قوة مشتركة لمحاربة الربيع العربي
عندما ضرب السيسي في ليبيا، خرج إعلامه يقول: "كمل جميلك واضرب حماس ودك غزة".
مع الإعلان عن عملية "عاصفة الحزم" و"شعبطة" السيسي بها، عاد إعلامه ليكرر: "هيا نضرب غزة ونحررها من المقاومة الفلسطينية". هذه المرة، لم يكن النداء موجها للعسكرية المصرية فقط، بل يريد حرباً عربية على فلسطين، بالتوازي مع الإلحاح على مشروع "القوة العربية المشتركة".
في ذلك، قال "عكاشتهم" الذي لا ينطق إلا عن هواهم، بالحرف الواحد "إن شاء الله، سيتم دحر حماس وإطاحتها، وستقوم القوات المسلحة بضرب بؤر الإرهاب وحماس في قطاع غزة".
على واحدة من القطع الإعلامية في ترسانة الانقلاب، تحدث اللواء أحمد رجائي عطية، والذي قدمته قناة "القاهرة والناس"، مساء أول من أمس، بأنه "مؤسس الفرقة 777 بالقوات المسلحة"، فماذا قال؟ قال نصاً، بحسب ما نشرت "الشروق"، إنه آن الأوان لتحديد العدو الحقيقي الذي يهدد أمن وسلامة المنطقة العربية، لافتاً إلى أن أصحاب الأطماع الإقليمية هم الأعداء الحقيقيون للعرب، وعلى رأسهم تركيا وإيران وبعض الدول الغربية.
بلا أدنى مواربة، يخرج الكيان الصهيوني من قائمة الأعداء، وفق التصنيف العسكري المصري، لتوضع تركيا وإيران، هكذا بجملة واحدة!
ولو وضعت في الاعتبار أن منظومة الانقلابات والثورات المضادة في المنطقة العربية تنطلق من الربط المنهجي بين "الإرهاب" و"ثورات الربيع العربي"، فإن النتيجة المباشرة، هنا، أن مفهومها للحرب على الإرهاب يعني الحرب على ما بقي من مظاهر حياة في ثورات الربيع، وبالتالي، يكون المستهدف من مشروع القوة العربية المشتركة، هو مكافحة الربيع، لا مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وتدهشك هذه الجسارة على قيم مستقرة، والتي تنتقل من منصات دول حزام الانقلابات والثورات المضادة، لتجري على ألسنة "بكوات السلطة الفلسطينية" التي ترفل في دفء الثورات المضادة، فيعتلي مستشار رئيس السلطة للشؤون الدينية والإسلامية، محمود الهباش، منبر العداء للمقاومة، ويطالب بضرورة أن تمتدّ "عاصفة الحزم" لكل من ينقلب على الشرعية في كل قطر عربي، بدءاً من فلسطين، قاصداً "حماس" بالطبع.
تصريحات الهباش خلال خطبة الجمعة التي ألقاها في مسجد الضريح في مقر المقاطعة برام الله، ذهبت إلى الأبعد من ذلك، إذ يؤدي وظيفة المسوّق لمشروع السيسي، لإنشاء قوة عربية، قائلاً: "حماية الشرعية في أي قطر عربي هي واجب في أعناق كل زعماء العرب (جامعة الدول العربية)، والذين عليهم أن يأخذوا زمام المبادرة، وأن يضربوا الخارجين على الشرعية بيد من حديد، بغض النظر عن الزمان والمكان والحال، بدءاً من فلسطين"، منطلقاً من أن "ما جرى في غزة انقلاب، وليس انقساماً، ويجب التعاطي معه بالحزم والحسم، فلا حوار مع الانقلابيين، والذين يجب أن يضربوا بيد من حديد".
قبل ذلك بقليل، نشرت وسائل إعلام فلسطينية ترجمة لما جاء على موقع "عنيان مركازي" الإسرائيلي، وفيه أن مصر حصلت على تعهدات بتمويل واسع من بعض دول الخليج، والتي لم يحددها، لإسقاط حركة المقاومة الإسلامية حماس، وتسليم قطاع غزة إلى رجال محمد دحلان القيادي المفصول عن حركة فتح.
إذن، أنت أمام انقلاب مزلزل في عقيدة دول عربية، يطرح نفسه بوضوح على أنه يحمي مصالح إسرائيل الاستراتيجية، حين يحول مدافع العرب صوب أنقرة وطهران، مستغلاً غبار العاصفة ضد الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانياً، لتمرير مفاهيم ومعادلات جديدة في علاقات العرب بالمنطقة.
نعم، أخطأت إيران حين عملت على التمكين لانقلاب طائفي في اليمن، وصار لزاماً على النظام العربي أن يواجه هذه العربدة، غير أن ذلك كله لا يجب أن يستخدم كنفق، يتم من خلاله تهريب مفاهيم شريرة جديدة، تسقط العداء لإسرائيل، وتدعو للحرب ضد إيران وتركيا، وصولاً لهدف أبعد هو: حرق الربيع وإخماد حلم التغيير.
والأهم ألا تتحول المسألة إلى تدوير وغسيل انقلابات، لاستعمالها في مكافحة انقلابات أخرى. هذا ضد المنطق وضد العلم، فضلاً عن كونه يمنح قبلة الحياة لكل الانقلابيين والهباشين، والباعة الجائلين في حواري المشروع الصهيوني.