثيراً، وتحولت بعضها من دولٍ ناميةٍ إلى دول منتجة ومصدرة ومؤثرة في الاقتصاد الدولي والأحداث الدولية، بينما لا تزال معظم أفريقيا تعاني من الفساد والاستبداد والانقلابات العسكرية المتكرّرة التي تكون بالأهداف المعلنة نفسها، لكنها تقوم بالأداء نفسه الذي يؤدي إلى الفقر والتخلف.
تبدأ القصة دائماً بأزمة سياسية بين القوى السياسية المدنية، وغالباً ما تكون الأزمة مفتعلة، وبعد عناء جميع الأطراف، حكومة ومعارضة، يصلون إلى طريق مسدود، ويزداد الأمر سخونةً، ويتأزم الوضع أكثر، فتضطر المؤسسة العسكرية إلى التدخل والاستيلاء على السلطة، ولا بد من وجود بعض التأييد الشعبي السابق، أو اللاحق للتحرك العسكري. ولذلك، تتوقف درجة القمع على حسب مدى قبول الأطراف السياسية المدنية ذلك التحرك العسكري، فقد يحدث أن يتم اعتقال كل الأطراف السياسية وقمعها، حكومة أو معارضة، وأحياناً يتم التنكيل بالأطراف المعارضة فقط، أو التي يتوقع منها معارضة التدخل العسكري.
وعندما تتولى المؤسسة العسكرية الحكم في أي دولةٍ، تصبح عرضةً لأن تكون موضوع لوم وإدانة لأي أخطاء وإخفاقات، لأن تدخل المؤسسة العسكرية دائماً، يكون بحجة فشل المدنيين أو فشل النظام الحاكم. ولذلك، تكون هناك وعودٌ كثيرة بالاستقرار والرخاء، مصاحبة لبداية التدخل العسكري، وتكون شرعية الإنجازات هي الشرعية الوحيدة للحاكم العسكري، أو الحاكم المدني ذي الخلفية العسكرية، أو المعتمد على أساس عسكري، فالشرعية تكون مهزوزةً من البداية.
وعادة، وفي معظم التجارب التي تمت دراستها في أبحاث العلاقات العسكرية، تعتمد المؤسسة العسكرية على إقامة حكم سلطوي طويل المدى، بما يضمن مصالح امتيازات المؤسسة، ويعززها إلى أقصى درجة. وقد جرت العادة في دول العالم الثالث على تسويق مبرّرين للجماهير والقوى الدولية، هما الحفاظ على الاستقرار والأمن القومي وتحقيق التنمية الاقتصادية والرخاء، وقد تستغرق هذه الأهداف سنواتٍ طويلة لبدء تحقيقها، ما يدفع منظومة الحكم إلى البحث عن مبرّرات أخرى للدفاع عن الوجود الطويل في السلطة، حتى تتحقق الأهداف، والتي عادة لا تتحقق، ومع عدم تحقق الوعود، وطول فترة البقاء في السلطة، يبدأ التململ والاعتراض.
وفي تجارب كثيرة في دول العالم الثالث، يبدأ النظام العسكري فترة حكمه باتخاذ إجراءات
استثنائيةٍ، أو احترازيةٍ، بمبرر ضبط الأوضاع وإعادة الأمن أو إنقاذ الوطن. وبشكل عام، لا تستطيع المؤسسات العسكرية في معظم دول العالم فهْم مفاهيم، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشاركة المجتمعية والشفافية والحكم الرشيد، واستيعابها، وتعتبر أنه لا جدوى من هذه المفاهيم، وتعتبرها مضيعة للوقت، وربما يتم تنفير الناس من هذه المفاهيم، وتسويق أنها مؤامرة خارجية.
وأحياناً، مع الضغوط الداخلية أو الدولية، قد يلجأ النظام العسكري، أو الحاكم ذو الخلفية العسكرية، إلى إنشاء واجهةٍ تعدّديةٍ أو ديمقراطية إجرائية صورية، بهدف تقليل الانتقادات الدولية. ولكن، مع الاحتفاظ بجوهر النظام العسكري السلطوي، مثل التضييق على المعارضين والأحكام القاسية، أو مطاردة الأصوات المعترضة، أو باقي السبل التي تضمن السيطرة. وأيضا من المتبع في تلك القصة المتكرّرة في دول العالم الثالث أن يسعى النظام العسكري إلى تحقيق أي نمو اقتصادي سريع، لتعويض شرعيته المنقوصة، فيضطر إلى الحصول على قروضٍ عديدة وإقامة مشروعاتٍ كبرى، بهدف لفت الأنظار، أو تدعيم شعبيته وشرعيته. وقد يحدث بعض النمو السريع مع خطاب وطني عاطفي. ولكن، عادة وفي معظم دول العالم الثالث التي مرّت بتجارب الحكم العسكري، أو التدخل العسكري، يحدث تدهور اقتصادي على المدى المتوسط أو المدى الطويل، ويفشل الرهان على تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي، تحت الحكم العسكري، أو شبه العسكري، أو المدني ذي الخلفية العسكرية، تبدأ الأصوات المعارضة في الظهور، وتبدأ الاضطرابات والاحتجاجات الجماهيرية. وهذا يفتح الباب أمام عدة اختياراتٍ، حدثت بالفعل.
في تجارب كثيرة، وخصوصاً في أفريقيا، يستخدم النظام العسكري، أو شبه العسكري، مزيداً من القمع، وإغلاق المجال العام لإخماد أية اضطرابات واحتجاجات، وقد ينجح هذا فترة قصيرة، لكن الاضطرابات والثورات تعود مع استمرار القروض والفشل الإداري وإهدار الموارد المالية والبشرية، ثم تدخل الدول في حلقةٍ مفرغةٍ ودوامةٍ من الانقلابات والانقلابات المضادة، بعد سلسلة طويلة من الفوضى والاحتجاجات الشعبية التي يستغلها عسكريون آخرون، يدخلون بهدف الحفاظ على النظام والامتيازات العسكرية، أو لتحقيق طموحاتٍ شخصيةٍ في أحيان أخرى.
وهناك تجارب أخرى، يزداد فيها القمع والاستقرار المؤقت، حتى تعود الاضطرابات من جديد
التي يعقبها تدخل جديد للمؤسسة العسكرية، وإطاحة بعض الرموز، بهدف الحفاظ على امتيازات ووضع المؤسسة العسكرية، ثم يحدث اتفاق مع القوى السياسية المدنية على صيغةٍ ما، لاقتسام السلطة، أو المشاركة أو المحافظة على امتيازات المؤسسة العسكرية. ولكن، كثيراً ما يحدث هذا بعد فوات الأوان، وبعد تدمير موارد كثيرة في الاضطرابات، وتوقف المؤسسات، وهروب الاستثمارات، وهذا ما حدث في بعض دول أميركا الجنوبية التي لا تزال تعاني من آثار الحكم العسكري وما ترتب عليه.
وهناك دول أكثر حظاً، مثل كوريا الجنوبية والبرازيل، استطاعت الوصول إلى اتفاق مبكر، بعد فترة قصيرة من الاضطرابات والانقلابات العسكرية. وهذا الاتفاق بين القوى السياسية والمؤسسة العسكرية ضمن عودة التعددية والديمقراطية والحكم المدني، مع المحافظة على خصوصية المؤسسة العسكرية، ما أدى إلى الاستقرار وتماسك الجبهة الداخلية، وأدى إلى عودة الديمقراطية، وتداول السلطة، وعودة الاستثمارات والصناعة والنمو والرخاء، فأين نحن؟
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017