نصرٌ أو هزيمةٌ في غزّة والضفّة الغربية معاً

30 اغسطس 2024
+ الخط -

أيُّ وقفٍ لإطلاق النار في قطاع غزّة يعني هزيمةً قاسيةً للجيش الإسرائيلي، رغم ما ألحقه من قتل وتدمير وتخريب في ربوع غزّة، ووقفُ إطلاق النار هزيمةٌ للقيادة السياسية الإسرائيلية، التي راهنت على انتصار مطلق على رجال المقاومة. لذلك لا غرابةَ في أن تتهرّب القيادةُ الإسرائيلية من وقف إطلاق النار، ولا غرابةَ في أن تماطل في كلّ جولة مفاوضات، وتطرح مزيداً من التعقيدات التفاوضية، هروباً من لحظة الحقيقة، وتهرّباً من مواجهة الارتدادات المعنوية والحياتية على مجمل المجتمع الإسرائيلي.

وطالما لم يحققّ العدو الإسرائيلي أيَّ نصر في أرض غزّة يسمح له بوقف إطلاق النار من دون انكسار، وطالما أعيته إرادة المقاومة بمواصلة المواجهات الميدانية، وطالما جسّد الشعب الفلسطيني معاني الصمود والصبر كلّها... فالحرب على غزّة قد تطول زمناً يتجاوز نتائجَ الانتخابات الأميركية، وقد يتّسع مداها، ويتّسع مجالها، إلى أن يصطدم القرار السياسي الإسرائيلي بصخرة المعطيات العنيدة، التي ستفرض عليه الخضوعَ والنكوصَ عن اشتراطاته، والموافقةَ على وقف إطلاق النار، وإتمام صفقة تبادل أسرى. ومن هذه المعطيات التي ستُؤثّر في قرار القيادة الإسرائيلية:

أولاً، نجاح المقاومة الفلسطينية في نقل المعركة إلى داخل المدن الإسرائيلية، وهذا أحد المعطيات العنيدة التي ستفرض على العدو الإسرائيلي إعادةَ قراءة المشهد بعيون دامعة، وإعادة تقدير الموقف من حرب الإبادة التي يمارسها في أرض غزّة، من منطلق الإدراك أنّ العين بالعين، والسنّ بالسنّ، والتفجير بالتفجير، وقتئذٍ تصير المراجعة العسكرية والسياسية والأيديولوجية الشاملة، ويصير وقف إطلاق النار، وتتمّ صفقة تبادل الأسرى.

العدوان الإسرائيلي على شمال الضفّة الغربية لا يقلّ وحشيةً وإرهاباً عن العدوان على القطاع

ثانياً: نجاح المقاومة الفلسطينية في تكثيف التفجيرات ضدّ جيش العدو في غزّة، ونجاح المقاومة في تطوير قدراتها الدفاعية، بحيث تمسي تكلفة بقاء الجيش الإسرائيلي في أرض غزّة أعلى بكثير من تكلفة وقف إطلاق النار، وهذا الأمر منوط بالأيام والأسابيع المقبلة، وقد دلّلت الشواهد أخيراً على تطوّر قدرات المقاومة، وعلى ارتقاء فعلها الميداني إلى درجة نصب الكمائن المُحكَمة، وإطلاق الصواريخ حتّى على تلّ أبيب، رغم مرور 11 شهراً على العدوان الإسرائيلي، وفي ذلك رسالةٌ للقيادة السياسية الإسرائيلية بأنّ غزّة لن تنكسر، وأنّ لدى مقاومة غزّة المفاجآت القتالية التي ستربك حسابات العدو.

ثالثاً: قد يكون في الهجوم الإسرائيلي على مدن شمال الضفّة الغربية علاقةٌ وثيقةٌ بما يجري في غزّة، فالعدوان الإسرائيلي على شمال الضفّة الغربية لا يقلّ وحشيةً وإرهاباً عن العدوان على القطاع، والعدوان على مدن الضفّة الغربية ومخيّماتها وقراها سيتعرّض للانتقاد والإدانة والشجب من المجتمع الدولي، ومن حلفاء إسرائيل أنفسهم، أكثر ممّا تعرّضت له إسرائيل من انتقادات للمحرقة في غزّة، بل ستُمارَس الضغوط على إسرائيل من حلفائها المُقرّبين في أوروبا، وسيطالبونها بوقف عدوانها على الضفّة الغربية فوراً، وهنا تدخل غزّة في خطّ وقف إطلاق النار لتطرح القيادة الإسرائيلية فكرةَ وقف إطلاق النار على الجبهات كلّها، في غزّة والضفّة الغربية ولبنان واليمن، وقف إطلاق نار شامل، وفي ذلك مخرجٌ لإسرائيل من مستنقع غزّة، وفي ذلك مصلحةٌ إسرائيليةٌ في لجم المقاومة الفلسطينية في الضفّة الغربية.

هل تقبل قيادة المقاومة بمثل هذه الصفقة؟... يشكّ كاتب هذه السطور في ذلك، طالما ظلّت القدس في بؤرة الاستهداف الصهيوني، وطالما ظلّ غول الاستيطان ينهش لحم الضفة الغربية، ويمضغ أمن الفلسطينيين واستقرارهم.

3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
فايز أبو شمالة
كاتب وسياسي فلسطيني يقيم في قطاع غزة، عشر سنوات في السجون الإسرائيلية، دكتوراه في الأدب المقارن بين الشعر العربي والشعر العبري.
فايز أبو شمالة