15 نوفمبر 2024
من الكنز الاستراتيجي إلى الانبطاح الاستراتيجي
من أخطر المظاهر الانقلابية أن يُحدث انقلاباً في عالم المفاهيم والمواقف والسياسات، ويحاول أن يؤسس لاستراتيجية منقلبة، تنقض الثوابت، وتعتدي على كل الأصول المرعية أو الضرورية، حتى لو كان هذا الثابت تمثله جغرافيا الموقع، وما يفرضه من معطيات، أو التاريخ وما يمثله من سنن ماضية، أو خبرة واضحة قاطعة، أو عبرة ضرورية واجبة. هكذا يستهين الانقلاب بكل ثابت، ويذهب بكل أصل، حتى النفوس وحُرمتها يستهين بها، ويستبيحها بلا أدنى رادع أو وازع.
في عهد المخلوع حسني مبارك، قائد الضربة الجوية التي روّجها وكأنها سبب النصر الوحيد والأكيد ، والتي جعلها جزءاً من تقديم صورته وتأكيد شرعيته، سماه العدو الإسرائيلي الصهيوني "الكنز الاستراتيجي"، للتأكيد على النفع العائد على مصالحه وكيانه من جرّاء سياساته ومواقفه، ومن ثم وقفت إسرائيل، ضمن الجهة الضاغطة التي وقفت خلف مبارك وعدم التخلي عنه، إلا أن الثورة ومطالبها كانت أكبر من الجميع، حتى الكيان الصهيوني يعتقد أن كنزه ضاع أو فُقد، وبدت الشواهد في الأفق، فعلى الرغم من أن المجلس العسكري سيطر على مقاليد الحكم والسلطة، إلا أن حادث السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وكذا إعلان بعض الشباب أنهم سينطلقون إلى الحدود مع الكيان الصهيوني إشارة كبرى إلى أن الكنز الاستراتيجي لم يعد مهدداً في سياساته، بل في وجود أساليب أطلقتها الثورة، جعلت من الكيان الصهيوني يستشعر الخطر الكبير.
وبدت الأمور بعد ذلك في علاقة متينة مع المقاومة في غزة، وفي مقدمتها حركة حماس، وأعلن الرئيس المدني المنتخب، الدكتور محمد مرسي، بعد عدوان فاجر على غزة، "أنه لن يترك غزة وحدها". تغيرت المعادلة، وضمن هذا التغير صار الأصل أن يكون معبر رفح مفتوحاً، وأكدت القيادة المنتخبة أنه آن الأوان لفك الحصار على غزة وأهلها، ذلك الحصار الفاجر الذي استمر بلا مبرر، وللأسف أسهم فيه من المتصهينين العرب تارة بالسكوت، وتارة أخرى بالتحريض.
هذه هي الأجواء التي تؤشر إلى تغير نوعي في مسار العلاقة مع العدو الصهيوني، كانت تشير الى أن الكيان الصهيوني، بأجهزة الشر المخابراتية التابعة له، لن يقف صامتا على تهديد كيانه الغاصب، أو فقدانه كنزه الاستراتيجي. تصريحات مباشرة، وغير مباشرة، من رجال المخابرات والسياسة في الكيان الصهيوني تؤكد، بما لا يدع مقاماً للتأويل. الكيان الصهيوني كان لا بد أن يسهم في انقلابٍ ليغير ما آلت اليه المعادلة في غير صالحه. كان الانقلاب البداية التي تؤسس لعلاقات تحالف أكيدة بين الكيان الصهيوني والنظام الانقلابي الذي جعل علاقاته بهذا الكيان أوسع باب للمرور إلى شرعنة الانقلاب وسلطته. لدينا من الشواهد ما يؤكد هذه العلاقة المشبوهة التي انطلقت من مجرد مواقف إلى استراتيجية تحرّك الانقلاب، وتدفع مساراته وسياساته.
أولاً: مفهوم الأمن القومي لدى المنقلب، واعتباره أمن إسرائيل جزءاً من الأمن القومي المصري، تصريحه الأشهر أنه لن يجعل سيناء قاعدة للاعتداء على أمن إسرائيل، وكأن أمن إسرائيل جزء من الأمن القومي المصري، فصار أمن العدو من أمن مصر، بالجملة إسرائيل لم تعد عدواً، بل هي الحليف الذي يقر سياساته ويساند مواقفه.
ثانياً: سياسات المنقلب في سيناء حماية لإسرائيل، من تهجير أهالي سيناء وهدم منازلهم
وتفجيرها، وإقامة منطقة عازلة طوال الحدود مع غزة، ولا بأس من إغراق الحدود بالمياه المالحة التي أضرّت بأراضي أهل غزة، بما أسهم في مشكلة بيئية، بدعوى محاربة الأنفاق وهدمها.
ثالثاً: خطاب الإسرائيليين حول الانقلاب والسيسي، هؤلاء الذين خلعوا عليه لقب بطل إسرائيل القومي، وما قاله إعلاميون وسياسيون إنه يمعن في خدمة إسرائيل والدفاع عن سياساتها، ويقوم بكل ما من شأنه من تقوية جانب إسرائيل.
رابعاً: الموقف من حركة حماس ومعبر رفح، والذي شكل سياسة ثابتة من الحصار والإمعان فيه، فمنذ الانقلاب، فُتح معبر رفح أسابيع معدودات، لا تنهض بأي حال لتلبية ضرورات أهل غزة العزة، فضلا عن عمليات تشويه متعمدة لحركات المقاومة في فلسطين، خصوصاً "حماس" التي صارت موضع اتهام، تارة بوصفها حركة إرهابية، إضافة إلى توزيع اتهامات بالتخابر معها.
خامساً: الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي وحسن معاملته، بينما معاملة المصريين المعتقلين أسوأ وأقبح وأقسى ما تكون، فقد أعرب نتنياهو عن سعادته بعودة الجاسوس الإسرائيلي، عودة ترابين، إلى إسرائيل بعد 15 عاماً قضاها في السجن في مصر، وقال إن إسرائيل تهتم بجميع مواطنيها من دون استثناء، وإنه تعامل مع ثلاثة رؤساء مصريين، مبارك ومرسي والسيسي، طالبا بإطلاق سراحه، المنقلب فقط قبل بذلك.
سادساً: حكم دولي بتغريم الهيئة العامة للبترول والشركة المصرية 1,7مليار دولار لصالح شركة كهرباء الاحتلال الإسرائيلي، و288 مليون دولار لصالح شركة شرق البحر المتوسط، تعويضًا لهما عن وقف إمدادات الغاز المِصْري، ما يعود إلى الملف الأسود لبيع العسكر الغاز المِصْري بأبخس الأثمان للكيان الصهيوني.
سابعاً: مصافحته نتانياهو بحرارة في قمة المناخ، وإغفال الإعلام المصري ذلك.
ثامناً: علاقات الكيان الصهيوني مع مصر الانقلاب، والتنسيق الأمني المصري الصهيوني الظاهر والباطن.
تاسعاً: تصريحاته حول وجود بشار الأسد ضمانة لأمن إسرائيل "لو لم يكن السيسي حامي حمى إسرائيل وبشار حامي حمى إسرائيل، لما جلس أي منهما في قصور الرئاسة في دمشق والقاهرة "كلمة السر أمن إسرائيل".
عاشراً: مواقفه الخذلانية المفضوحة، على الرغم من الانتهاكات المتكررة للأقصى، وتصريحات يوسف زيدان التي كشفت، أخيراً، اتفاق المنقلب السيسي على نفي وجود المسجد الأقصى، وإثبات حق اليهود فيه، باللجوء إلى تأويلات منحرفة لبعض الآيات الواردة. يؤكد على هذه الحقيقة الأستاذ وائل قنديل أن تصريحات زيدان لا تقل وقاحة عن تصريحات نتنياهو، قائلاً: "ما يطرحه يوسف السيسي زيدان لا ينفصل أبداً عن وقاحة بنيامين نتنياهو، وهو يقول نستطيع هدم الأقصى لو أردنا ذلك".
القائمة تطول في علاقات المنقلب وانقلابه بالكيان الصهيوني، تحت شعار الانتقال من شعار الكنز الاستراتيجي إلى الحقيقة المرّة التي تشير إلى سياسات الانبطاح الاستراتيجي.
في عهد المخلوع حسني مبارك، قائد الضربة الجوية التي روّجها وكأنها سبب النصر الوحيد والأكيد ، والتي جعلها جزءاً من تقديم صورته وتأكيد شرعيته، سماه العدو الإسرائيلي الصهيوني "الكنز الاستراتيجي"، للتأكيد على النفع العائد على مصالحه وكيانه من جرّاء سياساته ومواقفه، ومن ثم وقفت إسرائيل، ضمن الجهة الضاغطة التي وقفت خلف مبارك وعدم التخلي عنه، إلا أن الثورة ومطالبها كانت أكبر من الجميع، حتى الكيان الصهيوني يعتقد أن كنزه ضاع أو فُقد، وبدت الشواهد في الأفق، فعلى الرغم من أن المجلس العسكري سيطر على مقاليد الحكم والسلطة، إلا أن حادث السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وكذا إعلان بعض الشباب أنهم سينطلقون إلى الحدود مع الكيان الصهيوني إشارة كبرى إلى أن الكنز الاستراتيجي لم يعد مهدداً في سياساته، بل في وجود أساليب أطلقتها الثورة، جعلت من الكيان الصهيوني يستشعر الخطر الكبير.
وبدت الأمور بعد ذلك في علاقة متينة مع المقاومة في غزة، وفي مقدمتها حركة حماس، وأعلن الرئيس المدني المنتخب، الدكتور محمد مرسي، بعد عدوان فاجر على غزة، "أنه لن يترك غزة وحدها". تغيرت المعادلة، وضمن هذا التغير صار الأصل أن يكون معبر رفح مفتوحاً، وأكدت القيادة المنتخبة أنه آن الأوان لفك الحصار على غزة وأهلها، ذلك الحصار الفاجر الذي استمر بلا مبرر، وللأسف أسهم فيه من المتصهينين العرب تارة بالسكوت، وتارة أخرى بالتحريض.
هذه هي الأجواء التي تؤشر إلى تغير نوعي في مسار العلاقة مع العدو الصهيوني، كانت تشير الى أن الكيان الصهيوني، بأجهزة الشر المخابراتية التابعة له، لن يقف صامتا على تهديد كيانه الغاصب، أو فقدانه كنزه الاستراتيجي. تصريحات مباشرة، وغير مباشرة، من رجال المخابرات والسياسة في الكيان الصهيوني تؤكد، بما لا يدع مقاماً للتأويل. الكيان الصهيوني كان لا بد أن يسهم في انقلابٍ ليغير ما آلت اليه المعادلة في غير صالحه. كان الانقلاب البداية التي تؤسس لعلاقات تحالف أكيدة بين الكيان الصهيوني والنظام الانقلابي الذي جعل علاقاته بهذا الكيان أوسع باب للمرور إلى شرعنة الانقلاب وسلطته. لدينا من الشواهد ما يؤكد هذه العلاقة المشبوهة التي انطلقت من مجرد مواقف إلى استراتيجية تحرّك الانقلاب، وتدفع مساراته وسياساته.
أولاً: مفهوم الأمن القومي لدى المنقلب، واعتباره أمن إسرائيل جزءاً من الأمن القومي المصري، تصريحه الأشهر أنه لن يجعل سيناء قاعدة للاعتداء على أمن إسرائيل، وكأن أمن إسرائيل جزء من الأمن القومي المصري، فصار أمن العدو من أمن مصر، بالجملة إسرائيل لم تعد عدواً، بل هي الحليف الذي يقر سياساته ويساند مواقفه.
ثانياً: سياسات المنقلب في سيناء حماية لإسرائيل، من تهجير أهالي سيناء وهدم منازلهم
ثالثاً: خطاب الإسرائيليين حول الانقلاب والسيسي، هؤلاء الذين خلعوا عليه لقب بطل إسرائيل القومي، وما قاله إعلاميون وسياسيون إنه يمعن في خدمة إسرائيل والدفاع عن سياساتها، ويقوم بكل ما من شأنه من تقوية جانب إسرائيل.
رابعاً: الموقف من حركة حماس ومعبر رفح، والذي شكل سياسة ثابتة من الحصار والإمعان فيه، فمنذ الانقلاب، فُتح معبر رفح أسابيع معدودات، لا تنهض بأي حال لتلبية ضرورات أهل غزة العزة، فضلا عن عمليات تشويه متعمدة لحركات المقاومة في فلسطين، خصوصاً "حماس" التي صارت موضع اتهام، تارة بوصفها حركة إرهابية، إضافة إلى توزيع اتهامات بالتخابر معها.
خامساً: الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي وحسن معاملته، بينما معاملة المصريين المعتقلين أسوأ وأقبح وأقسى ما تكون، فقد أعرب نتنياهو عن سعادته بعودة الجاسوس الإسرائيلي، عودة ترابين، إلى إسرائيل بعد 15 عاماً قضاها في السجن في مصر، وقال إن إسرائيل تهتم بجميع مواطنيها من دون استثناء، وإنه تعامل مع ثلاثة رؤساء مصريين، مبارك ومرسي والسيسي، طالبا بإطلاق سراحه، المنقلب فقط قبل بذلك.
سادساً: حكم دولي بتغريم الهيئة العامة للبترول والشركة المصرية 1,7مليار دولار لصالح شركة كهرباء الاحتلال الإسرائيلي، و288 مليون دولار لصالح شركة شرق البحر المتوسط، تعويضًا لهما عن وقف إمدادات الغاز المِصْري، ما يعود إلى الملف الأسود لبيع العسكر الغاز المِصْري بأبخس الأثمان للكيان الصهيوني.
سابعاً: مصافحته نتانياهو بحرارة في قمة المناخ، وإغفال الإعلام المصري ذلك.
ثامناً: علاقات الكيان الصهيوني مع مصر الانقلاب، والتنسيق الأمني المصري الصهيوني الظاهر والباطن.
تاسعاً: تصريحاته حول وجود بشار الأسد ضمانة لأمن إسرائيل "لو لم يكن السيسي حامي حمى إسرائيل وبشار حامي حمى إسرائيل، لما جلس أي منهما في قصور الرئاسة في دمشق والقاهرة "كلمة السر أمن إسرائيل".
عاشراً: مواقفه الخذلانية المفضوحة، على الرغم من الانتهاكات المتكررة للأقصى، وتصريحات يوسف زيدان التي كشفت، أخيراً، اتفاق المنقلب السيسي على نفي وجود المسجد الأقصى، وإثبات حق اليهود فيه، باللجوء إلى تأويلات منحرفة لبعض الآيات الواردة. يؤكد على هذه الحقيقة الأستاذ وائل قنديل أن تصريحات زيدان لا تقل وقاحة عن تصريحات نتنياهو، قائلاً: "ما يطرحه يوسف السيسي زيدان لا ينفصل أبداً عن وقاحة بنيامين نتنياهو، وهو يقول نستطيع هدم الأقصى لو أردنا ذلك".
القائمة تطول في علاقات المنقلب وانقلابه بالكيان الصهيوني، تحت شعار الانتقال من شعار الكنز الاستراتيجي إلى الحقيقة المرّة التي تشير إلى سياسات الانبطاح الاستراتيجي.