هل يواصل نعيم قاسم نهج نصر الله؟

02 نوفمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى المقال:

ينتمي الشيخ نعيم قاسم إلى جيل المؤسّسين في حزب الله، وكان مقرّباً من الأمين العام الراحل حسن نصر الله، لا بوصفه نائبه فحسب، بل بحكم المسؤوليات القيادية التي تولّاها في سيرته الحزبية الممتدّة أكثر من 40 عاماً، وتطلّبت التشاور والتواصل المباشر بينهما، إذ كان ينسّق مشاركات الحزب في الانتخابات النيابية، ويتابع عمل نوّاب كتلته في مجلس النواب، ووزرائه في الحكومات المتعاقبة.

شارك قاسم في وضع أدبيات الحزب ورسم سياساته واستراتيجياته، وألّف كتاباً مرجعياً شاملاً، "حزب الله: المنهج، التجربة، المستقبل" (دار المحجة، بيروت، ط1، 2002)، يتصدّره الإهداء إلى "المقاومين الذين سلكوا درب الجهاد والشهادة، وعلى رأسهم الحبيب الذي عرفته، أبو هادي رمز المقاومين وقدوتهم، ومربّي المجاهدين وأنيسهم، والأمين على الدماء"، في إشارة إلى نصر الله. تضمّن الكتاب، بشيء من التفصيل، ما يتعلّق بالحزب كلّه، على المستويات العقدية الفقهية، والتاريخية، والتنظيمية، وحتى العسكرية، فضلاً عن قضايا المنطقة وموقفه المُعلَن منها، وعلاقاته الدولية والإقليمية. تُرجِمَ الكتاب إلى الإنكليزية والفارسية، وتتالت الطبعات من دون تعديل، إلى أن صدرت سنة 2010 الطبعة السابعة "جديدة مزيدة"، بإضافة فصل جديد مستقلّ "لمواكبة التطوّرات الناشئة بين عامي 2004 و 2008"، ومنها احتلال العراق، واغتيال رفيق الحريري، وصدور قرار مجلس الأمن 1559، ومشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية للمرّة الأولى، وتفاهمه مع تيّار ميشال عون، وحرب تمّوز 2006، و"احتدام الصراع السياسي الداخلي، الذي أدّى إلى شلل المؤسّسات الدستورية"، واغتيال عماد مُغنية، وقدّم المؤلف وجهة نظر الحزب، وموقفه الرسمي في تلك الموضوعات كلّها وسواها.

لما سبق كلّه، وللمكانة والتأثير الهائلين اللذين تمتّع بهما نصر الله في نفوس كوادر الحزب وقواعده ومناصريه، داخل لبنان وخارجه، لم يكن مستغرباً أن يستهلّ نعيم قاسم ولايته في منصبه أميناً عاماً لحزب الله بتأكيد استمرار نهج سلفه، ومتابعة تنفيذ الخطط التي وضعها. لكنّ السؤال، بعد الضربات القاسية التي تلقّاها الحزب: هل سيكون بمقدور القيادة الجديدة مواصلة النهج نفسه حقّاً؟

سيكون على حزب الله (أو ما يتبقّى منه) التكيّف مع المُستجدَّات في أرض الواقع، وإنْ استمرّ في التمسّك اللفظي بخطابه التقليدي بشأن المقاومة والممانعة بعض الوقت

يخوض حزب الله حرباً كلّفته أثماناً غير مسبوقة، تجاوزت ما تكبّده في جميع مواجهاته السابقة مع إسرائيل، ومن الطبيعي تكتّمه على الأرقام الحقيقية للخسائر في الأرواح والمعدّات، لاعتبارات معنوية وميدانية، ما يجعل من الصعب التوصّل إلى إحصائيات دقيقة تكشف حجم النقص الفعلي في قدراته القتالية، من النواحي البشرية أو التسليحية واللوجستية. إلّا أنه على الرغم من تكرار القول على ألسنة ممثلي الحزب ومناصريه، إنّ "حزب الله بخير"، وتخطى "الضربات الموجعة" التي أصابته، و"وفّر بدائل في المواقع كلّها من دون استثناء"، وإنه "استعاد عافيته الميدانية ورمّم قدراته التنظيمية رغم الضربات القاسية التي تلقّاها"، يبقى من السابق لأوانه معرفة درجة الكفاءة والخبرات القيادية، وبالتالي القدرة على التعامل مع التحدّيات الميدانية والسياسية المتزايدة، لدى من وجدوا أنفسهم فجأةً في مواقعَ حسّاسة، شغرت نتيجة عمليات الاغتيال الإسرائيلية الكثيفة، التي طاولت خيرةَ الكوادر والقيادات.

ثمّة في تطوّر الأحداث وتسارعها ما يتيح الحديث عن تغيّر المعطيات التي بنى حزب الله نهجه على أساسها، عسكرياً وسياسياً، وهذا سينعكس حتماً على أدائه وخططه، على المستويات التكتيكية والاستراتيجية أيضاً. وإذ لم تعد تلك المعطيات هي نفسها، ستترتّب على القيادة الجديدة مواجهة الوقائع والظروف المُستجدَّة، فالحزب لا يواجه عمليةً عسكريةً محدودةً، بل هي حرب إسرائيلية شاملة، تهدف إلى فرض قواعد جديدة في لبنان والمنطقة، استكمالاً لحربها المستمرّة على قطاع غزّة المنكوب. ويشير سير العمليات في الجبهة اللبنانية، بدءاً من سلسلة اغتيالات القادة، ثم تفجير أجهزة الاتصال، مروراً بحملات القصف المستمرّة، وأخيراً محاولات التوغّل البرّي أن الغاية تحجيم حزب الله، والحدّ من قدراته الرئيسية، إلى درجة يصعب عليه بعدها تهديد دولة الاحتلال، وقد يعود إلى ما كان عليه في أولى سنواته، مُجرَّد مليشيا مسلّحة محلّية منخرطة في الصراعات الداخلية، ومدعومة من الخارج.

سواء تميّز الأمين العام الجديد بأسلوب أكثر تشدّداً أو مرونةً مقارنةً بسلفه، ستفرض عليه الظروف إيجاد السبل الكفيلة بالحفاظ على الحزب، ليتجاوز أزمته

فإذا أضيف إلى المشهد ما يُتداوَل من أقاويل وتسريبات عن تسويات وصفقات محتملة، ستعيد ترتيب خرائط النفوذ في المنطقة، وليست إيران بعيدةً عنها، سيكون على حزب الله (أو ما يتبقّى منه) التكيّف مع المُستجدَّات في أرض الواقع، وإنْ استمرّ في التمسّك اللفظي بخطابه التقليدي بشأن المقاومة والممانعة بعض الوقت. وسواء تميّز الأمين العام الجديد بأسلوب أكثر تشدّداً أو مرونةً مقارنةً بسلفه، ستفرض عليه الظروف إيجاد السبل الكفيلة بالحفاظ على الحزب، ليتجاوز أزمته استعداداً للمرحلة المقبلة، التي ستكون لها استحقاقاتها الداخلية على مستوى السياسة اللبنانية أيضاً، وستجعل من استمرار سيطرة الحزب على الحكومة موضع شكّ، فيضطر إلى اتّباع سياسة أكثر ميلاً إلى التفاهم والتوافق مع بقية الأطراف، ضمن شروط يُرجّح أنها لن تكون في مصلحته.