10 نوفمبر 2024
الإعلام الغربي بالعربية
منذ عقودٍ عدة، التفتت بعض الدول الغربية إلى أهمية التوجّه إلى الشعوب العربية، بوسائل إعلامية ناطقة بلغة الضاد. وعموماً، وفي البدايات، فقد انحصرت هذه الظاهرة بالإذاعات، لتتطور، فيما بعد، بالوصول إلى المحطات الفضائية. وجرى، بشكل نادر، الاعتماد على الإعلام المكتوب، بعكس ما كانت تسلكه دول المحور الشيوعي سابقاً، حيث كانت تُصدر مجلات بالعربية (مثال الاتحاد السوفييتي وألمانيا الديمقراطية)، إضافة إلى إذاعاتها. ولم تعرف المكتبة العلمية في إطار العلوم الاجتماعية وعلوم الاتصال، عربياً على الأقل، دراسات وتحليلات جادة حول عمل هذه الإذاعات وتأثيرها إلا النزر القليل. ولكنها على الرغم من ذلك، نالت ما نالته من انتقاد، أو من تقييم، أو من توصيات خطّها عددٌ من الباحثين المجتهدين، ومن هم أقل اجتهاداً.
ومن أعرق هذه الإذاعات باللغة العربية، تبقى هيئة الإذاعة البريطانية الرائدة والأقدم، تلتها إذاعاتٌ تميّزت، كإذاعة مونت كارلو، قبل اندماجها في إذاعة فرنسا الدولية، كما صوت أميركا والإذاعتان الألمانية والهولندية. على الرغم من التنامي والتكاثر، إلا أن الإذاعتين، البريطانية والفرنسية، حازتا على شهرة واسعة، وتأثير مهم في جمهور المستمعين العرب، خصوصاً في أثناء الأزمات، وما أكثر تواترها في المنطقة العربية. وعلى الرغم من أن الفرنسيين التفّوا على التسمية المباشرة بدايةً لصوت فرنسا الإذاعي، باستئجار اسم محايد (مونت كارلو)، عكس البريطانيين، إلا أن الأمر كان واضح المصدر.
اختلفت الاجتهادات في تفسير الخطوط التحريرية لكل من الإذاعتين، إلا أن إجماع من تابع، بمنهجية علمية، الخط التحريري كما الخطاب الإعلامي، شهد، إضافة إلى المهنية المتباينة، اختلافاً جذرياً في العلاقة مع البلد "الأم": بريطانيا في حالة "بي بي سي"، وفرنسا في حالة "مونت كارلو"، فضمن تقاليد عريقة، ابتعد العاملون العرب في الإذاعة البريطانية، عموماً، عن عكس آرائهم وأيديولوجياتهم وانتماءاتهم على أدائهم إلا لماماً. وعلى النقيض تماماً، فقد "تميّزت" الإذاعة "الفرنسية" بترجمة التباينات بين العاملين فيها، في الحقل الإخباري تحديداً، خصوصاً في الفترات التي شهدت صراعات عربية/ عربية أو حروباً أهلية. وقد كان الاستقطاب، إبّان الحرب الأهلية اللبنانية، صارخاً إلى درجةٍ تبعث على التندّر.
مع تقدم السنين وتطور وسائل الإعلام وظهور الفضائيات، تنبّهت الدول المؤثّرة إلى ضرورة
توسيع التغطية الإعلامية إلى الفضاء التلفزيوني، فظهرت المحطات الفضائية، والتي استقطبت عاملين عديدين في الإذاعات المذكورة سابقاً. وتوسّعت الساحة التنافسية بين الدول التي لها مصالح مباشرة أو غير مباشرة في المنطقة العربية. وظهر نوعان من الخطاب الإعلامي، استنبطا ما سبق وجرى توصيفه في الحالة الإذاعية، فتمسكت بعض المحطات باللغة المهنية، بعيداً عن عقائد العاملين فيها ومعتقداتهم. وهذا الأمر عائد إلى وضوح السياسة التحريرية للقائمين عليها، وهم غالباً من غير العرب. وبرز في خطاب محطاتٍ أخرى، فمن جهة، التوجه الدعائي والترويجي لسياسات البلد "الأم"، مثل محطة "روسيا اليوم"، أو أنها وقعت في حالة استقطاب مرتبط بالتوجهات العقائدية أو بالأصول الوطنية أو الدينية أو الاثنية للعاملين فيها، كما يتابع أحياناً الملاحظ المتجرّد للمحطة الإخبارية الفرنسية باللغة العربية "فرنسا 24". وعلى الرغم من الإمكانات التقنية والمالية المناسبة نسبياً لعمل هذه المحطة، إلا أن التجاذبات المذكورة أعلاه تؤثّر سلبياً على نتاجها الإعلامي، على الرغم من كل النيات الحسنة. وبالطبع، ليس من المنتظر أن تقوم المحطات الغربية الممولة من دافعي الضرائب بالترويج الممجوج لسياسات دولها، فهذا متروك لإعلام العالم الثالث ولروسيا البوتينية ومثيلاتها. ولا يمكن أن يُعتبر توجهها النقدي، إن وجد، تجاه سياسة الدولة "الأم"، إلا مؤشراً على ترسيخ التقاليد الديمقراطية وفصل السلطات والتمييز بين "الخدمة العامة" وخدمة الدولة أو الحكومة أو النظام، كما هو متعارف عليه عربياً، حيث جرى تجاوز هذا الأمر في الأنظمة الديمقراطية منذ عقود.
في المقابل، ومنذ انطلاقة الثورات العربية (لن نختلف على التسمية في هذا السياق)، برز بوضوح تأثير التوجهات السياسية والأيديولوجية والوطنية والإثنية وحتى الدينية على كثير من الناتج الإعلامي السياسي لهذه المحطة، فمن العاملين من يؤّيد الحراك الاحتجاجي، وينعكس ذلك إيجاباً في عرضه، وفي استعراضه، واختيار كلماته في هذا الحقل. ومنهم من يعارضه، ويرى فيه "مؤامرة"، فيعكس ذلك أيضاً سلباً في التطرق إليه، وفي تحليله واختيار عباراته. المتلقي هو الذي يقع ضحية هذه الاستقطابات غير المهنية.
من الطبيعي جداً أن يكون للصحافي أو المذيع أو المحرّر رأيه وتثمينه أي حدث، لكنه يجب أيضاً أن يبتعد عن التخندق ضد المعايير الأخلاقية والإنسانية ومفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، خصوصاً أنه يتمتع بالهامش المقبول من حرية التعبير في إطار عمله. والتشكيك المتنامي بالثورات العربية ومحاباة الثورات المضادة، من خلال استضافة الناطقين الرسميين أو المموهين بإسمها، يمكن أن يترجمه المتلقي على أنه تغير في سياسة الدولة "الأم"، وذلك لسوء تقدير بنيوي لطبيعة العلاقة بين الخدمة العامة وخدمة النظام. وفي الحقيقة، يتفاوت الاستقطاب المرتبط بالخلافات العربية/ العربية، والذي ينقله معهم العاملون العرب إلى وسائل الإعلام الغربية، يتفاوت بالعمق وبالتأثير بين المدرسة الأنجلو ساكسونية والمدرسة الفرنكوفونية، وللحديث صلات.
ومن أعرق هذه الإذاعات باللغة العربية، تبقى هيئة الإذاعة البريطانية الرائدة والأقدم، تلتها إذاعاتٌ تميّزت، كإذاعة مونت كارلو، قبل اندماجها في إذاعة فرنسا الدولية، كما صوت أميركا والإذاعتان الألمانية والهولندية. على الرغم من التنامي والتكاثر، إلا أن الإذاعتين، البريطانية والفرنسية، حازتا على شهرة واسعة، وتأثير مهم في جمهور المستمعين العرب، خصوصاً في أثناء الأزمات، وما أكثر تواترها في المنطقة العربية. وعلى الرغم من أن الفرنسيين التفّوا على التسمية المباشرة بدايةً لصوت فرنسا الإذاعي، باستئجار اسم محايد (مونت كارلو)، عكس البريطانيين، إلا أن الأمر كان واضح المصدر.
اختلفت الاجتهادات في تفسير الخطوط التحريرية لكل من الإذاعتين، إلا أن إجماع من تابع، بمنهجية علمية، الخط التحريري كما الخطاب الإعلامي، شهد، إضافة إلى المهنية المتباينة، اختلافاً جذرياً في العلاقة مع البلد "الأم": بريطانيا في حالة "بي بي سي"، وفرنسا في حالة "مونت كارلو"، فضمن تقاليد عريقة، ابتعد العاملون العرب في الإذاعة البريطانية، عموماً، عن عكس آرائهم وأيديولوجياتهم وانتماءاتهم على أدائهم إلا لماماً. وعلى النقيض تماماً، فقد "تميّزت" الإذاعة "الفرنسية" بترجمة التباينات بين العاملين فيها، في الحقل الإخباري تحديداً، خصوصاً في الفترات التي شهدت صراعات عربية/ عربية أو حروباً أهلية. وقد كان الاستقطاب، إبّان الحرب الأهلية اللبنانية، صارخاً إلى درجةٍ تبعث على التندّر.
مع تقدم السنين وتطور وسائل الإعلام وظهور الفضائيات، تنبّهت الدول المؤثّرة إلى ضرورة
في المقابل، ومنذ انطلاقة الثورات العربية (لن نختلف على التسمية في هذا السياق)، برز بوضوح تأثير التوجهات السياسية والأيديولوجية والوطنية والإثنية وحتى الدينية على كثير من الناتج الإعلامي السياسي لهذه المحطة، فمن العاملين من يؤّيد الحراك الاحتجاجي، وينعكس ذلك إيجاباً في عرضه، وفي استعراضه، واختيار كلماته في هذا الحقل. ومنهم من يعارضه، ويرى فيه "مؤامرة"، فيعكس ذلك أيضاً سلباً في التطرق إليه، وفي تحليله واختيار عباراته. المتلقي هو الذي يقع ضحية هذه الاستقطابات غير المهنية.
من الطبيعي جداً أن يكون للصحافي أو المذيع أو المحرّر رأيه وتثمينه أي حدث، لكنه يجب أيضاً أن يبتعد عن التخندق ضد المعايير الأخلاقية والإنسانية ومفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، خصوصاً أنه يتمتع بالهامش المقبول من حرية التعبير في إطار عمله. والتشكيك المتنامي بالثورات العربية ومحاباة الثورات المضادة، من خلال استضافة الناطقين الرسميين أو المموهين بإسمها، يمكن أن يترجمه المتلقي على أنه تغير في سياسة الدولة "الأم"، وذلك لسوء تقدير بنيوي لطبيعة العلاقة بين الخدمة العامة وخدمة النظام. وفي الحقيقة، يتفاوت الاستقطاب المرتبط بالخلافات العربية/ العربية، والذي ينقله معهم العاملون العرب إلى وسائل الإعلام الغربية، يتفاوت بالعمق وبالتأثير بين المدرسة الأنجلو ساكسونية والمدرسة الفرنكوفونية، وللحديث صلات.