جسر الإهانات
فتحت عملية سائق الشاحنة الأردني ماهر الجازي (من عشيرة الحويطات) في جسر الملك حسين، موضوع معبرٍ تحتكره إسرائيل أكثر من خمسة عقود، ويُسبِّب يومياً المآسي والإهانات. قد يقول بعضهم إنّ قتل الجازي ثلاثة إسرائيليين في الجانب الإسرائيلي من الجسر، وإغلاق المعبر، سيسبّب مزيداً من المعاناة للفلسطينيين، خاصّة للأهل في غزّة، المعتمدين على الشاحنات الأردنية، وهذه في أوقات كثيرة الوسيلة الوحيدة لكسر محاولات الاحتلال تجويع الفلسطينيين عقاباً جماعياً. ولكن، ما حدث في صباح الثامن من سبتمبر/ أيلول الجاري يجب أيضاً أن يكون بمثابة إشارة تحذير من احتكار المحتلّ وسيلةَ تواصل لملايين من الفلسطينيين.
لقد شكّل استمرار الحرب على غزّة، وتصعيد الهجمات في الضفّة الغربية، محور الاهتمام لعديدين في الأردن، فكان هناك قلق إزاء انتشار العنف في الأراضي المحتلّة، واحتمالات جهد عنصري لطرد الفلسطينيين من الضفّة الغربية، وكان الأردن هدفاً لعديد من تهديدات إسرائيلية، بما في ذلك التهديد المتداول علناً أنّ إسرائيل تفكّر في ترحيل الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأردنية. وذهب وزير الخارجية، أيمن الصفدي، إلى أنّ أيّ محاولة لطرد الفلسطينيين من الضفّة الغربية سوف ينظر إليها في الأردن باعتبارها من أعمال الحرب.
وقعت عملية الجازي رغم جهود الحكومة الأردنية لفحص جميع المسافرين، بما في ذلك سائقي الشاحنات. ووقوع الهجوم بعد أن مرّت الشاحنة عبر منطقة أمن الحدود الإسرائيلية يعني أنّ إسرائيل لا تستطيع تحميل قوّات الأمن الأردنية المسؤولية، في حين لم يتمكّن ضبّاط أمنها أيضاً من اكتشاف أنّ المهاجم كان يخفي مسدّساً في شاحنته. في الواقع، إذا حكمنا من خلال تجربة عقود من سفر الركّاب والبضائع، فمن المدهش أنّ الحدود بقيت آمنةً، وكانت آخر مرّة وقعت فيها أعمال عنف على جسر الملك حسين في مارس/ آذار 2014، عندما قتل ضابط أمن إسرائيلي القاضي الأردني، رائد زعيتر، في حافلة، لأنّه اشتكى من المضايقات الإسرائيلية للمسافرين، ولم يُحقَّق في هذه الحادثة أبداً، ولم يُحمَّل أحدٌ المسؤولية. تزعم إسرائيل أنّ الكاميرات عند نقطة العبور (حيث وقع إطلاق النار) لم تكن تعمل حينها، وهو تفسير رفضته الأردن.
من غير المعقول أن تستمرّ إسرائيل في رفض السماح للفلسطينيين ببناء مطار
لا يمكن لمعبر بين الأردن والضفّة الغربية أن يستمرّ كما كان في 76 سنة مضت، ولا يمكن لإسرائيل قوّةَ احتلال أجنبية أن تستمرّ في السيطرة العسكرية على المعبر بين منطقتَين يسكنهما العرب. لا يستطيع الإسرائيليون أنّ يتوقّعوا العيش في أمان وطمأنينة في حين يعاني ملايين الناس الإذلال الذي يفرضه عليهم الاحتلال العسكري الأجنبي، ويضطرون إلى السفر عبر نقطة عبور واحدة يسيطر عليها المحتلّون. فلمدة 57 عاماً لم يتمكّن الفلسطينيون من استخدام سيّاراتهم الخاصّة، أو حتّى السفر من نابلس إلى عمّان على سبيل المثال من دون الحاجة إلى استخدام أربع وسائل نقل مختلفة. لا يمكن أن يستمرّ الإذلال والتكاليف المرتفعة لعبور الجسر من دون حلّ، ومن السخف أن تُرغَم البضائع، ويجبر الأشخاص على استخدام نقطة العبور الوحيدة في حين توجد إمكانات أخرى، مثل جسر آدم المُغلَق منذ سنوات. ومن غير المعقول أيضاً أن تستمرّ إسرائيل في رفض السماح للفلسطينيين ببناء مطار جوي وميناء بحري خاصَّين بهم.
يعلم كلّ خبير أمني أنّ ضمان الأمن بنسبة 100% يكاد يكون مستحيلاً، وهذا هو السياق الذي ينبغي أن يكون محور المناقشة، فهناك حدّ لما يمكن القيام به لمنع الهجمات المسلّحة، ومن غير المجدي حتّى محاولة القيام بذلك، من دون النظر إلى عناصر أخرى، بما في ذلك، على وجه الخصوص، ما قد يُحفّز الفرد إلى ارتكاب عملٍ يعلم أنّه سينتهي بموته.
لا ينبغي أن تؤدّي عمليات القتل التي وقعت على جسر الملك حسين إلى فرض عقوبات جماعية على الشعب الفلسطيني، بل ينبغي لنا أن نعيد النظر في الوضع غير المقبول الذي تمكّن فيه المحتلون الإسرائيليون، على مدى عقود، من الإفلات من العقاب على تقييد حركة الفلسطينيين من دون بذل أيّ جهد جادّ لإصلاح هذا المعبر المُهين، الذي يتردّد كلّ فلسطيني في استخدامه بسبب التاريخ الطويل من الإهانات. فمن الضروري أن تتضافر الجهود لإيجاد حلول جذرية، أوّلها وأهمّها سحب حقّ الاستفراد في قرارات الفتح والإغلاق والسماح للمسافرين باستخدام وسائل النقل التي يختارونها، من دون فرض النقل الجماعي، واستخدام شركات الـ"VIP" المُحتكِرة أيضاً للنقل بأسعار فلكية لا يمكن للشخص العادي أو العائلة أن تدفع ثمنها من أجل تجاوز ما يتعلّق بجسر الإهانات.