حزب الله ـ إسرائيل: وجوديّة اليد العليا

15 يونيو 2024

محاولة إطفاء حريق بعد هجمات صاروخية لحزب الله في صفد شمال فلسطين (12/6/2024 الأناضول)

+ الخط -

العالم في عام 2024 أحياء متناثرة. هناك الحيُّ الاسكندنافي حيث لا يعلو على الهدوء سوى الصمت المطلق، وهناك الحيُّ الشرق الآسيوي موئل الحراك الأزلي، وهناك الحيُّ الأفريقي، المُنبثق من تداخل الثقافات والأديان والترسّبات الاستعمارية، وهناك الحيُّ الشرق الأوسطي، وهذا مسكون حصراً بهاجس "اليد العليا". من يرفع يده أعلى يكون المنتصر. الأمر شبيه بسلوك الشوارع وأدبياتها. لا يمكن ليَدِكَ الهبوط من عليائها، وإلا سيأتي من يرفع يده فوقك. حزب الله والاحتلال الإسرائيلي باتا في قلب هذه المعادلة. لا قواعد اشتباك رُسّخت 18 عاماً بين عامي 2006 و2024، ولا اتفاق ترسيم بحري وُقّع في عام 2022 لهما القدرة على منع التدحرج الدموي في أنماط القتال بين الطرفين.

باتت اليد العليا غاية الحزب والاحتلال، من ينتصر فيها سيفرض أحكامه على الآخر. لجهة حزب الله، الانتقال من توازن الردع إلى اليد العليا هو انتصار على درب إنهاء الوجود الإسرائيلي. أمّا إسرائيل، فإنّ اليد العليا تجاه حزب الله ستدفعها إلى الاطمئنان أنّ وجودها ثابت في الشرق الأوسط حتّى إشعار آخر. ثبات الفكرتَين، على تناقضهما، يضع الجميع أمام أمر واقع؛ لا شيء سيتغيّر ما لم تنشب حرب واسعة بين الطرفَين. وحدهم الأميركيون يسعون إلى وقف السقوط الحرّ إلى ساحة الوغى لحساباتٍ، تبدأ من صندوق اقتراع في جبال الأبالاش ولا تنتهي في جزر تايوانية صغيرة متناثرة على الساحل الصيني.

وبما أنّه دائماً هناك "ولكن"، فإنّها في حالتنا تعني تشعّباتٍ لا تُعدّ ولا تُحصى. ليس من الواقعي الحديث عن وهنٍ إسرائيلي ولا عن عجز حزب الله. الطرفان ينتظران بعضهما بعضاً منذ جيلٍ، منذ انتهى عدوان صيف 2006. الطرفان يدركان أنّ كلّ الاستقرار السابق لم يكن إلا في سبيل الوصول إلى هذه اللحظة، وإن لم يختاراها. لا حزب الله كان يعرف بعملية طوفان الأقصى، وفق قول أمينه العام حسن نصر الله، ولا الاستخبارات الإسرائيلية نجحت في استباق العملية، وفق تقاريرها الأمنية. وبعد ثمانية أشهر من العدوان على غزّة، وارتفاع ضجيج الدبلوماسية لوقف الحرب الإسرائيلية هناك، يجد بنيامين نتنياهو ونصر الله نفسيهما في مواجهة بعضهما بعضاً، مع العلم أنّ نصر الله واجه، بصفته أميناً عاماً للحزب، رؤساء حكومات إسرائيلية عديدين، من إسحاق رابين في عدوان 1993، وشيمون بيريز في عدوان 1996 وإيهود أولمرت في عدوان 2006، فيما لم يخض نتنياهو حرباً مع لبنان في سنواته الماضية رئيساً للحكومة. كلّ هذا جديد في الجهتَين.

ما الذي يعنيه ذلك؟... يعني أنّ هناك يداً عليا سترتفع، وليس بالضرورة أن تكون لبنانية أو إسرائيلية، بقدر ما يُمكن أن تكون أميركية. لكنّها لن تفعل فعلها ما لم تستعر الشرارة المُؤدّية إلى هذا الدرب. بعد ذلك، سيكون كلّ شيء مغايراً، ككل صيغة سابقة جمعت حزب الله والاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2000. من كان شاهداً على الانسحاب الإسرائيلي من غالبية الأراضي اللبنانية في مايو/ أيار 2000 ارتبك أمام مستقبل مجهول في عدوان صيف 2006، ثم شعر بتغيير ما في الاتفاق البحري لعام 2022، فيما يترقّب حالياً أياماً لا أحد قادر على فهم ماهيتها طالما أنّ لا يد عليا فرضت نفسها بعد.

الثابت في ذلك كلّه أنّ المشاهد الواردة من الشمال الفلسطيني المُحتلّ عن دمار وحرائق في مستوطنات إسرائيلية، وأخرى مماثلة من الجنوب اللبناني ومن قراه ومنازله، لا تنبّئ بمستقبلٍ مختلف عن المسار العسكري الذي ينزلق الجميع إليه. التراجع لأيّ من الطرفَين ليس خياراً. لم يعد كذلك منذ ارتباط الاعتداءات الإسرائيلية باغتيالات قادة وعناصر من حزب الله خصوصاً، ومنذ توسيع الحزب مدى استهدافه الجغرافي وصولاً إلى الجليل الأسفل المنبسط من طبريا إلى حيفا. امتلاك اليد العليا أضحى عنواناً لقتالهما، لعمقه الوجودي.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".