هل سينجح الرهان على التسوية الليبية؟

20 مارس 2021
+ الخط -

آمال كبيرة تعلقها غالبية الشعب الليبي على التسوية السياسية التي تحظى برعاية أممية وتوافق دولي وإقليمي، وأفضت إلى اختيار ملتقى الحوار السياسي في 5 الشهر الماضي (فبراير/ شباط) سلطة تنفيذية موحدة، خصوصاً بعد أن صوّت مجلس النواب الليبي، في 10 مارس/ آذار الجاري، لمنح الثقة للحكومة الانتقالية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، والسلاسة التي وسمت تسليم فايز السراج السلطة إلى الرئيس الجديد للمجلس الرئاسي، محمد المنفي، في 16 مارس/ آذار الجاري.

وتزداد طموحات الليبيين مع استمرار صمت المدافع وتواتر الخطوات السياسية في اتجاه إنهاء فصول أوضاعهم المأساوية، منذ صدر في 21 أغسطس/ آب 2020 إعلانان متزامنان عن وقف إطلاق النار من رئيس المجلس الرئاسي السابق، فايز السراج، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ثم توالت الخطوات باتجاه تمتين التسوية السياسية مع الإعلان عن اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في عموم ليبيا في 23 أكتوبر/ تشرين أول 2020، وانعقاد ملتقى الحوار الليبي الذي تشكّل من طيف واسع من القوى السياسية والمجتمعية برعاية الأمم المتحدة، وانتخب سلطة تنفيذية، ممثلة في أعضاء ثلاثة لمجلس رئاسي يمثل أقاليم ليبيا الثلاثة، طرابلس وبرقة وفزان، ورئيساً لهذا المجلس، إضافة إلى رئيس حكومة انتقالية.

وإن كان تثبيت وقف إطلاق النار بمثابة اختبار لنيات جميع القوى والأطراف المتصارعة، ولإسهامها في إشاعة جو من الطمأنينة لدى كل الليبيين، إلا أن الحكومة الجديدة تنتظرها مهام عديدة، أبرزها تطبيق خريطة الطريق التي أقرّها ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف، والعمل على صياغة دستور جديد وقانون انتخابي، بغية تمهيد الطريق لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021، لكن وعلى الرغم من ترحيب مختلف القوى الدولية والإقليمية، والأطراف الداخلية في ليبيا، بمنح الحكومة الجديدة ثقة البرلمان، وتعهدها بمدّ يد العون لها للقيام بمهماتها، إضافة إلى التفاؤل بالمرحلة السياسية المقبلة، إلا أن تحدّيات كثيرة تواجه السلطة الليبية الجديدة، وفي مقدمتها قدرتها على تجاوز إرث الماضي الذي خلفته سنوات من الحروب والمعارك والخراب والفوضى والصراعات القبلية والجهوية، إلى جانب الانقسام السياسي والإداري والعسكري، فضلاً عن انهيار منظومة الخدمات الضرورية لعموم الليبيين، وتفشّي ظواهر الفساد والتهريب والاتجار بالبشر وسوى ذلك.

لا من خطواتٍ جريئةٍ تنهي الاستقطاب المناطقي بين الشرق والغرب، وتعيد بناء المؤسسات

وعلى الرغم من ملابساتٍ رافقت تشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن نيلها ثقة البرلمان يضعها أمام تحدّياتٍ واستحقاقاتٍ كبيرة وعديدة تواجهها، وتؤثر على ممكنات تحقيقها مهامها، بالنظر إلى أن عمرها الافتراضي لا يتجاوز نهاية العام الجاري، كما أنه لا يمكن الجزم بإمكانية تجاوز كل الصعوبات والتحدّيات المطروحة خلال فترة وجيزة، بسبب ضخامة المهام والمسؤوليات، إذ تشكّل مسألة توزيع عائدات النفط البالغة الحساسية مصدر توتر بين جميع الأطراف، كما أن مسألة حلّ المليشيات التي ما تزال في أماكنها، وترحيل عشرات آلاف المرتزقة، وكذلك جمع السلاح المنفلت في مختلف المناطق الليبية، تتطلّب توافقاً دولياً وإقليمياً قادراً على ممارسة الضغط اللازم على مختلف الأطراف والقوى الداخلية من أجل تحقيق كل ذلك، وجعله متحققاً على أرض الواقع.

ومع تحرّك عجلة التسوية السياسية في ليبيا، بفضل توفر عوامل داخلية وخارجية دفعت باتجاهها، فإن أنظار الليبيين تتجه إلى مرحلة جديدة تحقّق المصالحة الوطنية الشاملة، وتنهي تقسيم البلاد إلى مناطق نفود ومصالح قوى الأمر الواقع، وتقطع مع زمن الحروب والمعارك نحو تحقيق السلام والأمن والاستقرار واستعادة الوحدة وسيادة الدولة، والتي تقتضي حلّ كل المليشيات وتشكيل جيش وطني وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، وإنهاء معاناة الليبيين على مختلف الأصعدة، وفي جميع المجالات والمناطق. وبالتالي، يشكل الطموح الشعبي العام في الوصول إلى هذه المرحلة أهم تحديات السلطة الجديدة، وبوصفه أهم أولويات خريطة الحل السياسي، ومرتكز اتفاق جنيف للجنة العسكرية المشتركة الموقع في 23 أكتوبر/ تشرين أول الماضي.

نهاية الحرب لا يمكن تحقيقها إلا عبر إعادة بناء المؤسستين الأمنية والعسكرية

غير أن الرهان على انتهاء زمن الحرب الذي وعدت به السلطة الجديدة يقتضي النظر في حسابات الجهات المحلية وارتباطاتها بالقوى الخارجية وحسابات الربح والخسارة لديها، الأمر الذي يشي بأن الطريق نحو الاستقرار في ليبيا طويلة، وتعجّ بالحفر والمطبّات، فتجاوز مخلفات الحرب وآثارها في مختلف المجالات المعنوية والمادية لا يمكن أن يتم خلال مدة قصيرة، ويتطلب اتخاذ خطواتٍ جريئةٍ تنهي الاستقطاب المناطقي بين الشرق والغرب، وتعيد بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية في وقت قصير. إضافة إلى أن نهاية الحرب لا يمكن تحقيقها إلا عبر إعادة بناء المؤسستين الأمنية والعسكرية، ويتطلب قراراً أممياً يلزم جميع القوى الدولية والإقليمية والمحلية.

ستحاول الأطراف الخاسرة من التسوية وضع العراقيل أمامها. وسبق أن شهدت ليبيا محاولات عديدة للتوصل إلى تسوية سياسية بين أطراف الصراع في ليبيا وعليها، بدءاً من اتفاق الصخيرات وصولاً إلى مؤتمر برلين، وانتهت إلى الفشل. لذلك أخطر ما قد تواجهه التسوية العودة إلى دائرة الصراع الدامي، والذي يأمل الشعب الليبي طي صفحته، ويراهن على نجاح التسوية السياسية، كي يرى نهاية للكوارث والأزمات التي ألمّت به، آملاً في تحسين أوضاعه الإنسانية والمعيشية، وتوفير الخدمات وضرورات العيش الكريم، فهل سينجح الرهان؟

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".