بوتين ينتخب ترامب

19 ديسمبر 2015

بوتين "اختار" ترامب مرشحاً رئاسياً له في البيت الأبيض

+ الخط -
مبدئياً، لا يبدو منطقياً تشابه أركان الأعمال والمال برجال الاستخبارات والعسكر. مبدئياً، أيضاً، يحصل العدد الأكبر من الصدامات السياسية حين يضطر ثنائي، ينتمي كل منهما إلى أحد المعسكرين المذكورين، إلى التعايش القسري بينهما، غير أنه في حالة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والمرشح الرئاسي الأميركي، دونالد ترامب، تصبح الأمور استثنائية.
تخطت العلاقة بين ترامب، القطب الاقتصادي القوي أميركياً، وربما من بين الأشهر عالمياً، وبوتين، رجل الاستخبارات الغامض، الشكليات التصادمية، وإذا ما قُيّض لترامب الانتصار في الانتخابات الأميركية، فإنها ستُصبح أكثر تكاملية. يعود السبب إلى أمرين. الأول أن بوتين، بنفسه، خرج بعض الشيء من دائرة الظلّ الأمنية، حين أطلّ على عالم الأعمال، من بوابة قطاع الطاقة، وبات يُدرك ماهية الترابط الاقتصادي ـ السياسي، وكيفية البناء عليه، لتمتين قوته المركزية السياسية في موسكو. الثاني أن ترامب خرج، بدوره، من دائرة الأعمال نحو السياسة، مطلقاً مواقف متشددة، وأقرب إلى الغرائزية التقليدية، منها إلى العقلانية.
في مكانٍ ما التقى الرجلان: انتقاد السياسة الخارجية الأميركية. لا شكّ أن بوتين "يعاني" من المواقف الأميركية، خصوصاً حين يفرض الكونغرس، مثلاً، عقوبات اقتصادية على روسيا، لتدخّلها في أوكرانيا صباحاً، ثم يذهب وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، للقاء سيد الكرملين مساءً. أما ترامب، فقد تخطت مآخذه سياق الانتقاد التقليدي لسياسة الحزب الديمقراطي، بقيادة الرئيس باراك أوباما، إلى انتقاده سياسة الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه.
على أن التقاء بوتين وترامب لم يكن ممكناً لولا مجموعة من الأحداث السابقة التي رسّخت تلاقيهما. لا ينتقد ترامب السياسة الروسية، بل يُشجّعها في بعض المحطات، عكس الأجنحة الرافضة للروس لدى الجمهوريين، بقيادة سيناتور أريزونا، جون ماكين. كما يقترب ترامب من وجهة نظر موسكو في مسألة الشرق الأوسط، من دون أن يتماهى معها. يكفي بوتين ذلك، كي "يرتاح" بعض الشيء، في ظلّ مراوحة العمليات العسكرية الروسية في سورية مكانها، بعد حوالي الشهرين ونيّف على انطلاقها.
من جهة بوتين، قد يكون ترامب شخصاً "يُمكن التعامل معه". يُشكّل ترامب نموذجاً فاقعاً لقائد المجتمع الاستهلاكي، أي الرجل المرن اقتصادياً، والذي يبني مواقفه السياسية وفقاً لسير الأعمال التجارية. يُدرك بوتين أن التعامل مع ترامب قد لا يتطلّب أكثر من مجرّد عرض اقتصادي مقدّم إليه فقط، وستتغيّر معه طبيعة العلاقة الأميركية ـ الروسية. وسيسمح ذلك، في حال وصول ترامب إلى البيت الأبيض، في أن يُصبح بوتين قائداً للعالم، لا قطباً آخر إلى جانب الأميركيين.
من جهة ترامب، ستكون العلاقة مع بوتين ـ روسيا، المستقرّة إلى حدّ ما، "أفضل" من العلاقة مع الأوروبيين الذين يعانون في ملفات داخلية، لانشغالهم بملفات اللجوء والهجرة و"داعش". بالتالي، ستكون روسيا حليفاً أكثر ثقة لترامب.
لن تكون المرحلة المقبلة سهلة على ترامب تحديداً، فبوتين الذي وصفه بـ"اللامع والموهوب"، رمى بالضغط عليه، ما سيؤدي حكماً إلى اشتداد الأصوات المعارضة لترشيح ترامب للرئاسة، داخل الصفوف الجمهورية. وفي حال اتّسعت دائرة الانتقادات لترامب الذي اعتاد على الإدلاء بتصريحات عنصرية، فإنه سيُواجه خطر الإقصاء من السباق الرئاسي، وبالتالي، التحوّل إلى مرشح مستقلّ. ذلك لا يهمّ، فما يهمّ هو تحوّل روسيا إلى "ناخب" في الولايات المتحدة. في عام 2012، دار حديث بين أوباما ورئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف. حينها قال أوباما "سأصبح أكثر مرونة في التعامل مع القضايا المثيرة للخلاف، مثل الدفاع الصاروخي، بعد انتخابات الرئاسة (كانت مقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012)". وطالب الرئيس الأميركي موسكو بـ"إعطائه فسحة من الوقت لما بعد الانتخابات"، ووعده ميدفيديف خيراً. وعليه، يكون بوتين قد "اختار" ترامب مرشحاً رئاسياً له في البيت الأبيض.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".