وقاحة تطبيع الإمارات وفصاحة الرد
وصل التطبيع بين دولة الإمارات والصهاينة إلى مستويات من الصلف غير مسبوقة، حيث شارك مسؤولان منها في اجتماع لجنة الاقتصاد التابعة للبرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، خلال بحثها ما يعرف بأرباح الجمهور من الغاز، وكان من المنطقي أن يوبّخ النائب العربي، سامي أبو شحادة؛ عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي (في القائمة المشتركة) هذا الحضور الإماراتي غير المشرّف، بل كان الواجب الوطني والأخلاقي والديني ألا يصمت على هذه المهزلة، وأن يوجه النائب كلمات الاعتراض والاحتقار إلى هذين المسؤوليْن الإماراتيين اللذين باعا نفسيهما إلى الأكذوبة، وحضرا جلسة الولاء للصهاينة.
وقبل تحليل أبعاد هذا الحدث اللافت، النائب سامي أبو شحادة جزء من النظام السياسي الإسرائيلي القائم، وحضوره الجلسة جزء من وظيفته المكلف بها، فهو ممن يمثلون مليون عربي فلسطيني يقيمون على أرضهم في فلسطين المحتلة سنة 1948، فحضور الجلسة إعلان وجود، وفرض أمر واقع لا يرغب فيه الإسرائيليون. ولهذا التنويه أهميته، حتى لا يقال إنه طالما يشارك فلسطينيون بأنفسهم في جلسات الكنيست، فلماذا يعترضون على مشاركة إخوانهم من الإمارات هذه الجلسات؟
مشاركة سكرتير مجلس الاستثمارات الدولي التابع للإمارات، جمال الجروان الشنطي، ونائب سكرتير شؤون التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد الإماراتية، جمعة محمد القيط، ليست لطرح تجربتهما في مجال إقامة صندوق قومي لأرباح النفط، كما قيل، بل العكس، فلإسرائيل تجاربها الواسعة، بل يتأفف الإسرائيليون من أن يسجلوا على أنفسهم التعلم من أنظمة عربية فاسدة مستبدة، سيما أن رئيس جلسة الكنيست هو العنصري المتطرف رئيس جهاز الشاباك السابق، أفي ديختر، والمعروف باحتقاره الشديد للعرب، والذي اعترف بأنه قتل بيديه أكثر من فلسطيني.
هل تعلّم المسؤولان الإماراتيان وهما يجلسان في الكنيست مبادئ الديمقراطية المحرّمة في بلادهم؟ هل تعرّفوا على بعض أشكال الديمقراطية لدى العدو الإسرائيلي؟
جاء المسؤولان من الإمارات للمشاركة في جلسة الكنيست من باب السباق على الوقاحة، والتنافس الداخلي على دعم خطوات ارتماء حكام بلدهم في أحضان إسرائيل. وخطوةً على طريق الارتباط الشخصي مع المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وفي مقدمتها جهاز المخابرات (الموساد). ورئيس هذا الجهاز، يوسي كوهين، كان ممن حضروا في التوقيع على اتفاقية "أبراهام"، وهو المؤثر في مجريات العلاقات بين أبوظبي ودولة الاحتلال.
ولا يمثل هجوم النائب العربي، سامي أبو شحادة، على المسؤوليْن الإماراتيين موقفاً شخصياً، ولا يعبر عن توّجه القائمة المشتركة، ولا ينطق باسم حزب التجمع الوطني الديمقراطي، فحسب، وإنما يستهدف الانحراف الوطني والدناءة السياسية، ويعبّر عن مشاعر الفلسطينيين والعرب أينما وجدوا، ويوافق هوى شباب الأمة من مشارقها إلى مغاربها، ويحاكي ضمائرهم التي تأبى أن تكون مهانة وذليلة تحت أقدام الغزاة. ولا تقل واقعة رجم المسؤوليْن من دولة الإمارات بالتقريع والتأنيب داخل الكنيست أهمية عن رجم المطبّعين بالحجارة في باحات المسجد الأقصى، وهذه هي لغة الرفض التي تجمع عليها جماهير الأمة العربية، وهذا ما على كل من تسوّل له نفسه اقتراف الفواحش السياسية بحق الشعوب أن يعرفه.
ما كان النقد والاعتراض والتوبيخ يهدف إلى الإهانة الشخصية فحسب، وإنما أيضا احتقار السياسة العامة
هل تعلّم المسؤولان الإماراتيان مبادئ الديمقراطية المحرّمة في بلادهم؟ هل تعرّفوا على بعض أشكال الديمقراطية لدى العدو الإسرائيلي؟ هل فهموا درس البقاء الفلسطيني وسط ديمقراطية إسرائيلية محدودة المعالم، ولكنها ديمقراطية سمحت للنائب، سامي أبو شحادة، أن يعترض، وأن يرفع صوته، وأن يقذف القادمين من شرق العروبة بالحصى والكلام، ليجسّد أمامهم نموذجاً للعربي الجريء الذي يجهر برأيه وسط أعدائه، وخرج من الجلسة مطروداً، ولكنه مرفوع الرأس، فهل فهموا الدرس؟ طرد من جلسة الكنيست لأنه قدّم درساً في الأخلاق السياسية. طرد إرضاءً للمسؤولين من دولة الإمارات، ولم يسمح له بأن يتمّم تعويذة الشرف التي كانت ضرورة. طرد من الجلسة، وظل رجلا ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، قاعدين، في رسالة تؤكد السياسة الإسرائيلية القائمة على التطبيع مع الأنظمة العربية على حساب القضية الفلسطينية، وتقول: بمقدار ما تتقدّم الأنظمة العربية خطوة باتجاه تمكين الصهاينة من مقدّراتهم، بمقدار ما يتقدّم الإسرائيليون خطوة باتجاه طرد العرب الفلسطينيين من جلسة الكنيست، خطوة أولى على طريق طرد سكان الضفة الغربية، ومنعهم من تطوير مستقبلهم فوق أرضهم.
هل تفهّم المسؤولان من دولة الإمارات حرارة اللغة العربية التي خاطبهم بها النائب سامي أبو شحادة. لقد خاطبهم من منطلق الأخوة والانتماء للوطن الواحد، وما كان النقد والاعتراض والتوبيخ يهدف إلى الإهانة الشخصية فحسب، وإنما أيضا احتقار السياسة العامة، فالإهانة هنا لكل الذين يقودون مرحلة التطبيع، ويسوّقونها. وهدف التوبيخ وقف حالة التردي والانهيار، والحد من الجريمة التي تقترف بحق شعب الإمارات نفسه، فقد علّمتنا هذه الأرض استحالة اجتماع الفضيلة والرذيلة تحت سقف واحد، فطالما اتسع مكان الجلسة للمنبطحين تذللاً، فقد ضاق على الواقفين شموخاً.