حين لا تسمح السعودية بتسليم اليمن لإيران

28 مارس 2015

مقاتلة سعودية في سماء اليمن (26 مارس/2015/Getty)

+ الخط -

يرى بعضهم أن السعودية تباطأت، بل وتنكرت لليمن، نتيجة تخبط، ويعتقدون أنها تريد أن تترك الأطراف اليمنية تدخل في مرحلة حرب استنزاف بين علي عبد الله صالح والحوثيين، وحزب الإصلاح اليمني والقاعدة، وهي التي أثبتت فشلها في سورية، ويعتبرونها استراتيجية متخبطة. وهناك من يرى أن السعودية ركنت إلى الأمم المتحدة ومبعوثتها جمال بن عمر، على أساس وجود لغة مشتركة، ولكن، من الصعب وجود لغة مشتركة مع إيران. كما أن بعضهم يرى أن شعبية علي عبد الله صالح لم تسقط، على الرغم من إجبار دول الخليج على تنازله، لأنه قضى على الجيش الجنوبي، إبان حكمه في عامي 1979 و1986 وحل محله جيش قبلي، فمثلاً، يتكون 85% من الحرس الجمهوري، من إقليم آزال فرضه على اليمن، وهو جيش يمكن أن يفجر حروباً طائفية ومذهبية وقبلية، يهدد اللحمة الوطنية.

لكن، في الحقيقة سعت السعودية إلى رعاية مبادرة إقليمية، ورعت انتخاب رئيس شرعي، انتخبه ثمانية ملايين يمني، وحواراً وطنياً توصل إلى تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم فيدرالية. وكل الخيارات التي قدمتها السعودية واجهها الحوثيون بالمراوغة والكذب، في سبيل الانتشار على الأرض، وهو انتشار غير أصيل، لا يتمكن من الاحتفاظ بالأرض، والتشبث بها، ولن يسمح له بأن يعيد نفسه، أو الاستعانة بقوات أجنبية.

أفشل تلك العملية التي رعتها السعودية ضعف البنية الفكرية للسياسيين، نتيجة الولاءات الضيقة، مع تباطؤ سرعة المعالجة، حتى تمكن علي عبد الله صالح من جر السعودية إلى التماس طائفي، واستثمر الحوثيين، المدعومين إيرانيا العدو الأول للسعودية، وهي لعبة يتقنها صالح في تعامله مع السعودية، منذ كان في الحكم.

وقد تسارعت الأحداث في اليمن، وسبقت ردة الفعل، وتحولت البلاد إلى الاحتراب بالوكالة، حتى أصبحت الحركة الوطنية جثة هامدة، بسبب انقسامها الطائفي، وفي الرؤى السياسية. ويعتقد بعضهم أن هناك ترتيبات إقليمية، خصوصاً في ظل المفاوضات الإيرانية الغربية حول النووي الإيراني. ولأن إيران منيت بهزائم في إدلب ودرعا، حتى استخدم النظام السوري، مرة أخرى، سلاحا كيماوياً في إدلب، ولأنها تخشى من فقدان العراق، وعودته إلى الحاضنة العربية، فإنها تحرص على الوجود في اليمن، وتوجيه صواريخ بالستية نحو السعودية، لتصبح اليمن كوبا 2.

وترى السعودية أن منظومة الأمن في اليمن منظومة خليجية، ولا يختلف عن الأمن الخليجي، مثلما تحرك درع الجزيرة لحماية البحرين من إيران، فيجب أن يتكرر الدور نفسه، ولكن وفق ائتلاف عربي إقليمي. ولذلك، ترى السعودية أن شراء ولاء القبائل لم يعد يفيد، كما كان سابقا، خصوصاً بعدما تمدد الحوثي، ووصل إلى عدن، وبدأ يهدد أمن دول الخليج، وهي ستتحرك بعيداً عن الولايات المتحدة والأمم المتحدة بموقف حاسم، كما حدث في البحرين.

في الأسبوع الماضي، عند زيارته الرياض، سأل دبلوماسي سعودي وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ما إذا كانت إيران قد استأذنت الولايات المتحدة، عندما غزت العراق ولبنان وسورية، والآن اليمن، أي أن السعودية لن تستأذن، لا الولايات المتحدة ولا الأمم المتحدة، في اتخاذ قرارها، فهي تستند إلى قرار أممي في البند السابع، المتمثل في تلبية طلب الرئيس هادي الشرعي بتدخل دول الخليج عسكرياً.

وقد اتخذت السعودية، مع بقية دول الخليج، عدا سلطنة عمان، قرارها، مستبقة اجتماع جامعة الدول العربية، ضمن ائتلاف عشر دول عربية وإقليمية، بالإضافة إلى دول الخليج الخمس، انضمت مصر والسودان والمغرب والأردن وباكستان، في استجابة للرئيس هادي بالتدخل عسكرياً، ولن تنتظر اختبار الحوثيين وإيران صبر السعودية، وتحويل اليمن إلى سورية وعراق جديدين بجوار السعودية. وترجمت السعودية قرارها مباشرة بضرب قاعدة الديلمي والدفاعات الحوثية وأربعة طائرات يستخدمها الحوثيون بداية، وذلك بواسطة القوات الجوية السعودية، وبمساندة من قوات دول الائتلاف، الكويت والإمارات والبحرين، وكذلك مشاركة المغرب والسودان والأردن، ومشاركة سفن مصرية وباكستانية، مع استعداد لتقدم قوات برية، إن لزم الأمر في "عاصفة الحزم" التي قتلت فيها قيادات حوثية بارزة، كعبد الخالق الحوثي ويوسف الفيشي، وغيرهما، لوقف عربدة إيران في المنطقة.

ومن المتوقع أن يتوسع التحالف تزامناً مع انعقاد القمة العربية في شرم الشيخ، وهناك تأييد للفكرة في اجتماع وزراء الخارجية، وقد أفاد مندوب دولة مغاربية بأن هناك شعوراً عاماً بالخطر، وشعوراً عاماً بضرورة العمل معا ضد هذا الخطر الجديد، وهو خطر وجودي على الدول العربية، ربما لأول مرة منذ الاستقلال.

وتمتد حدود السعودية مع اليمن 1800 كيلومتر، وتمتد حدود إيران مع العراق 1500 كيلومتر، وتمكنت من غزوه، بالتحالف مع حلفائها القتلة والمفسدين الذين يريدون أن يحموا أنفسهم من المجتمع العراقي بالمليشيات، بينما بقية العراقيين، شيعة وسنة، أزعجهم تصريح مسؤول إيراني كبير أن بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية.

وتمتلك السعودية 330 طائرة متقدمة، وهي قادرة على ضرب أي بارجة تتوقف عند ميناء عدن، لمساندة العصابة التي انقلبت على المجتمع اليمني، وقادرة على ضرب أي طائرة يحلق بها جيش الرئيس علي عبد الله صالح، لأن الحوثيين لا يتقنون استخدام الأسلحة المتقدمة، وقد استخدمهم علي عبد الله صالح قفازاً حديدياً، حتى لا يظهر أنه من يقاتل، بل تحت غطاء الحوثيين.

لن تعوّل السعودية على مجلس الدفاع العربي المشترك الذي تأسس عام 1950 بتوقيع تسع دول عربية، منها اليمن، لكي يعطي السعودية شرعية في التدخل من خلال درع الجزيرة. وقد سبق أن تدخلت تنزانيا في أوغندا، وتدخلت السعودية في البحرين، حتى توجد قوى متوازنة على الأرض بين الطرفين، تجبرهم في الجلوس إلى طاولة الحوار، كي لا تسمح بثمن مشروع إقليمي كبير إيراني في اليمن. حيث تعتبر السعودية سقوط عدن خطاً أحمر، ولن تسمح بسقوطها، مهما كان الثمن، حتى ولو تردد المجتمع الدولي. لذلك، هي ستقوي دفاعات عدن ودفاعات المحافظات الشمالية التي ترفض وجود مثل تلك العصابات.

وبالمعنى السياسي، هناك انقلاب حوثي على الجميع، وفرض مشروع يحمل أجندة إيرانية، وستلعب السعودية، أيضاً، على إيجاد شرخ في التحالف بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح، على الرغم من أنها توجه ضربتها الموجعة للطرفين. وقد نسقت مواقفها مع الولايات المتحدة، معلوماتياً وأمنياً وعسكرياً، وانتزعت منها موافقة على تلك الضربات، وأعلن السفير السعودي في الولايات المتحدة عن العملية، بعد بدئها، من واشنطن، بموافقة أميركية.

وتثبت السعودية أنها التي تملك قرار زمن الحسم، ويمكن أن تجعل كل من انتقدها يحترم مواقفها الحاسمة في الزمن والظرف الصعب، وهي تدافع عن حلفائها، وعن أمنها، وستوقف توسع إيران وغطرستها، وحديثها عن توسع امبراطوريتها "الفارسية" التي عاصمتها بغداد، وعن وجودها في المياه الإقليمية العربية التي تهدد شريان الاقتصاد العربي والعالمي الذي تجاوز كل الحدود المقبولة، وهي علامة مفصلية في النيات التوسعية الإيرانية في سورية. والآن، تريد التوسع في اليمن، لزرع الفوضى بجوار السعودية، وتهديد أمن منظومة دول الخليج.

63D8F50C-5629-4956-A41C-A8CD8B0D1F1E
عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

كاتب وباحث سعودي، أستاذ مشارك في قسم الجغرافيا في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة أم القرى في مكة المكرمة.