هنيئاً للنظام اللبناني بقوى تغييره

08 ابريل 2022
+ الخط -

شهدت السنوات السابقة في لبنان حركات سياسية معطوبة، ومثلها حركات تغيير تنكفئ، وتضمحل، وتختفي من المشهد تمامًا، سواء بقرار ذاتي، أو بسياق موضوعي محتوم. لكنك لا تشاهد، حتى اللحظة، حركات سياسية تغييرية تعمل بكل جهد وإتقان على إعادة إنتاج المشهد الذي كانت تحاربه، المشهد الذي لطالما كانت تزعم أنها تحاول أن تزيله. هذا الانقسام العمودي بين قوى 14 آذار و8 آذار الذي كانت قوى التغيير تريد القضاء عليه، وتخطّيه هو سيد المشهد اليوم، إلى درجة أنك قد تخطئ في التمييز بين قوى الاعتراض وقوى النظام، فتعتقد لحظة أنها هم، وأنهم هي.

ليس في الأمر أي اتهام، لكنه تصويبٌ على خيارات سياسية خاطئة. تصويبٌ على حماسة لمشاركة في انتخاباتٍ نيابيةٍ معلّبة، والنسبة الأكبر من نتيجتها محسومة سلفًا. من هذا المنطلق، يمكن القول إن قوى الانتفاضة ارتضت أن تلعب الدور الذي كانت تؤديه قوى 14 آذار في السابق، لأنها انزلقت لتصبّ، من دون أن تدري، في مواجهة قوى 8 آذار وعلى أرضيتها، في سيناريو عمل حزب الله على رسمه ووضع خطوطه العريضة بكل إتقان.

الفراغ لا يمكن سدّه بالذهنية نفسها التي يتمتع بها النظام، والتي أدّت إلى الفراغ الذي نعيشه الآن

هكذا، وبشكل جدّي وسريع، استطاعت هذه القوى أن تطيح مسعاها التغييري، وأن تدخل في "سيستم" سياسي معطوب وسيعطبها معه، ارتضت بذلك أم لم ترتضِ. لقد كان حريا بهذه القوى أن تعيد التفكير مليًا قبل أن تأخذها الحماسة والرغبة في أن تكون واجهة مشهد الاهتراء هذا. كان يمكن لها أن تعيد حساباتها ببعض التروّي، وأن تُنصت لكل نقد. أن تأخذ النقد بصدر رحب ﻷنه سيحميها، ويحمي حقّ الناس، وتعب كل من شارك في كل حلبات المواجهة مع النظام الطائفي في السنوات السابقة وصولًا إلى اليوم.

انتصر الخيار الذي لطالما كان ينتصر منذ حملة إسقاط النظام الطائفي التي قامت تأثّرًا بحركات الربيع العربي عام 2011. انتصرت الذاتية والأنا على المعركة والروح الجماعية. انتصر السطح والمشهدية على العمق والجوهر. انتصرت الدعاية على المنتج. وانتصر النظام المتداعي على الانتفاضة، فهل فكّرت هذه القوى قبل أن تدخل في لعبة النظام من بابه العريض، اللعبة المتمثلة بالانتخابات النيابية؟ ما الذي يعنيه أن ينتصر عليها كمٌّ هائل من الترهل الذي بات عليه هذا النظام؟ هل يمكن لها أن تفسّر، وبكل شفافية، ما الذي يعنيه، على مستوى المواجهة، كل هذا السلوك الذي تقوم به الآن، وكيف يصبّ في خدمة المعركة المفتوحة مع قوى النظام؟ خصوصًا وأنها ستكون، في أحسن الأحوال، مشاركةً في برلمان سيشرّع كل آليات العطب والفساد والإفساد. ولن تكون هي، كقوى تغييرية، إلا جزءا هزيلا من مشهد ممل؟ لن تكون إلا شاهد زور على قبر المؤسسات والدولة؟

انتصر السطح والمشهدية على العمق والجوهر. انتصرت الدعاية على المنتج. وانتصر النظام المتداعي على الانتفاضة

من شاهد من قبل قوى تغييرية تريد أن تأخذ طقوس دفن نظام ودولة على عاتقها؟ قوى لم تنتفع، بشكل واضح وصريح، من نظام الترهل هذا، عندما كان في عزّه، فكيف تريد أن تتحمّل مسؤولية انهياره؟ وكيف تأخذ على عاتقها أن تكون في واجهة فعلٍ لا علاقة لها به من قريب أو من بعيد! جدّيًا، فلتقل لنا هذه المجموعات، هل استفادت في مكانٍ ما سابقًا لتعيد المحاولة الآن؟ وهل استطاعت اليوم أن تحقق أي إنجاز في كل هذا الذي تقوم به؟

لا فراغ في السياسة. هذا ما لم نقله، ولن نقوله. لكن أن تعمل في الظلام، في خلفية المشهد، بشكل صامت وفعال ومن دون أي تشويش شيء، وأن تكون أنت التشويش شيء آخر. فمشروع سد الفراغ لا يُفترض أن يجري العمل عليه بالعودة إلى الحال الذي كان قبل الانتفاضة، ليس بالعودة إلى أرضية النظام وقواه وانقسامه ومصالحه وألعابه. الفراغ لا يمكن سدّه بالذهنية نفسها التي يتمتع بها النظام، والتي أدّت إلى الفراغ الذي نعيشه الآن، والذي تستكمله قوى التغيير في هذه المعركة الخاسرة سلفًا. الفراغ يُسد بفعل سياسي تأسيسي لقوى تغييرية حقيقية، قوى تحمل مشروعًا، وليس قوى هزيلة لم تعد تقنع أي أحد بسلوكياتها، وممارساتها، ومقارباتها، وآلياتها التنظيمية، إن وُجدت.