هل يلجأ أبو مازن إلى طرق خلاقة؟
أدّى استشهاد الصحافية شيرين أبو عاقلة ورد الفعل الفلسطيني والإقليمي والدولي، ثم القمع الهمجي لجنازتها، إلى إعادة الزخم للقضية الفلسطينية وللحق الوطني الفلسطيني، ولو مؤقتاً. ولكن هذا الاهتمام، كغيره في السابق، لن يكون ذا فائدة، إذا لم تنجح القيادة الفلسطينية في ترجمة هذا الزخم الإعلامي والسياسي وردود الفعل العالمية القوية إلى نتائج ملموسة في الحلبة السياسية.
صحيحٌ أن القيادة الفلسطينية، برئاسة محمود عباس، تعيش حالة تراجع واضحة، انعكست في الأزمة المالية، بسبب تراجع المساعدات الدولية وشبه انقطاعها من العالم العربي. كما تسبّب الانشقاق الفلسطيني ووجود قيادتين مختلفتين، كل منهما مسيطرة على منطقة محدّدة، وتراجع الحريات في فلسطين، بتوسيع الفجوة بين القيادة والشعب. ولعل الخسارة الكبيرة لحركة فتح في انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت دليل إضافي على هذا التراجع. وعلى الرغم من ذلك كله، ينتظر العالم ماذا سيحدث لتهديد الرئيس أبو مازن الجانب الإسرائيلي في خريف العام الماضي من على منصّة الأمم المتحدة البدء بالانسحاب من الأراضي المحتلة خلال عام، وإلا..
التشرذم الفلسطيني وتوقع أن يأتي الخلاص من الخارج أصبحا ميزتي الفترة الحالية التي غاب عنها الفكر المبدع واسترجاع زمام المبادرة السياسية. في ظل هذا كله، يطل علينا الأستاذ الجامعي الأميركي جيروم سيغل باقتراح مبني على فكرة تقديم اقتراحات أحادية الجانب بدون انتظار الطرف الآخر أو للأطراف الدولية أن تضغط لحل قضيتنا. وهو اقتراح مبني على ضرورة محاولة إعادة الحياة إلى اللجنة الدولية الخاصة بفلسطين في الأمم المتحدة، والمعروفة بالأحرف UNSCOP، وتشكلت عام 1947، من خبراء اختيروا من 11 دولة (ليس أي منها دائمة العضوية في مجلس الأمن)، وكانت من اقترح قرار تقسيم فلسطين رقم 181. وفي ذلك الوقت، رفضت القيادات الفلسطينية لقاء الوفد، ما نتج عنه اقتراح التقسيم، والذي جرى تمريره بعد ضغوط على أعضاء في الجمعية العامة.
جيروم سيغل يعتقد أن القيادة الفلسطينية ستستقبله، فيما تُتوقع مقاطعة إسرائيل
أما الآن، فمع رفض إسرائيل التعامل مع الجانب الفلسطيني في أي أمر سياسي، لا بد، حسب مبادرة البروفيسور سيغل، استغلال الوضع لطرح فكرة متكاملة تحظى بموافقة شعبية فلسطينية من خلال استفتاء عام. وقد طرح الأستاذ الجامعي فكرته في كتاب له أصدرته جامعة كاليفورنيا بالإنكليزية باسم "غصن الزيتون من فلسطين"، وستنشر ترجمة بالعربية له في إحدى الصحف الفلسطينية قريباً. وسيغل معروف لدى القيادات الفلسطينية، وقد التقى مع الرئيس محمود عباس، وعرض عليه فكرة إعادة إحياء اللجنة الدولية، لتقدّم توصيات جديده قد تتضمن ما يمكن للجانب الفلسطيني قبوله، على الرغم من أن الأرجح أن ترفضه إسرائيل.
ومعروف أن قرار التقسيم أصبح في ما بعد أساس إعلان استقلال فلسطين، وقد جرى ذلك بمبادرة من جانب واحد، الأمر الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني في دورته في الجزائر في 15/11/1988. ولكن مقترح سيغل يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، ويطرح حلّاً جديداً فيما يتعلق بموضوع تنفيذ حق العودة للاجئين. وعلى الرغم من المقاطعة الفلسطينية للجنة الخاصة للقضية الفلسطينية قبيل صدور قرار التقسيم، إلا أن جيروم سيغل يعتقد أن القيادة الفلسطينية ستستقبله، فيما تُتوقع مقاطعة إسرائيل، الأمر الذي يضمن صدور قرار أكثر ميلاً إلى المطالب الفلسطينية.
يقترح سيغل تعويضات بمبلغ 400 مليار دولار للاجئين، وأن تقدّم فلسطين اقتراحاً لمجلس الأمن يتضمن إعادة تأكيد حق تقرير المصير
والاقتراح مبني على احترام رغبة الشعب الفلسطيني في استرجاع كل الأراضي المحتلة عام 1967، وهنا يطرح سيغل تبادل أراضٍ بنسبة 100%، وأن تكون الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس، حسب اقتراح الرئيس الأميركي الأسبق كلينتون، ويجرى تبادل الأراضي من خلال إعادة 50 قرية تم تهجيرها إلى الدولة الفلسطينية، ما يعني عودة 500 ألف فلسطيني إلى قراهم التي ستصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية، فيما يستمر حق المهجرين من 350 قرية بضرورة المشاركة في وضع تمثال يشرح النكبة الفلسطينية. كما يقترح سيغل تعويضات بمبلغ 400 مليار دولار للاجئين، وأن تقدّم فلسطين اقتراحاً لمجلس الأمن، تدعمه دولتان، مثل النرويج وألمانيا، يتضمن إعادة تأكيد حق تقرير المصير، وأن يجرى عرض الاقتراح المتكامل للتصويت الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج في استفتاء عليه، وفي حال نجاحه، بموافقة الشعب، يقدّم إلى رئيس إسرائيل، بهدف إقناع الإسرائيليين بضرورة التعامل معه.
مؤكّد أن اقتراح سيغل يتطلب تفكيراً وقدرة على اتخاذ قرار خارج عن الصندوق، الأمر الذي ليس معتاداً من قيادة عبّاس المحافظة، والتي لا تدخل في مغامرات سياسية غير معروفة نتائجها مسبقاً. ولكن يبقى السؤال: ما الذي سيفعله الرئيس عند نفاد المدّة التي اقترحها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكانت اقتراحات قريبة لاقتراح سيغل أم مختلفة عنه. ولكن، هل هناك من يفكّر باستراتيجيةٍ لها فرص للنجاح، ويمكن للشعب الفلسطيني أن يلتفّ حولها؟