هل يحسم أردوغان المعركة لصالحه؟
تقترب ساعة الحسم، وما هي إلا أيام معدودات ويسدل الستار على الانتخابات التركية التي تتبارى على الظفر بها عدة أحزاب سياسية، أبرزها التحالف الجمهوري (الحاكم) الذي يضم في صفوفه، العدالة والتنمية، والحركة القومية، والوحدة الكبرى، والرفاه، وأخيرا حزب هدى بار الذي يخوض هذا الاستحقاق تحت قيادة رجب طيب أردوغان في مواجهة تحالف الأمة أو الطاولة السداسية التي تشكّلت من أحزاب، الشعب الجمهوري، الجيد القومي، السعادة، الديمقراطية والتقدم، المستقبل، الحزب الديمقراطي، التي اختارت كمال كلجدار أوغلو مرشّحا لها في الانتخابات الرئاسية في 14 من مايو/ أيار الجاري.
لن تكون المعركة سهلة أمام الأحزاب المتنافسة، وخصوصا بالنسبة لكمال كلجدار الذي يخوض سباقا محموما مع شخصية وازنة، خبرت السياسة وتدرجت في دروبها أكثر من عقدين، فأردوغان يجرّ وراءه تجربة طويلة في قيادة تركيا، الدولة الإقليمية الكبرى، التي قطعت أشواطا على طريق التقدّم والازدهار الاقتصادي والعمراني والصناعات العسكرية، وخصوصا في العقد الأول من حكم حزب العدالة والتنمية. وحتى في الظروف الحالكة، حينما لجأ خصومُه إلى تدبير محاولة انقلابية عام 2016 لإسقاطه من على كرسي الحكم، خرج منها سالما غانما، منتصرا على الأطراف التي استهدفته ومعزّزا شرعيته في قيادة تركيا. لكن المنافسة في السياسة، عموما، لا تضع اعتبارا للأخلاق. لذا، لم توفّر المعارضة فرصة صغيرة أو كبيرة إلا وظفتها في المعركة ضد حزب العدالة والتنمية، وتحديدا ضد أردوغان، بدءا بالأوضاع الاقتصادية العالمية، والتي كان لتركيا نصيب هام من انعكاساتها، وانتهاء بالزلزال المدمّر الذي ضرب بعنف شديد عشر محافظات، وخلف وراءه مآسي آلاف الأسر التركية التي أصبحت، في برهة، بلا مسكن ولا مأوى.
والمآسي حينما تسقط على الوطن كما هو حال الزلزال المدمر، المفروض أو الطبيعي أن تنهض وتتداعى كل القوى السياسية من موالاة ومعارضة وتتكاتف، لتتمكّن من تضميد جراح المنكوبين وإغاثة الضحايا وتقديم المساعدات لمن أصبحوا في أمس الحاجة إليها. أما إلقاء اللوم على من هم في السلطة وتحميلهم مسؤولية الأضرار الناتجة عن ظاهرة طبيعية، فلن يكون سوى استغلال لنقمة الناس من هول الفاجعة وسريعا سيكتشفون أن مآسيهم جرى توظيفها في معارك انتخابية.
أردوغان لم يتوان في المطالبة بنظام دولي جديد، أكثر عدلا وإنسانية، وفي ذلك انتقاد للهيمنة الأميركية التي لم تعد تطيق استمرار أردوغان رئيسا لتركيا
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي لا تعكس كل الحقيقة، فهي تارة تكون لصالح التحالف الجمهوري الحاكم وتارة تكون لصالح تحالف الأمة. والحال أن الشركات التي تعمل على إبراز اتجاهات الرأي العام ليست محايدة وبريئة، والخبراء والمتخصّصين في مجال البحوث وإجراء استطلاعات الرأي، يدركون كم هو متاح التحكّم في نتائج الاستطلاعات وتوجيهها، حيث تريد الجهة المشرفة عليها، والتي تكون لها مصلحة في بناء رأي عام عبر ضخّ أرقام ونسب تخدم هذا الطرف أو ذاك.
أردوغان حريص على استكمال المشاريع والورش التي بدأها ولم تُسعفه الظرفية العالمية الصعبة، ولا أمهله عامل الزمن الذي قد ينهي مهمته على رأس البلاد في انتخاباتٍ تتشابك فيها الخيوط بين الداخلي والخارجي، فأردوغان لم يتوان في المطالبة بنظام دولي جديد، أكثر عدلا وإنسانية، وفي ذلك انتقاد للهيمنة الأميركية التي لم تعد تطيق استمرار أردوغان رئيسا لتركيا. وهذا جرّ على البلاد مشكلات وعراقيل، عملت لصالح المعارضة، لتمكينها من وضعية مريحة، تعبّد لها الطريق، للظفر بانتخابات 14 مايو/ أيار الجاري، فالقرارات والتدابير التي اتخذتها البنوك المركزية وصندوق الاحتياط الفيدرالي الأميركي، جميعها صبّت في غير مصلحة تركيا، بل وضعت اقتصادها أمام تحدّيات كبرى، فالولايات المتحدة لن تنسى لأردوغان توجّهه نحو روسيا واقتناء منظومة الدفاع الصاروخي إس 400 التي تشكّل تهديدا لسلاح الجو الأميركي ولمنظومة دفاع حلف شمال الأطلسي.
ما فتئ أردوغان يعلن في حملاته خشيته من أن تدمّر المعارضة ما تم إنجازه خلال عقدين
وعلى صعيد آخر، تستمرّ نسب التضخّم في الصعود إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، فيما الليرة تدهورت قيمتها مقابل الدولار. أما الديون الخارجية، ووفقا للبنك المركزي التركي، فباتت عبئا على الاقتصاد، وعلى وتيرة النمو في البلاد. فأمام الأزمة الاقتصادية الخانقة، لم يجد الرئيس أردوغان ركنا شديدا يستند إليه، سوى تخفيض سعر الفائدة ورفع الأجور وتقديم قروض ميسّرة لامتلاك وحدات سكنية لامتصاص نقمة المواطنين وسخطهم على صعوبة الأوضاع المعيشية. فأردوغان يعمل، بهذه الإجراءات، على نزع كل الملفات أو التقليل من انعكاساتها على مستقبله السياسي.
والأكيد، أن المنافسة في هذا الاستحقاق الانتخابي كانت حرارتها جدّ مرتفعة. وأردوغان والتحالف الجمهوري يواجهون معارضة، تكتّلت مكوناتها رغم التباينات الصارخة فيما بينها، فما يجمعها هو إنهاء تجربة العدالة والتنمية، وتحديدا وضع حد لطموح أردوغان في البقاء، رئيسا للجمهورية التركية. لكن أردوغان ما فتئ يعلن في حملاته الانتخابية خشيته من أن تتمكّن المعارضة من تدمير ما تم إنجازه خلال عقدين. وفي هذه الحالة، ستخسر البلاد مركزها دولة إقليمية مؤثرة وتنكفئ إلى دولة وظيفية في مشاريع القوى الدولية.
فهل، يا تُرى، سيستطيع أردوغان أن يصنع المفاجأة، ويثبت لمنافسيه أن منسوب رصيد حزب العدالة والتنمية لا يزال عاليا، ومكانته محفوظة لدى شرائح واسعة من الشعب التركي؟