هل يقود ترامب أميركا إلى الفاشية؟

17 نوفمبر 2024
+ الخط -

التركيبة العجيبة والخطيرة من مرشّحي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لقيادة أهم مؤسّسات الولايات المتحدة للسياسة الخارجية والداخلية وصفة انحدار إلى الفاشية وحرب أهلية وإرهاب عالمي. ولا يمكن التصديق عليها، بمجموعها، في الكونغرس، إلا إذا أصاب الحزب الجمهوري لوثة جنون. وحتى المصادقة على نصف هؤلاء تضع أميركا في وضع غير مسبوق من الانحياز إلى العنصرية واليمين المتطرّف واستحلال الجرائم.

إذا جرى قبول عدد من هؤلاء المرشّحين، خاصة في المواقع الحساسة، مثل وزارة الخارجية والمدّعي العام ومؤسّسة الأمن الوطني والهجرة، فالخطوة الأولى ما بعد الانتخابات ستكون قمع الحركات المؤيدة للفلسطينيين وترهيب العرب والمسلمين، أكانوا ممن أيدوا ترمب أو صوّتوا لكامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية.

الموقف من القضية الفلسطينية والفلسطينيين شديد الوضوح؛ عنوانه ترشيح أول شخص ينتمي إلى المسيحية الصهيونية سفيراً لواشنطن لدى تل أبيب، ورجل أعمال صهيوني متطرّف مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط، ويرأسهما مرشّح موقع وزير الخارجية الذي يؤيد بشكل مطلق رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو.

كانت أميركا، وستبقى، تمارس الإرهاب، وتغزو، وتبرّر حروب الإبادة

كانت أميركا، وستبقى، تمارس الإرهاب، وتغزو، وتبرّر حروب الإبادة، فهي ستشارك في حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بشكل يومي ومستمر، لكن عهد ترامب هو عهد "تشريع العنصرية"، وجعل المؤسسات الأمنية الموجودة أكثر وحشية تحت شعار "أميركا أولاً"، الذي جذب ضحايا القمع من فقراء وأقليات ومهاجرين اعتقدوا أن ترامب سيحمي أميركا وينقذ الاقتصاد ويوفر الوظائف. ومن الضروري هنا الإشارة إلى أن موقف فريق مرشّحي ترمب من أميركا اللاتينية والمهاجرين مرتبط إلى حد كبير بالموقف من القضية الفلسطينية، فمجرد ترشيح توم هومان الملقب "قيصر الحدود" لإدارة الهجرة، وماركو روبيو، المهووس بعقلية الحرب الباردة والكاره يساريي أميركا اللاتينية، وزيراً للخارجية، يعيد جيران أميركا على الحدود الجنوبية إلى عهد مبدأ اعتبارها "منطقة نفوذ وهيمنة أميركية"، فعداء روبيو لمن يعتبرهم يساريين في الأميركتين، الوسطى والجنوبية، ينسحب على عدائه المعلن لأي رئيس دولة لاتينية يؤيد القضية الفلسطينية، أو لمجرّد انتقاد إسرائيل، وقد جاهر روبيو بذلك علناً. وقد يعني هذا محاولة تنفيذ عقوبات على الدول التي يقودها رؤساء ينتقدون إسرائيل أو يتعاطفون مع الفلسطينيين، قد تؤدّي إلى معاقبة مواطني هذه الدول، في حال مجيئهم الى أميركا أو توقيفهم على الحدود لمحاولتهم الدخول بشكل قانوني.

فالعنصرية والتشدّد حيال المهاجرين ومن تصفهم واشنطن بالإرهابيين، وهذا نعت يرمى به العرب والمسلمون، لا تقتصران على روبيو وهومان، وإنما، والأهم، المرشحان لموقع النائب العام، وهو أعلى موقع قانوني في أميركا، مات جايتز، ووزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم. هؤلاء معاً يشكّلون رباعياً يمينياً متطرّفاً، خصوصاً أن ترامب قد يكلف الأخيريْن بالانقضاض على طلبة الجامعات والحركات المؤيدة للفلسطينيين، والعرب والمسلمين، بالرغم من تصويت نسبة كبيرة منهم في ميشيغن له.

يبدو واضحاً أن ترامب يحاول أن يشكل فريقاً متكاملاً من المتطرّفين الذين يدعمون اليمين الصهوني بدون كلمات منمّقة، فبالإضافة إلى روبيو الذي شبّه الشهيد يحيى السنوار بأدولف هتلر، فإن اختياره لمايك هاكابي، الإنجيلي المسيحي الصهيوني، سفيراً لدى إسرائيل، جاء ليس فقط ترضية لقاعدة ترامب بين أعضاء الكنيسة الإنجيلية الصهيونية، وإنما ليكون سوطاً على رقاب الفلسطينيين والعرب، فهو سيحاول استثمار المسيحية الصهيونية لمحاربة الفلسطينيين في كل مكان، فيما ستكون مرشحة ترامب لتمثيل واشنطن في الأمم المتحدة، إليز ستيفانيك، صوت أميركا في العالم لتجريم التضامن مع الفلسطينيين، وأي مهاجمين أو منتقدين لإسرائيل حتى في أروقة الأمم المتحدة. وقد اشتهرت هذه باستجوابها الترهيبي، وإن كانت جاهلة من حيث الفهم والمعلومات، رئيسات جامعات كولومبيا وهارفارد وبنسلفانيا، لسماحهن بالنشاطات المعارضة لحرب الإبادة الإسرائيلية والدعم الأميركي غير المحدود للكيان الصهيوني، وسبّبت تشويه سمعتهن، ما اضطر اثنتين منهن إلى الاستقالة من منصبيهما.

يريد ترامب أن يفرض "حلّاً"، ليس بمعنى التفاوض، بل شروط استسلام

أما "قطب العقارات"، ستيفن ويتكوف، المرشّح لمهمة المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، فهو صهيوني متطرّف ومليونير يكاد يكون توءماً لجاريد كوشنر صهر ترامب، فهو مثله، يعتبر فلسطين مساحة عقارية مباحة للصهاينة وللاستثمار والنشاط العقاري، وما الذي سيمنعهما بعد أن دمّرت إسرائيل غزة؟!، وكان كوشنر قد تحدّث صراحة عن مشاريع منتجعات سياحية على شواطئها.

باختصار؛ لم يبق إلا أن يضم ترامب سموتريتش وبن غفير إلى طاقمه، لكن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك كله. ومع أن رجال الرئيس يتماهون مع قادة المستوطنين، إلى حد أن هاكابي دعا إلى الاعتراف بالجولان المحتلة جزءاً من دولة إسرائيل، لكن هذا لا يعني أن ترامب سيعطي إسرائيل كل ما تريد؛ فهو لا يؤمن بالحروب المستمرّة وطويلة الأمد، ويرفض جر الجيش الأميركي إلى المعارك، لكنه يفهم معنى "الضربة الساحقة"، وما يهمّه أن تكون ضربة ساحقة فعلاً. وسيعمل على ترهيب الدول العربية، فالتطبيع مع السعودية يهمّه أكثر من بناء المستوطنات، وسيسمح أو يعترف بتوسيعها أو ضمّها وفقاً للمصلحة الأميركية. لذا؛ لا بديل عن استمرار المقاومة، ولو فكراً أو كتابة، والانضمام إلى حركات مناهضة التطبيع والمقاطعة الاقتصادية.

وحتى لو فرضنا جدلاً أن ترامب لن يسمح لإسرائيل بعرقلة تحقيق مفهومه "أميركا أولاً"، أي إسرائيل ليست أولاً، بل يدعم إسرائيل بقدر خدمة أجندتها أهداف أميركا، فصحيحٌ أنه قد يستطيع وقف "العمليات العسكرية" لإسرائيل في غزّة، لأنه يعتقد أن ما حدث يكفي لتركيع العرب، وصحيحٌ أنه لا يريد حرباً إقليمية بين إسرائيل وإيران، لكن ذلك لن يجلب العدالة ولا ينهي المعاناة للفلسطينيين. أقول هذا لأنني فوجئت ببعض من صوّتوا لترامب وبعض المحتفلين بانتصاره، وهنا أقصد مؤيدي القضية الفلسطينية الذين يعتقدون أن مجيئه سينهي الحروب بعد التجربة المريرة مع كذب الحزب الديمقراطي.

سيكتشف الأميركيون قريباً ما هو خطر ترامب، إلا إذا تدخّلت المؤسّسة الأميركية

ومع أننا كلنا نريد وقفاً فورياً لإطلاق النار، لكن هناك شعور متنام من الاستسلام بين العرب والفلسطينيين، خوفاً على وضع البلاد العربية، وإنْ كان هذا الشعور مفهوماً، إلا أنّه إساءة فهم لترامب، وأسلوبه في الهيمنة. ففي نهاية المطاف هو يريد أن يفرض "حلّاً"، ليس بمعنى التفاوض، بل شروط استسلام، تجعل من الدول، والأهم الشعوب العربية، في خدمة إسرائيل ومشاريعها الاقتصادية والأمنية عملياً وليس كلاماً فحسب.

لا أستطيع التعميم، لكن الشعور عند الأغلبية هو الخشية من ترامب، فهو لا يهتم بسيادة الأردن، ولا يجامل أي حاكم عربي، ولا يقبل منهم إلا الانصياع. ولكن، لنتذكّر أن مجيء ترامب لا يشكل خطراً علينا فقط، وإنما، كما أسلف المقال في بدايته، يقود أميركا إلى الفاشية أو إلى حرب أهلية. ولذا دعا وزير الاقتصاد الأميركي السابق، روبرت رايخ، الأميركيين إلى تشكيل جبهة موحدة في مواجهة عهد ترامب.

إذن، لسنا وحدنا، بل سيكتشف الأميركيون قريباً ما هو خطر ترامب، إلا إذا تدخّلت المؤسّسة الأميركية، وأنا أؤمن بوجود دولة عميقة، لمنع التدهور نحو الفاشية.

كاتبة وصحفية
كاتبة وصحفية
لميس أندوني
كاتبة وصحفية من الأردن
لميس أندوني