نتنياهو... وعصا النووي الإيراني

12 مارس 2015

نتنياهو في واشنطن (3 مارس/2015/Getty)

+ الخط -

يَعرِف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أكثر من غيره من حكام دول العالم، أن اتفاقاً أميركياً-إيرانياً حول برنامج إيران النووي سيجلب خسائر على أكثر من صعيد للجانب الإسرائيلي، ويفقد الكيان الصهيوني ملفاً كان يستخدمه لابتزاز الولايات المتحدة الأميركية ورؤسائها، ومرشحيها للرئاسة، طوال فترة استمرت عقدين، شهدت تجاذبات بين الولايات المتحدة والأسرة الدولية، ومعهم إسرائيل من جهة، وبين إيران من جهة أخرى، لوقف هذا البرنامج. علاوة على ما رافق ذلك من تهديدات دائمة باحتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران، أو لمفاعلاتها النووية لوقف البرنامج. ضربة جعلت العالم أجمع يحبس أنفاسه مترقباً إياها مرات كثيرة، كانت تشهد غياب التهديدات لدى حصول مفاوضات، ثم معاودة ظهورها لدى فشلها. جاعلة الجميع يتفقون على حتمية وقوعها، ويختلفون على توقيتها وعلى الطرف الذي سينفذها: أتنفذها أميركا أم إسرائيل نيابة عن الأولى، وأصالة عن نفسها؟

يذكِّر تهافت إسرائيل هذه الأيام، واستمرار حمل نتنياهو عصا التهديد النووي الإيراني، للتحريض ضد إيران الذي جاء آخر مرة على لسانه، في خطابه أمام مؤتمر إيباك (لجنة العلاقات الخارجية الأميركية-الإسرائيلية) في الثاني من الشهر الجاري، التهافت الذي مرده جولات المباحثات 5+1، واحتمال قرب تحقيق اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، يذكر بالتخوف الإسرائيلي الذي ساد سنة 2008 حين زادت فرص حل تلك المعضلة يومها، وحرمان إسرائيل من فرصة القضاء على البرنامج النووي الإيراني برمته، بضربة عسكرية توجهها هي أو الولايات المتحدة للمنشآت النووية الإيرانية وقدراتها الصاروخية، خصوصاً البعيدة المدى. إذ تقدمت إيران في مايو/أيار سنة 2008 بوثيقة، كانت بمثابة مقترحات سلمتها في البداية إلى روسيا والصين، ومن بعدهما إلى الأمين العام للأمم المتحدة والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وبعض الدول الغربية، ضمنتها تصوراتها لحل الأزمات الدولية والإقليمية السياسية والأمنية والاقتصادية والنووية.

وتبين المقترحات في فقرة تبحث في المسألة النووية استعداد إيران لفكرة (كونسرتيوم) لتخصيب الوقود النووي وإنتاجه في نقاط مختلفة من العالم، منها إيران. ما يعني تخلّياً جزئياً عن التخصيب الكامل في إيران نفسها. يومها، تخوف الإسرائيليون من أن تزداد دائرة الاهتمام بتلك الوثيقة أكثر فأكثر، وأن تحصل على الجدية المرجوة، ما قد يؤدي إلى الأخذ ببنودها، والشروع بحل معضلة تخصيب اليورانيوم في إيران، وبالتالي، انتفاء الذريعة التي تحتاجها إسرائيل لضربها.

يتكرر الأمر في هذه الأيام، بل ويسود الفتور الظاهر العلاقات الإسرائيلية الأميركية، بسبب جولات المباحثات 5+1 التي تقودها الدبلوماسية الأميركية، للتوصل إلى اتفاق. فتور سببه الخلاف الذي استجد بين الطرفين حول كيفية منع إيران من امتلاك السلاح النووي. وما رافق تلك المفاوضات من علائم حسن نية، ظهرت عبر التقليل من العقوبات الغربية المفروضة على إيران منذ عشرات السنين. لكن الخوف الإسرائيلي، هذه المرة، يبدو مضاعفاً. فإيران التي لم تتوقف يوماً عن العمل على ذلك البرنامج، على الرغم من تهديدات أميركية وإسرائيلية ظلت تُوَجَّه إليها منذ سنة 1995، ونقلتها على صفحاتها صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، لضرب منشآتها النووية، استمرت في تطويره، وربما وصلت إلى مراحل متقدمة، تؤهلها حيازة السلاح النووي. وهو ما حاولت إسرائيل، مرات عديدة، استدراج الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران لمنعه. وإضافة إلى هذا المسبب للمخاوف الإسرائيلية، هنالك مسبب آخر يتبدى في حقيقة تمدد إيران في المنطقة، وفرضها السيطرة على دول عربية أربع. الحقيقة التي يعرفها الإسرائيليون، ولم يكونوا بحاجة إلى علي رضا زاكاني، مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، والمقرب من المرشد علي خامنئي، ليبوح بها، عندما صرح في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد بيروت ودمشق وبغداد، مبيناً أن "ثورة الحوثيين" في اليمن امتداد للثورة الخمينية. الأمر الذي يزيد من قوة إيران ويعطيها أوراق ضغط، تنعكس لصالحها في شروط الاتفاق النووي المأمول.

يبقى أن سراً يقف وراء ما يعتبره مسؤولون استخباراتيون إسرائيليون سابقون تهوراً تجاه إيران، هو فشل نتنياهو في تحقيق أي تقدم في الموضوع الفلسطيني. ففي كل مقاربة له لهذا الملف، كان يهرب إلى الأمام، مرة عبر الاعتداءات، مثل عدوانه، أخيراً، الذي أطلق عليه عملية "الجرف الصامد" التي شنها على قطاع غزة في 8 يوليو/تموز الماضي. والتي اعتبرت عبثية، لم تحقق له ولحكومته شيئاً سوى حصاد مزيد من السخط على الصعيد العالمي، وزيادة التعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني. ومرة أخرى، عبر زيادة الاستيطان في الضفة الغربية وتوسيعه، ليطال مناطق جديدة، وبالتالي، زيادة التوتر والغليان لدى أبناء الشعب الفلسطيني، الذي لولا كبح حكومة محمود عباس وأجهزته الأمنية له، لتكلل بانتفاضة ثالثة، قادمة لا محالة، بسبب تلك السياسة وغيرها من الممارسات، وبسبب الجمود الذي لحق ملفات القضية. ويأتي تراجعه، أخيراً، عن فكرة حل الدولتين ليكرس هذا الفشل.

بدا الأميركيون، في الآونة الأخيرة، غير ميالين لمجاراة المخاوف الإسرائيلية المزمنة جراء البرنامج النووي الإيراني والقدرات الصاروخية المتنامية لإيران، وذلك عندما تَوَقّف التناغم بينهما، فيما يخص توجيه ضربة عسكرية تطيح البرنامجين. وربما باتوا يسعون إلى حل لمشكلة البرنامج النووي يكون بمثابة سلة من الحلول تطال المسألة السورية، من باب وقف التدخل الإيراني الكبير في سورية، وبالتالي، التوصل إلى وقف الحرب، مقدمة لإيجاد مخرج مناسب للقضية. كما يمكن أن يطال الحل اليمن والعراق، من ناحية وقف تدخل إيران في شؤونهما الداخلية. وبالتالي، وضع حد لحالة الفوضى والحرب السائدة فيهما. وهي، بالتأكيد، حلول لا ترضي نتنياهو الذي يرغب في الاستمرار في مشاهدة المنطقة تسير بلداً بعد آخر نحو الدمار.

46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.