17 نوفمبر 2024
هل يلجأ ترامب إلى مخدّر "عملية السلام"؟
لا يمكن التقليل من أهمية تعهد رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، بضم غور الأردن وشمال البحر الميت، باعتباره شعاراً انتخابياً لفوزه عشية انتخابات الكنيست (البرلمان) المقرّرة بعد غد الثلاثاء (17 سبتمبر/ أيلول)، فالاحتفاظ بالسيطرة الإسرائيلية على تلك المناطق الحيوية يتسق مع الرؤية الصهيونية لحكومات الاحتلال المتعاقبة تحت مسميات وأشكال مختلفة، ولذا يجب أخذ ما أعلنه نتنياهو بجدية، ومواجهته بجدية، فعمليات الضم التي هدد بها قادة إسرائيليون أو بدأوا تطبيقها على الأرض أصبحت خطوات مقبولة أميركيا، ومن دون مواربة في عهد الرئيس دونالد ترامب، فما تسمى صفقة القرن ليست سوى إطار خادع لتدمير الشعب الفلسطيني، وتصفية حقوقه المشروعة والتاريخية. ولكن توقيت إعلان نتنياهو الانتخابي هو أيضا ضربة استباقية لتبعات التغييرات التي استجدت أخيرا في داخل الإدارة الأميركية، وتدل على أن ترامب يعيد النظر ببعض أدوات فرض خطته لإنهاء ما يراه نزاعا طال أمده، ولا حل برأيه غير تخلي الفلسطينيين عن حقوقهم وأحلامهم، باعتبارهم الطرف "المهزوم". كما أن تهديد نتنياهو خطوة استباقية لما يراه من تلك التغييرات، إذ إن ترامب بدأ يقتنع بأن نجاح خطته، أو جزء منها، قد يتضمن أدوات دبلوماسية في التعامل مع المنطقة، منها إحياء فكرة "مفاوضات" أو "عملية السلام"، ولو وسيلة تهدئة خواطر بعض المسؤولين العرب، وجعل صفقة القرن تبدو ناتجةً عن توافقات، فلا يوجد في الصفقة من التوافقات أو التفاهمات، أو حتى المقايضات، شيء من اسمها، إضافة إلى إحياء وهم مشاركة الفلسطينيين والعرب في دول المحيط بدورهم في تقرير الحل النهائي.
شهدت الأسابيع القليلة الماضية ثلاثة تغييرات في الإدارة الأميركية، أولها استقالة المشرف على ما تسمى صفقة القرن، جيسون غرينبلات، واستبداله بشخصية غير معروفة دبلوماسيا، وإن كانت أيضا صهيونية، وإقالة مستشار الأمن القومي الأكثر تطرّفاً في الدفع إلى شن حرب على إيران، جون بولتون، وفي الوقت نفسه، عودة دور وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو الذي كان قد تم تقليص دوره لصالح فريق ترامب، إلى درجة أن مساعد وزير الخارجية، ديفيد شينكر الذي جرى ترسيمه في يونيو/ حزيران، بعد تأخير في تأكيد تعيينه عاما، ولم يقم بجولة في المنطقة منذ توليه المنصب حتى خروج غرينبلات، وفيما كان ترامب يخطط لطرد بولتون.
لن تغيّر هذه التغييرات المهمة في موقف ترامب من حقوق الشعب الفلسطيني، لكنها إعادة نظر جزئية، والأرجح مرحلية، بأسلوب فرض الخطوات الإسرائيلية الاستراتيجية، والاعتراف بها، مثل ترسيخ ضم القدس وهضبة الجولان المحتلة من دون مفاوضات مع الفلسطينيين والسوريين، معتمدة على تشكيل تحالف عربي – إسرائيلي ضد إيران، يتم ترسيمه علنا ترافقا مع إقرار رسمي عربي علني بالقبول بكل الخطوات الإسرائيلية، والتخلي علنا عن الحقوق
الفلسطينية. وقد نجحت الولايات المتحدة بجزء من هذه الخطة، بفعل التواطؤ العربي الرسمي، وخصوصا دور ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان الذي كان مطلوبا منه إعلان تطبيع كامل واعتراف بحق "إسرائيل التاريخي" على أرض فلسطين، لكنه لم يجرؤ بعد على فعل ذلك، وترك الأمر لأبواق "إعلامية" موجهة، فاقدة الصدقية، لتكون مختبرا للتطبيع مع إسرائيل والاستسلام لها. المهم أن وزارة الخارجية عارضت عقلية فريق ترامب، وهي تجادل أن كل الخطوات الإسرائيلية لن تحظى بقبول عربي قوي ورسمي، من دون هدف أو محفز، يتجاوب مع جزء من طموحات الشعب الفلسطيني. والمحفز بالنسبة للخارجية الأميركية هو العودة إلى شعار "حل الدولتين"، إذ تراه شعارا جيدا يعيد الفلسطينيين إلى طاولة المحادثات، ويطمئن الدول المجاورة، خصوصا الأردن، بأن الحل المقترح قد يقبل به الفلسطينيون. وقد قرّر ترامب أن يعطي فرصة للخارجية الأميركية بتجربة أسلوبها في الإقناع، والذي اعتمدته عقودا، فهي، مع اختلاف الإدارات، عملت على تسويق "عملية السلام"، واستمرت الإدارات المتعاقبة بدعم إسرائيل وحمايتها. وكانت مهمة الخارجية، عقودا، طمأنة الحلفاء العرب بأن استقرار دولهم ونظمهم أولوية استراتيجية للسياسة الأميركية، ولكن هذا بالضبط ما لم يفعله ترامب الذي لا يولي أهمية لاستقرار حلفاء الولايات المتحدة العرب، بل تعمل معهم باعتبارهم منفذي قرارات وإملاءات، حتى لو شكلت خطرا على أنظمتهم، متجاهلا أن كل نظام يربط قبوله أي حل أو اقتراح "لإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي"، أو تعامله مع هذا الحل أو الاقتراح، بضمان استقرار النظام نفسه، وكات النتيجة أن ترامب أرعب حلفاءه من دون بريق أمل حتى، أو ادّعاء ولو كاذبا، أن الولايات المتحدة تحرص على بقاء الأنظمة الحليفة لها. ولم ينجح التصدّي ضد إيران تماما في إنجاز الهدف المنشود، فصحيح أن التصعيد جعل بعض العرب، أنظمة ومثقفين، يتحدثون عن خطر "إيران الوجودي"، ولكن المسعى الأميركي في استبدال إسرائيل عدو العرب الاستراتيجي لم ينجح بالكامل، فالتصعيد الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، بشكل غير مسبوق في وتيرته، وشبح حرب أميركية – إيرانية، صارا يُحدثان نتيجة عكسية، فأصبحت أغلبية الشعوب ومسؤولون كثيرون في خوفٍ من هزّة مدمرة لاستقرار النظم والدول.
وجاء الخلاف الإماراتي السعودي ليبرهن على فشل سياسة التصعيد وحصار إيران، إذ وجدت الإمارات نفسها في مستنقع في اليمن، وفي وضع لا تقدر على تحمل تداعياته، فأي دور لها في مضيق باب المندب يعني الدخول في تحالفاتٍ عملية على الأرض، وفي نقطة ساخنة مع
إسرائيل وأميركا ضد إيران ستدفع ثمنه الإمارات، فأي انتقام أو مواجهة مع إيران قد تعني الخراب المباشر لدولة الإمارات، أي أنها هدف مباشر، وليست فقط لاعبا في حيزٍ بعيد.
ولكن التغييرات في إدارة ترامب لا تغير جوهر الموقف الأميركي، لكننا سنرى دورا أكبر لمبعوث وزارة الخارجية، ديفيد شينكر الذي لا يقل صهيونية عن غرينبلات، فهو من مدرسة المبعوث السابق، دينيس روس الذي نعته أحد أقرب معاونيه "محامي إسرائيل"، وعارض أسلوب فريق ترامب منذ البداية، وتوقع فشله، ليس من باب تأييد حقوق السعب الفلسطيني، إنما خوفا من انهيار كل الخطوات السابقة التي تمّت تحت مسمّى عملية السلام، وقاربت بين المسؤولين العرب وإسرائيل، وخوفا من تقويض مشاريع التطبيع. وقد فهم نتنياهو أن هناك مرحلة جديدة من حيث التكتيك، قد تتطلب تبطئة عمليات الضم للأراضي الفلسطينية وطمأنة الأنظمة العربية، أي أن ترامب سيلجأ إلى مزيج من التهديد المتغطرس ودبلوماسية وزارة الخارجية. والخشية أن ترى قيادات عربية في ذلك فرصة أنها نجت من الضغوط، فتتابع المسارعة في التطبيع مع الكيان الصهيوني.
لم تصبح المرحلة أقل خطورةً، سواء سارعت قيادات إسرائيل في عمليات ضم لأراضي الفلسطينية أو لم تسارع. الخطة هي نفسها. ولكن حذار من إبرة تخدير الدبلوماسية الأميركية، تحت شعار "عملية السلام"، فتدمير فلسطين جار على قدم وساق، وكلنا نتحمّل المسؤولية.
لن تغيّر هذه التغييرات المهمة في موقف ترامب من حقوق الشعب الفلسطيني، لكنها إعادة نظر جزئية، والأرجح مرحلية، بأسلوب فرض الخطوات الإسرائيلية الاستراتيجية، والاعتراف بها، مثل ترسيخ ضم القدس وهضبة الجولان المحتلة من دون مفاوضات مع الفلسطينيين والسوريين، معتمدة على تشكيل تحالف عربي – إسرائيلي ضد إيران، يتم ترسيمه علنا ترافقا مع إقرار رسمي عربي علني بالقبول بكل الخطوات الإسرائيلية، والتخلي علنا عن الحقوق
وجاء الخلاف الإماراتي السعودي ليبرهن على فشل سياسة التصعيد وحصار إيران، إذ وجدت الإمارات نفسها في مستنقع في اليمن، وفي وضع لا تقدر على تحمل تداعياته، فأي دور لها في مضيق باب المندب يعني الدخول في تحالفاتٍ عملية على الأرض، وفي نقطة ساخنة مع
ولكن التغييرات في إدارة ترامب لا تغير جوهر الموقف الأميركي، لكننا سنرى دورا أكبر لمبعوث وزارة الخارجية، ديفيد شينكر الذي لا يقل صهيونية عن غرينبلات، فهو من مدرسة المبعوث السابق، دينيس روس الذي نعته أحد أقرب معاونيه "محامي إسرائيل"، وعارض أسلوب فريق ترامب منذ البداية، وتوقع فشله، ليس من باب تأييد حقوق السعب الفلسطيني، إنما خوفا من انهيار كل الخطوات السابقة التي تمّت تحت مسمّى عملية السلام، وقاربت بين المسؤولين العرب وإسرائيل، وخوفا من تقويض مشاريع التطبيع. وقد فهم نتنياهو أن هناك مرحلة جديدة من حيث التكتيك، قد تتطلب تبطئة عمليات الضم للأراضي الفلسطينية وطمأنة الأنظمة العربية، أي أن ترامب سيلجأ إلى مزيج من التهديد المتغطرس ودبلوماسية وزارة الخارجية. والخشية أن ترى قيادات عربية في ذلك فرصة أنها نجت من الضغوط، فتتابع المسارعة في التطبيع مع الكيان الصهيوني.
لم تصبح المرحلة أقل خطورةً، سواء سارعت قيادات إسرائيل في عمليات ضم لأراضي الفلسطينية أو لم تسارع. الخطة هي نفسها. ولكن حذار من إبرة تخدير الدبلوماسية الأميركية، تحت شعار "عملية السلام"، فتدمير فلسطين جار على قدم وساق، وكلنا نتحمّل المسؤولية.
مقالات أخرى
10 نوفمبر 2024
20 أكتوبر 2024
29 سبتمبر 2024