03 اغسطس 2022
هل يكتوي الحريري بنار تسوية رئاسة الحكومة؟
أخيرا، وبعد سنتين ونصف من الفراغ الرئاسي الذي شل المؤسسات ووضع الدولة اللبنانية على حافة الإفلاس، اكتملت "التسوية - الصفقة" بانتخاب زعيم التيار الوطني الحر، العماد ميشال عون، رئيسا للجمهورية، وتكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة. كيف حصلت هذه التسوية، ومن هو عرّاب هذه الصفقة ومهندسها في زمن الصراع المحتدم إقليمياً، وفي مرحلة يكتنفها الغموض والترقب دوليا. كلام كثير قيل، وترجيحات متضاربة عجزت عن تفسير حصول تفاهم سعودي إيراني حول لبنان، في وقت تتواجه الدولتان على امتداد رقعة الشرق الأوسط، من سورية إلى العراق، ومن اليمن إلى البحرين.
وقد ثبتت هذه التسوية، وعزّزت اللعبة الديمقراطية مذهبياً، عبر جلوس "الأقوياء" كل في طائفته، من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة، وإلى رئاسة مجلس النواب، وهي مقولة يطالب بها عون نفسه الذي يعتبر أنه "الأقوى"، والأكثر تمثيلا بين المسيحيين، مدعوما في هذا الموقف من حزب الله الذي كان له اليد الطولى في نسج خيوط "معادلة الأقوياء"، المجسّدة شيعياً بنبيه بري، أحد قطبي "الثنائية الشيعية". وكي تكتمل المعادلة، وتبرر نفسها، كان لا بد من عودة "الأقوى" سنياً الى رئاسة الوزراء، وإنما بشروطهم. لذلك، بعد إنجاز هذه "التسوية - الصفقة" انكفأ اللاعبون، تاركين نجل رفيق الحريري وحده في الساحة، يخوض غمار مجازفة تشكيل الحكومة ومواجهة العقد والشروط والشروط المضادة لمختلف القوى والكتل النيابية.
استعان الجنرال السابق الذي أصبح الرئيس الماروني "القوي"، على "حاجته"، بالتعطيل على سنتين ونصف السنة، مستقويا بمن بيده سلطة القوة والابتزاز داخلياً واقليمياً، متنكراً حتى لأقرب الحلفاء، فلم يجد حرجاً في الذهاب إلى تسويةٍ مع من طالبه بـ "مغادرة لبنان من دون تذكرة عودة". وهو اليوم يحقّق حلمه بالجلوس في القصر الرئاسي. أما الشيعي "القوي" والمخضرم فهو يتربع على كرسي رئاسة المجلس منذ ربع قرن، مستعيناً بدهائه وباتقانه "أصول" اللعبة السياسية التي يعلم بخباياها وبكيفية حبك خيوطها، والأهم أنه مدعومٌ بتوأمه الأقوى في "ثنائية شيعية"، تستقوي بـ "حقوق الشيعة" تارة، وبالميثاقية تارة أخرى.
وهذا ما دفع المسيحيين "الشاردين" عن دورهم المؤسس للبنان، ولدوره الحضاري الجامع، إلى البحث عن "ثنائية مسيحية" مماثلة، تخرجهم من "إحباطهم" وتعيد إليهم "حقوقهم"، من دون أن يعرف بالظبط من هم "مغتصبوها"! وبما أنهم لم يتمكنوا من إنتاج قيادات جديدة إصلاحية استشراقية، عاد ميشال عون وسمير جعجع إلى الواجهة، ثم العناق بعد أكثر من ربع قرن من الخصومة والاقتتال. وشكل الاثنان "ثنائية مسيحية" على غرار "الثنائية الشيعية" مهدت لـ"عودة" الجنرال إلى "قصر الشعب"، بعد خروجه منه قبل 26 سنة.
وكان الثلاثي الممانع "الشيعي- العوني- الأسدي" قد أخرج الحريري من رئاسة الحكومة عام
2011، واضطره إلى الابتعاد عن لبنان نحو خمس سنوات، زارعا بذور التململ والإحباط في صفوف قواعده السنية التي راحت تتقاذفها عواصف المد الأصولي في المنطقة الذي شوه انتفاضات "الربيع العربي"، من سورية إلى العراق واليمن، وراح يقترب من السعودية. عاد الحريري، وراح يبحث عن "ثنائية سنية" غير موجودة، ما اضطره إلى الاستعاضة عنها بجمع شمل سني (أرادته السعودية) لا يقدم ولا يؤخر، قبل أن ينفتح على سليمان فرنجية، ألد الأخصام وأكثرهم "أسديةً"، من أجل العودة إلى السراي. وحين سدت كل السبل في وجهه، نتيجة إحكام طوق "التعطيل والممانعة"، بدا حائراً هائماً على جهه، ولم يعد أمامه سوى الأخذ بنصائح بعضٍ ممن حوله من المتعطشين إلى السلطة والنفوذ الذين أوهموه أن "تعويض الثروة التي بدّدها في الثورة"، على ما جاء على لسانه، يكون بالعودة إلى السلطة، عبر صفقةٍ يعقدها تحديداً مع من أخرجه من الحكم، وتمنى رحيله نهائيا عن لبنان.
أنجزت "التسوية - الصفقة"، وحقق الجنرال حلمه بالجلوس على كرسي بعبدا رئيساً، ورد الجميل للزعيم السني بأن التزم تكليفه تشكيل حكومة العهد، مرخياً حبل التأليف على أكتاف الحريري الشاب، غير أن استشارات الترشيح تحولت إلى ما يشبه المبايعة بحصول الحريري على أصوات 109 من أصل 127 نائبا في البرلمان، فيما سارع شيخ "الثنائية الشيعية" إلى تعويض امتناع حزب الله عن ترشيح زعيم تيار المستقبل بإعلان "تسديده" ما اعتبره ديناً عليه تجاه تجاه رفيق الحريري، كان قد التزمه بقوله إنه "مع الحريري ظالماً أم مظلوما" (!).
بمعنى آخر، وهنا بين القصيد، يقول لسان حالهم إن ما يعنيهم من "التسوية-الصفقة" قد أنجز، وأنهم قاموا بما عليهم، وعلى الحريري الآن، أن يتدبر أمره طالما أنه، وبحسرة الجنرال، حصل على أكثريةٍ، فاقت ما حصل هو عليها عند انتخابه رئيساً، ولأن التزامهم هو فقط بايصال الجنرال إلى القصر الجمهوري، يقول حزب الله، فيما قام بري بما "أملاه عليه ضميره". تقع مسوؤلية تأليف الحكومة، إذن، على عاتق الحريري الذي بدأ يواجه بالضبط عراقيل من عقد معهم الصفقة، في سيناريو يشبه، إلى حد بعيد، ما حصل معه عند تشكيل حكومته الأولى في صيف 2009. يومها، ظل التأليف معلقا خمسة أشهر، كرمى عيون صهر الجنرال جبران باسيل الذي كان يومها مغموراً.
تتكرر شروط "الثنائي الشيعي" اليوم فيما يخص الحقائب الوزارية والحصص، بالنسبة لرئيس
حركة أمل الذي يصر على وزارة المال، وأقله وزارة خدماتية، عنوانها وزارة الطاقة، وهما وزارتان يصر "التيار العوني" على الاحتفاظ بهما، ناهيك عن مطالبتهما بقانون انتخاب قائم على النسبية، لا يرضى به تيار المستقبل. أما الشروط السياسية فيتولاها حزب الله الذي يعتبر نفسه غير معني بإعادة "تعويم" الحريري الذي يناصبه العداء، ولا يتوانى عن وصف الأسد الذي يدافع عنه الحزب، ويقاتل إلى جانبه بالمجرم. من دون نسيان شروط الأطراف الأخرى المتضاربة والمتداخلة، مثل مطالبة جعجع أيضاً بحقيبة سيادية، كالدفاع أو الداخلية، وأخرى خدماتية، وهذا ما يرفضه حزب الله.
حاول الحريري، وفور تكليفه رسمياً تشكيل الحكومة، تعويم شعبيته وإثبات أنه الزعيم "الأقوى" سنياً، عبر احتفالات وتظاهرات في بيروت وطرابلس وصيدا وغيرها. فهل يعينه هذا على تحاشي الاحتراق في نار الشروط والشروط المضادة لـ "الأقووين"، مسيحياً وشيعيا؟
وقد ثبتت هذه التسوية، وعزّزت اللعبة الديمقراطية مذهبياً، عبر جلوس "الأقوياء" كل في طائفته، من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة، وإلى رئاسة مجلس النواب، وهي مقولة يطالب بها عون نفسه الذي يعتبر أنه "الأقوى"، والأكثر تمثيلا بين المسيحيين، مدعوما في هذا الموقف من حزب الله الذي كان له اليد الطولى في نسج خيوط "معادلة الأقوياء"، المجسّدة شيعياً بنبيه بري، أحد قطبي "الثنائية الشيعية". وكي تكتمل المعادلة، وتبرر نفسها، كان لا بد من عودة "الأقوى" سنياً الى رئاسة الوزراء، وإنما بشروطهم. لذلك، بعد إنجاز هذه "التسوية - الصفقة" انكفأ اللاعبون، تاركين نجل رفيق الحريري وحده في الساحة، يخوض غمار مجازفة تشكيل الحكومة ومواجهة العقد والشروط والشروط المضادة لمختلف القوى والكتل النيابية.
استعان الجنرال السابق الذي أصبح الرئيس الماروني "القوي"، على "حاجته"، بالتعطيل على سنتين ونصف السنة، مستقويا بمن بيده سلطة القوة والابتزاز داخلياً واقليمياً، متنكراً حتى لأقرب الحلفاء، فلم يجد حرجاً في الذهاب إلى تسويةٍ مع من طالبه بـ "مغادرة لبنان من دون تذكرة عودة". وهو اليوم يحقّق حلمه بالجلوس في القصر الرئاسي. أما الشيعي "القوي" والمخضرم فهو يتربع على كرسي رئاسة المجلس منذ ربع قرن، مستعيناً بدهائه وباتقانه "أصول" اللعبة السياسية التي يعلم بخباياها وبكيفية حبك خيوطها، والأهم أنه مدعومٌ بتوأمه الأقوى في "ثنائية شيعية"، تستقوي بـ "حقوق الشيعة" تارة، وبالميثاقية تارة أخرى.
وهذا ما دفع المسيحيين "الشاردين" عن دورهم المؤسس للبنان، ولدوره الحضاري الجامع، إلى البحث عن "ثنائية مسيحية" مماثلة، تخرجهم من "إحباطهم" وتعيد إليهم "حقوقهم"، من دون أن يعرف بالظبط من هم "مغتصبوها"! وبما أنهم لم يتمكنوا من إنتاج قيادات جديدة إصلاحية استشراقية، عاد ميشال عون وسمير جعجع إلى الواجهة، ثم العناق بعد أكثر من ربع قرن من الخصومة والاقتتال. وشكل الاثنان "ثنائية مسيحية" على غرار "الثنائية الشيعية" مهدت لـ"عودة" الجنرال إلى "قصر الشعب"، بعد خروجه منه قبل 26 سنة.
وكان الثلاثي الممانع "الشيعي- العوني- الأسدي" قد أخرج الحريري من رئاسة الحكومة عام
أنجزت "التسوية - الصفقة"، وحقق الجنرال حلمه بالجلوس على كرسي بعبدا رئيساً، ورد الجميل للزعيم السني بأن التزم تكليفه تشكيل حكومة العهد، مرخياً حبل التأليف على أكتاف الحريري الشاب، غير أن استشارات الترشيح تحولت إلى ما يشبه المبايعة بحصول الحريري على أصوات 109 من أصل 127 نائبا في البرلمان، فيما سارع شيخ "الثنائية الشيعية" إلى تعويض امتناع حزب الله عن ترشيح زعيم تيار المستقبل بإعلان "تسديده" ما اعتبره ديناً عليه تجاه تجاه رفيق الحريري، كان قد التزمه بقوله إنه "مع الحريري ظالماً أم مظلوما" (!).
بمعنى آخر، وهنا بين القصيد، يقول لسان حالهم إن ما يعنيهم من "التسوية-الصفقة" قد أنجز، وأنهم قاموا بما عليهم، وعلى الحريري الآن، أن يتدبر أمره طالما أنه، وبحسرة الجنرال، حصل على أكثريةٍ، فاقت ما حصل هو عليها عند انتخابه رئيساً، ولأن التزامهم هو فقط بايصال الجنرال إلى القصر الجمهوري، يقول حزب الله، فيما قام بري بما "أملاه عليه ضميره". تقع مسوؤلية تأليف الحكومة، إذن، على عاتق الحريري الذي بدأ يواجه بالضبط عراقيل من عقد معهم الصفقة، في سيناريو يشبه، إلى حد بعيد، ما حصل معه عند تشكيل حكومته الأولى في صيف 2009. يومها، ظل التأليف معلقا خمسة أشهر، كرمى عيون صهر الجنرال جبران باسيل الذي كان يومها مغموراً.
تتكرر شروط "الثنائي الشيعي" اليوم فيما يخص الحقائب الوزارية والحصص، بالنسبة لرئيس
حاول الحريري، وفور تكليفه رسمياً تشكيل الحكومة، تعويم شعبيته وإثبات أنه الزعيم "الأقوى" سنياً، عبر احتفالات وتظاهرات في بيروت وطرابلس وصيدا وغيرها. فهل يعينه هذا على تحاشي الاحتراق في نار الشروط والشروط المضادة لـ "الأقووين"، مسيحياً وشيعيا؟